الانتخابات: المتردّدون 40%… و”الحردانون” يتراجعون

مدة القراءة 5 د

كلّ المعطيات والتطوّرات التي حصلت منذ وقوع الانفجار الكبير والانهيار المالي الاقتصادي والاجتماعي، كانت تشي بأنّ يوم 15 أيار سيكون تاريخيّاً، أو بالأحرى استثنائياً، لأنّ صناديقه ستحتضن غضب اللبنانيين وقرفهم وثورتهم ورفضهم الأمر الواقع، لتخرج لحظة الفرز على شكل انتفاضة سياسية على تركيبة البرلمان وتوازناته.

يقول المرشّح عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة بيروت الأولى زياد عبس في تعليق له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنّ يوم 15 أيار هو “يوم تعليق المشانق في صناديق الاقتراع”. الأرجح أنّ المعنيّين بالاستحقاق، سواء من جهة قوى السلطة أو من جهة المعارضة، اعتقدوا أنّ هذه الدورة من الانتخابات ستكون مفصليّة، فيها شيء من الطابع الانقلابي، ولو أنّ تركيبة البلد لا تحتمل ثورات كهذه في تركيبته السياسية. لكنّ مشهدية 17 تشرين الأول وما تلاها من أحداث كبيرة حملت على الاعتقاد بأنّ هذا الاستحقاق سيُدخل التغيير على البرلمان، من بابه العريض، لأنّ الشريحة الكبرى من الرأي العام ستقترع اعتراضياً بوجه القوى التقليدية وتلك التي شاركت في السلطة.

جعلنا هذا الوباء نكتشف الكثير ممّا كنّا نجهله عن أنفسنا وما كنّا قد نسيناه أو تناسيناه في خضمّ هذا العالم الممتلئ بالجشع والطمع والحروب

قدّمت مراكز الاستطلاع أكثر من دليل على تجنّب الرأي العام التصويت لمصلحة هذه القوى، وبيّنت الدراسات أنّ أكثر من 40% من المقترعين الفعليّين، لا الواردين على لوائح الشطب، يميلون إلى الاقتراع لمصلحة “لا أحد”. وهذه الدراسة كانت تقود إلى نتيجتين: أوّلاً، إنّ القوى السلطوية مرذولة من جانب اللبنانيين، وثانياً، إنّ القوى المعارضة تتمتّع بفرصة ذهبية لجذب هذه الشرائح المتردّدة والمستقلّة.

لكنّ فوضى الترشيحات في صفوف المعارضين خربطت المشهد الاقتراعي من جديد، وأدّت إلى رفع منسوب الإحباط لدى الشرائح المعترضة بسبب تعدّد الترشيحات “التغييرية”، باستثناء قلّة نادرة من الدوائر نجحت فيها المعارضة في توحيد جهودها ولوائحها.

وعليه يجوز السؤال: على مسافة أسبوعين من فتح صناديق الاقتراع، وأسبوع واحد من اقتراع غير المقيمين (6 و8 أيار)، كيف تبدو حماسة اللبنانيين تجاه الاستحقاق؟

أكثرية متردّدة

يقول أحد الخبراء الانتخابيين إنّ هذه الانتخابات لا تشبه أيّاً من الانتخابات التي خاضها اللبنانيون، وتحديداً بسبب حالة “التبلّد” التي تجعلهم غير معنيّين بالسجالات الانتخابية وحفلات التجييش السخيفة والوعود الفضفاضة، لأنّ همومهم في مكان آخر، وصار مستقبلهم ومستقبل أبنائهم على المحكّ. لهذا لا يكترثون كثيراً بالضجيج الانتخابي الحاصل من حولهم. إذ تظهر الاستطلاعات أنّ نسبة مرتفعة من المقترعين لا تزال تعاني من عدم الوضوح في الرؤية وعدم الثبات في الرأي.

المقترعون الفعليون يشكّلون حوالي 70% من الناخبين الواردة أسماؤهم على لوائح الشطب، لأنّ 30 % الآخرين يتوزعون بين قوى أمنية ومسلّحة لا يحقّ لها الاقتراع وبين مهاجرين لا يقترعون. يلفت الخبير الانتخابي إلى أنّ 30% من هؤلاء المقترعين الفعليّين هم بلوكات حزبية موزّعة على كلّ الطوائف. فيما 40% منهم لا يزالون متردّدين ولم يحسموا خياراتهم بعد، مشيراً إلى أنّ هذه النسبة كانت تُقدَّر في الاستحقاقات الماضية بحوالي 10% إلى 15% فقط، وهذا ما يضفي على الاستحقاق الحالي صفة استثنائية.

المقترعون الفعليون يشكّلون حوالي 70% من الناخبين الواردة أسماؤهم على لوائح الشطب، لأنّ 30 % الآخرين يتوزعون بين قوى أمنية ومسلّحة لا يحقّ لها الاقتراع وبين مهاجرين لا يقترعون

بيروت الأولى وزحلة

يؤكّد الخبير أنّ نسب المشاركة لم تتغيّر كثيراً، على عكس الاعتقادات التي كانت سائدة، وعلى الرغم من اقتراب المهل القانونية، وأنّ الأيام الأخيرة التي تسبق يوم الانتخابات، قد تشهد تحوّلاً إذا دخل عامل المال السياسي، وأنّ بوادر هذا التأثير بدأت تظهر في دائرة بيروت الأولى وزحلة، لكنّ نسبة الحماسة لم تتقدّم إلا بأرقام طفيفة.

في المقابل، يؤكّد خبير ثانٍ أنّ دراسات فريقه رصدت تطوّراً في المزاج العام للّبنانيين إزاء الاستحقاق، بحيث أنّ أرقام “الحردانين”، كما يصفهم، والذين يفضّلون البقاء في منازلهم يوم الخامس عشر من أيار، بدأت بالتراجع نسبياً. إذ بلغت نسبة هؤلاء منذ أسابيع حوالي 55% من أصل إجمالي المقترعين الذين شاركوا في الاستحقاقات الماضية، وصارت حوالي 23%. وانخفضت نسبة الحردانين عند المسيحيين من حوالي 23% إلى 15%، وفي المنية والضنّية على سبيل المثال، انخفضت نسبة “الحردانين” من حوالي 23% إلى 10% أو 15%.

يرى الخبير أنّ تشظّي اللوائح المعارضة فعل فعله في المزاج العام، فيما القوائم الحزبية تعمل على شدّ عصب جمهورها، إلى جانب عامل المال السياسي الذي بدأ يظهر بين الناخبين. ويرجّح أن تكون أعلى نسبة مشاركة، قياساً مع الاستحقاق الماضي، في قضاء بشرّي الواقع في دائرة الشمال الثالثة.

يُذكر أنّ نسبة المشاركة في العام 2009 بلغت 50.7%، إذ اقترع 1,657,192 من أصل 3,266,074 ناخباً، وسجّلت كسروان أعلى نسبة مشاركة، 67.47%، فيما سجّلت دائرة بيروت الأولى أدنى نسبة مشاركة، 31.71%.

إقرأ أيضاً: هل تفوز القوات بالمقعد السنّي في زحلة؟

أمّا في العام 2018 فقد بلغت 49.67%، إذ اقترع 1,861,203 من أصل 3,746,746 ناخباً، وسجّلت كسروان أعلى نسبة مشاركة ببلوغها 67.09%. وسجّلت دائرة بيروت الأولى أدنى نسبة مشاركة ببلوغها 33.19%.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…