هل يلحق مرفأ اللاذقية.. بمرفأ بيروت؟

مدة القراءة 7 د

تكشف إشراقة الخامس عشر من الشهر الحالي ما كان سرّاً في ظلام تلك الليلة التي سبقتها. فقد استهدفت صواريخ إسرائيلية مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا خلف جبل قاسيون بالعاصمة السورية دمشق.

بحسب مركز جسور للدراسات، دمّر القصف الإسرائيلي مصنعاً لتجميع الطائرات المسيَّرة، ومستودعات أسلحة وذخائر لحزب الله اللبناني وميليشيا الحرس الثوري الإيراني التابعة لإيران في بلدتَيْ رخلة وعين الرضوان التابعتين لمدينة قطنا، القريبة من العاصمة.

تعدّ هذه الغارات هي الثانية على المنطقة المحيطة بدمشق خلال أسبوع. وهي واحد من مئات الغارات التي شنّتها إسرائيل ضدّ أهداف إيرانية داخل الأراضي السورية. لكنّها حافظت على مبدأ الامتناع عن التعليق عن مسؤوليتها. ومع كلّ استهداف يعلن النظام السوري تصدّيه للهجمات عبر المضادّات الأرضية، في حين أنّصور الأقمار الصناعية تُظهر دماراً في المواقع والمنشآت بعد الاستهداف.

خلال السنوات الماضية بدأت إيران بنقل الأسلحة إلى سوريا و”حزب الله” في لبنان عن طريق البحر، لتجنّب الهجمات التي تشنّها إسرائيل على قوافلها البرّيّة

في 10 نيسان الجاري كشف الجيش الإسرائيلي أنّه نفذ أكثر من 400 غارة جوية في سوريا وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط منذ عام 2017 كجزء من حملة واسعة النطاق تستهدف إيران وحلفاءها، بحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”. قتلت الضربات أكثر من 300 شخص من بينهم قادة عسكريون إيرانيون وجنود سوريون ومسلحون تدعمهم طهران وثلاثة مدنيين على الأقل، وفقاً لتقرير من شركة NorthStar Security Analysis وهي شركة استشارية مقرها إسرائيل.

لكن ما سرّ هذا الاستهداف؟ وما سبب تكثيف إسرائيل غاراتها على سورية في الآونة الأخيرة؟

بالطبع إيران هي أحد حلفاء بشار الأسد في حربه ضدّالسوريين منذ عام 2011. وقد دعمته بعشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات والمعدّات العسكرية والأموال، وساعدته على الصمود أمام الثورة إلى حين وصول النجدة الروسية في 2015.

في المقابل وجدت إيران في هذا الوجود العسكري فرصة مهمّة لتوطيد أقدامها في البلاد وتنظيم خط إمداد عسكري من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، إلى جانب حركة التشييع وشراء الأراضي وتجنيس غير السوريين من ميليشيات إيران، وتوطينهم في المناطق السورية الاستراتيجية.

 

تصاعد وتيرة القصف

حسب دراسة صادرة عن مركز جسور للدراسات فإنّالضربات الإسرائيلية تستهدف مستودعات أسلحة ورؤوس صواريخ ومنظومات دفاع جوّي تابعة لإيران، قبل نقلها إلى لبنان، إضافة إلى نقاط رصد متقدّمة لـحزب الله“.

في كانون الثاني 2013، بدأت الضربات الجويّة الإسرائيلية في سوريا عندما قصفت طائراتها قافلة زُعِم أنّها كانت تحمل أسلحة من سوريا إلى مقاتلي حزب الله. ومنذ ذلك التاريخ، نفّذت إسرائيل مئات الضربات المعلَنة وغير المعلَنة ضدّ الجماعات المسلّحة المرتبطة بإيران.

يعتقد باحث في مركز جسور، في اتصال مع أساس، أنّ الغارات الإسرائيلية تهدف إلى قطع الطريق على التوسّع الإيراني وتدمير مصانع إنتاج الصواريخ والطائرات المسيَّرة ومراكز الأبحاث التابعة لها، ومن بينها مركز البحوث العلمية في جمرايا، وهو ما يشير إلى أنّ الغارات هدفها تدمير الترسانة العسكرية الإيرانية في سوريا والحدّ من وجود حزب اللهاللبنانيوقدراته العسكرية.

يقع مركز البحوث العلمية شمال غربي دمشق، ويُعتبر من أبرز المراكز التي يعتمد عليها النظام السوري وإيران في تطوير الصناعات العسكرية، من بينها الأسلحة الكيمياوية، والصواريخ البعيدة والقصيرة المدى.

حديث الصورة: نشر موقع Image Satellite International في وقت سابق صوراً أظهرت آثار القصف الإسرائيلي لمركز البحوث العلمية في مدينة مصياف جنوب غربي محافظة حماة. وقد دمّر الهجوم أربعة مبانٍ كانت تُستخدم لخلط وصبّ مكوّنات المحرّكات والرؤوس الحربية لإنتاج صواريخ “أرض- أرض” متوسطة المدى.

 

سوريا مركز تطوير أسلحة

أما في ما يتّصل بتكثيف الغارات في الآونة الأخيرة، فيعتبر الصحافي المتخصّص في الشأن الإيراني، أيمن محمد، أنّ السبب يعود إلى اتّساع نفوذ ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وتحويل سوريا إلى مصنع لتطوير وإنتاج السلاح ومخابئ للأسلحة الإيرانية.وأنّها حرب استنزاف ضدّ إيران في سوريا، لمنعها من تشكيل قوّة قتالية، وإضعاف قدرتها على بناء جبهة عسكرية مشتركة تجمع بين سوريا ولبنان والعراق.

على الرغم من عدد الغارات الإسرائيلية الكبير نسبيّاًفي سوريا، أبلغ السوريون عن مستويات منخفضة من الضحايا المدنيين في هذه الغارات، ويبدو أنّ هذا مرتبط بضرب إسرائيل في الغالب أهدافاً عسكرية في مناطق ذات كثافة سكّانية منخفضة.

كما كشف موقع الحروب الجوية Airwars البريطاني عن احتمال مقتل ما بين 14 و40 مدنيّاً جرّاء غارات جويّة إسرائيلية على سوريا استهدفت البنى التحتية العسكرية الإيرانية خلال 8 سنوات.

وتحدّث الموقع عن مقتل ما لا يقلّ عن 631 من أفراد الأطراف المتحاربة في سوريا، جرّاء الضربات الإسرائيلية منذ كانون الثاني 2013 حتّى تشرين الأول 2021، إذ أفادت مصادر أنّ 50% من المجموعات المستهدَفة كانت على الأرجح جهات عسكرية مرتبطة بإيران.

 

ما جدوى الغارات

تُواصل إسرائيل منذ سنوات قصفها مواقع عسكرية في العمق السوري، وسط غياب أيّ ردّ حقيقي من جانب النظام السوري، باستثناء المضادّات الأرضية التي لا تعوق أيّ استهداف إسرائيلي داخل الأراضي السورية.

يوافق مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك على أنّالضربات الإسرائيلية التي كانت تُوجّه إلى مواقع سورية هدفها تدمير هذه الشحنات ومنعها من الوصول إلى يد حزب الله اللبناني وغيره من الميليشيات الموالية لإيران.

لكن يجزم العقيد المنشقّ عن الجيش السوري، ضاحي أيوب، في اتصال مع أساس، أنّ الضربات الإسرائيلية لن تقضي على الوجود الإيراني أو تشلّ حركة النظام السوري، لكنّها تسعى إلى تدمير كلّ ما يتعلّق بتكنولوجيا الأسلحة والدفاعات الجويّة، من دون التركيز على استهداف المسلّحين من الميليشيات الإيرانية أو عسكر النظام السوري في غاراتها.

 

أسلحة أم غذاء

خلال السنوات الماضية بدأت إيران بنقل الأسلحة إلى سوريا وحزب اللهفي لبنان عن طريق البحر، لتجنّب الهجمات التي تشنّها إسرائيل على قوافلها البرّيّة.

في نهاية العام الماضي استهدفت غارات جويّة ميناء اللاذقيةالتجاري، وقيل وقتذاك إنّه استهداف لمخازن ترتبط بإيران، بينما تتحدّث الرواية السورية الرسمية عن استهداف حاويات غذائية“!

كشف مجلس العلاقات الخارجية (وهو مركز أبحاث أميركي في نيويورك) إلى أنّ الحكومة الروسية عمدت أخيراً إلى توفير الحماية لنقل صواريخ إيرانية إلى الأراضي السورية عبر البحر، وذلك عقب تزايد الهجمات الإسرائيلية على قوافل التهريب عبر الطرق البريّة.

أوضح المجلس أنّ السفن الإيرانية تبحر عبر البحر الأحمر، وتمرّ عبر قناة السويس لتصل إلى البحر المتوسط، وهي تحمل وثائق مزوّرة تفيد بأنّ حمولتها عبارة عن شحنات نفطية فقط، مضيفاً أنّ النفط ليس في حقيقة الأمر البضاعة الوحيدة التي تحملها. ولفت المجلس إلى تخزين جزء من هذه الصواريخ داخل سوريا، بينما يتمّنقل الجزء الآخر إلى لبنان.

وأكّد المجلس أنّه على الرغم من استهداف إسرائيل المتكرّر لقوافل برّيّة محمّلة بأسلحة إيرانية متّجهة إلى مخازن حزب اللهاللبناني، فإنّها ستواصل، حتّى في حال تغيير الاستراتيجية الإيرانية بنقل الشحنات عبر البحر، توجيه ضرباتها إلى مواقع التخزين، التي كان أغلبها خلال الفترة الماضية ضمن الأراضي السورية.

إقرأ أيضاً: المساعدات الإنسانيّة في سوريا “ابتزاز سياسيّ”

هكذا تكون إيران قد فتحت، بمساندة النظام السوري، بوّابة جديدة لإدخال الأسلحة عبر مرفأ اللاذقيةبحجّة نقل بضائع غير تجارية.وهي عادة الإيرانيين في سوريا الذين حوّلوا مطار دمشق الدولي إلى منشأة إيرانية لنقل الأسلحة.

فهل يكون مصير مرفأ اللاذقية مشابهاً لمصير مرفأ بيروت؟ أم أنّ الحماية الروسية ستحميه من هذا القدَر؟  

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…