مقاطعة الانتخابات: 10 فوارق إيجابية بين 1992 و2022

مدة القراءة 7 د

يخوّف البعض “أهل السنّة”، أو دعاة مقاطعة الانتخابات، بأن يكون مصير المقاطعين في انتخابات 2022 النيابية، كمصير المسيحيين الذين “خرجوا” من السلطة بعد مقاطعتهم انتخابات 1992 النيابية.

لكن هذا التخويف ليس في محله. والمقاطعة هي خيار جديّ، قد يتوسّع أبعد من الطائفة السنيّة بعد 20 يوماً، وقد يتقدّم شيعياً، وربما مسيحياً ودرزياً، صانعاً “أزمة شرعية” بالنسبة إلى مجلس النواب الجديد، وليس “أزمة ميثاقية” فقط، في ظلّ عزوف سنيّ قد يكون كبيراً.

المقاطعة في 2022 تحمل زخماً و”أملاً” لم يكن متوافراً للمقاطعة في 1992، وهناك 10 فوارق أساسية، داخلية وخارجية، بين “مقاطعتين” تفصل بينهما 30 عاماً:

1- في 1992 كان هناك تسوية عربية كبرى، وقّعت في مدينة الطائف السعودية، بمباركة أميركية وغربية. اليوم ينفضّ العرب عن لبنان، ويعاملونه كأنّه طفل لقيط في المنطقة، أبوّته ضائعة بين إيران وسوريا، وله أبناء وأخوة غير شرعيين بين البحرين واليمن والعراق…

يخوّف البعض “أهل السنّة”، أو دعاة مقاطعة الانتخابات، بأن يكون مصير المقاطعين في انتخابات 2022 النيابية، كمصير المسيحيين الذين “خرجوا” من السلطة بعد مقاطعتهم انتخابات 1992 النيابية

2- في 1992 كان هناك ضابط إيقاع هو “السوري”، بموافقة سعودية – عربية – غربية، “يحسم” حين يقع الخلاف بين “الرؤوس” اللبنانية الحامية. وكان هذا “السوري” يملك “قوات الردع” العربية، فتردع في السياسة وفي الاقتصاد وفي العسكر والأمن… أما اليوم فإيران هي الممسك الوحيد بورقة لبنان، ولا تجد من “يساومها”. وحده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول “بناء” دور فرنسي في لبنان، بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية. ولبنان متروك بلا راعٍ ولا مرجعية عربية أو غربية.

3- في 1992 كان هناك مقاومة تحمل كلّ صفات “الشرعية”، بوجود احتلال إسرائيلي لجزء كبير من جنوب لبنان. حتّى أنّ أوروبا – جاك شيراك، ساهمت، بدفع من الرئيس رفيق الحريري، في توقيع “تفاهم نيسان”، الذي حفظ حقّ هذه المقاومة في محاربة قوات الاحتلال الإسرائيلي على أراضي لبنان، مع حفظ دماء المدنيين من الطرفين. وكانت صور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله معلّقة في صالونات الشعوب العربية، وفي قلوبهم. أما اليوم فسلاح حزب الله لا يملك أي “شرعية”، لا في الداخل ولا في الخارج. وهو سلاح “إرهابي” بالنسبة إلى الدول العربية، يعتدي على الشعوب من سوريا إلى العراق واليمن والبحرين والسعودية والكويت…

4- في 1992 لم يكن حزب الله في السلطة. كان الرئيس برّي ممثّل الشيعة في الحكم. وكان تدخّل “السلاح” في اللعبة السياسية محدوداً، لصالح “الدور الأمني” السوري، الذي كان يحكم بـ”قبضة حديدية”. كان نشاط حزب الله عسكرياً مقاوماً، لا يتدخّل في السياسة لا من قريب ولا من بعيد، ما خلا طلبه الغطاء السياسي للعمل العسكري المقاوم في الجنوب. أما اليوم فالحزب يعتدي على العرب من دول الخليج وغيرها، ونشاطه يمتدّ إلى أميركا اللاتينية وبعض دول أوروبا، بين نيترات الأمونيوم في قبرص والأرجنتين، والاتهامات بإدارة شبكات غير شرعية للتجارة غير الشرعية في أكثر من بلد. وهو المرشد الأعلى للجمهورية، يعيّن من يشاء رئيساً للحكومة والجمهورية…

5- في 1992 كانت أميركا تريد “مكافأة” حافظ الأسد، بسبب وقوفه إلى جانبها في حربها ضدّ صدّام حسين، في عاصفة الصحراء التي أخرجت جيشه من احتلاله الكويت. فأعطته “حكم لبنان”. أما اليوم فلا يوجد حافظ الأسد، بل بشّار، ولا يوجد سوريا، بل 5 احتلالات أجنبية تقطّع الخريطة السورية، وتجعل دمشق جزيرة أمنية بحماية إيرانية – روسية. وسوريا اليوم جزء من المشكلة في لبنان ولا يمكن أن تكون جزءًا من الحلّ.

6- في 1992 كانت الحرب قد وضعت أوزارها، وكانت بيروت مدمّرة، والخريطة اللبنانية فيها توازن قوى نسبي. وكان هناك منتصر إسمه “المسلمون”، وخاسر اسمه “المسيحيون”، خصوصاً بعد اغتيال بشير الجميّل في 1982، ثم رينيه معوّض في 1989، وانتخاب الياس الهراوي رئيساً سوريّ الهوى. الغالب والمغلوب كان وصفةً ليقاطع المسيحيون انتخابات يشرف عليها “السوري”.

7- في 1992 كان رئيس الجمهورية الياس الهراوي متفاهماً بشكل كامل مع الرئيسين رفيق الحريري ونبيه برّي، ومع سوريا والعرب والغرب. وكانت “الترويكا: الهراوي – برّي – الحريري” نظام حكم ساهم في تجاوز مرحلة الإعمار، بالشراكة مع الرابع وليد جنبلاط، بأقلّ الخسائر الممكنة. أما اليوم فالرئيس ميشال عون في نهاية ولايته الرئاسية معزول، ولا يزوره إلا نواب كتلته وبعض الشخصيات التي تدور في فلك حارة حريك. وهو عاجز عن الخروج من قصر بعبدا، ولا يزور أيّ دولة، ولا يزوره أي رئيس. وهو في اشتباك مع برّي ومع “السنّة” ومع “الدروز” ومع أكثر من نصف المسيحيين.

8- في 1992 كان هناك مشروع إعادة إعمار يقوده رفيق الحريري، يموّله العرب، بالتزامن مع رغبة شعبية لبنانية عارمة في تجاوز الحرب، وتعب وإنهاك نفسيّ كبير في أوساط اللبنانية. وكانت الانتخابات “بارقة أمل”، بعد 3 عقود من التوتّر والحروب، ليس ابتداءً بثورة 1958 مروراً بتشريع “فتح لاند” في 1969 والحرب منذ 1975. وكان اللبنانيون ينظرون إلى السلم بالكثير من الأمل. أما اليوم فقد انهار اقتصاد لبنان، ولا يوجد أيّ مشروع أو أمل. المصارف أفلست، وودائع جنى أعمار اللبنانيين منذ 1992 إلى اليوم راحت في مهبّ الريح، كذلك رواتبهم في القطاع العام والخاصّ، وكذلك “الأمل”. لا أمل اليوم، لا بإعمار ولا باقتصاد ولا بمستقبل.

9- في 1992 لم يكن هناك أحزاب، ولا نقابات، ولا قوى تغييرية حيّة، ولا قوى مجتمع مدني. لم يكن هناك “حراك سياسي”. بل كان هناك ميليشيات، بعضها “حكم” وبعضها ظلّت حشرجاته تحاول إعلان “المعارضة”، إلى حين تحرير الجنوب في العام 2000، وتصاعد “المقاومة السياسية” من قرنة شهوان إلى 14 شباط 2005، لحظة اغتيال الحريري. وكان “حلم السلم” يدغدغ مشاعر اللبنانيين لاستعادة شيء من “الدولة” بدل تسلّط قبضايات الأحياء وخوّات الزعران. أما اليوم فهناك الكثير من القوى الثورية والاعتراضية، مع الكثير من الحريّة السياسية، منذ “طلعت ريحتكم” في 2015 إلى 17 تشرين 2019 إلى اللوائح المعارضة في كلّ الدوائر هذه الأيام. وبالتالي فالمقاطعة يمكن أن تشكّل موجة من أمواج الاعتراض، في حدّها الحدُّ بين جدّ “الثورة” و”لعبِ” الانتخابات شبه المعلّبة، وفق قانون فصّله حزب الله وجبران باسيل، ووافق عليه سعد الحريري، وسلّم برلمان لبنان إلى الحرس الثوري الإيراني، مع 74 نائباً لإيران في 2018، بحسب مسؤولين إيرانيين.

 

10- في 1992 كان هناك الكثير من المال، والكثير من الأمل، وتوافق “دولي” على أن يتنفّس لبنان. اليوم لا مال ولا توافق ولا أمل. بل إنّ ثمة دول كثيرة ترى في “تطيير” انتخابات سيفوز بها حزب الله مجدّداً، أمر قد يكون في صالحها. خصوصاً أنّ الانتخابات تجري تحت سطوة إفلاس القوى المعارضة للحزب، وتنعّمه بقوّة “الفريش دولار”، وتحت ظلال سلاحه وقمعه البيئة الشيعية، الوحيدة التي لن تشهد أيّ اختراق أو تغيير في هذه الانتخابات.

لكلّ هذه الأسباب، فإنّ مقارنة مقاطعة 1992 وتداعياتها على “التمثيل المسيحي” ليس في محلّه. العرب اليوم، ضدّ “السلطة”، كذلك “الغرب”، باستثناء ماكرون صديق رئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد الذي لا بد أن يعيد تنظيم مبادرته في لبنان وفق أولويات مختلفة عن أولوياته السابقة التي لم يتحقق منها شيء. والناس في الشوارع والبيوت أيضاً ما عادت تؤمن بالعلاقة الزبائنية الخدماتية مع الأحزاب والميليشيات، بعد انهيار الاقتصاد ومؤسسات “الدولة”.

ولنتذكّر أنّ مقاطعة 1992، هي السلف الأوّل لـ”قرنة شهوان”، ثم “لقاء البريستول”، وصولاً إلى 14 آذار 2005. ثم كرّت سبحة الاغتيالات، من محاولة قتل مروان حمادة، إلى اغتيال لقمان سليم على طريق الجنوب.

قاطعوا… وعودوا إلى الشارع أيّها الرفاق، تعودوا إلى الوضوح.

إقرأ أيضاً: مسؤول كبير في الحزب… يتوعّد بـ”نهاية المختارة”

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…