الحزب “يزعم” العروبة من بوّابة فلسطين

مدة القراءة 5 د

لا يفوّت حزب الله مناسبةً إلا ويستغلّها لتخوين معارضيه السياديّين المطالبين بدولة حرّة ومستقلّة. فالمطالبون بإنهاء الاحتلال الإيراني للبنان “عملاء” وفق معاييرهذا  الحزب.

هذه المرّة، وبلسان رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفيّ الدين، يتكرّر المكرَّر فيما التوقيت له دلالاته. وقد ورد في كلامه شقّان أساسيّان. أوّلهما أنّه رفض نتائج الانتخابات  النيابية مهما كانت. وهذا واضح في قوله: “أيّ نتيجة للانتخابات لن تنفع لمواجهة حزب الله أو إضعافه”.

المعنى هنا ليس  “في قلب الشاعر”، بل مفضوح وصريح. أراد صفي الدين بكلامه أنّ للّبنانيّين ديمقراطيّتهم و”نحن سقفها”، أي حزب الله. في هذا المعنى لا يستبعد القّوة لفرض الأمر الواقع مجدّداً مهما كانت نتيجة الانتخابات. ففي كلّ الأحوال لم يمتلك حزب الله في 2005 و2009 أكثرية نيابية، إلا أنّه امتلك السلاح الذي به حكم اللبنانيّين وديمقراطيّة نظامهم البرلماني. ويبدو اليوم أنّ حزب الله شبه أكيد أنّ أغلبية اللبنانيين ترفض دويلته وتتمسّك ببناء دولتها.

يعيش نصف الشعب الفلسطيني في الشتات. ما يقارب 6 ملايين يتوزّعون في أنحاء العالم

أمّا الجزئيّة الثانية في كلامه والموجّهة إلى المجتمع العربي فقد جاء فيها تبرير ولاء حزب الله الإيراني من بوابة “نحن عروبيون أكثر منهم”. واضطرّ هنا صفي الدين إلى تعليل كلامه باستخدام “القضية الفلسطينية” مجدّداً. وهنا يطول الكلام ويُطرح السؤال:

 

 ماذا قدمت إيران للفلسطينيّين؟

يعيش نصف الشعب الفلسطيني في الشتات. ما يقارب 6 ملايين يتوزّعون في أنحاء العالم. في الأردن قرابة 3 ملايين من أصل فلسطيني، وقرابة نصف مليون في دول الخليج، ومثلهم في لبنان. وهذه أرقام  تقريبية مبنيّة على إحصاءات أُجريت في السنوات الخمسة الفائتة.

يحظى الفلسطينيون في الأردن والدول الخليجية بحقوقهم المدنية التي يكفلها القانون الدولي، بينها الحقّ بالعمل والتعليم والطبابة وامتلاك عقار.. إلخ. وفي هذه الدول، وجد الفلسطينيون كما غيرهم من الوافدين سقفاً آمناً ومستقبلا حياتياً كريماً وعملاً محترماً يوفّر لهم قوتهم واستقرارهم ويضمن مستقبل عائلاتهم تحت سقف قانون كلّ من هذه الدول. وفي المقابل مقاربة لافتة. ففي إيران، لا يوجد وافدون عرب يمكن ذكرهم، سواء من فلسطين أو لبنان أو العراق أو اليمن أو سوريا.

لم تقدّم إيران لهذه الشعوب إلا “التضامن” قولاً، والرصاص والصواريخ فعلاً. استبدلت إيران استقبالها لهم بتصدير رصاصاتها التي قتلت من أبناء هذه الشعوب أضعاف ما أثّرت في عدوّ إيران المزعوم و”ممانعتها” له.

دأبت طهران منذ إنشاء الجمهورية الإسلامية في أعقاب الثورة عام 1979 وما تلاها ،على الاتّجار بالقضية الفلسطينية، المحقّة، واستخدامها وقوداً لاستمرارية محورها “الممانع” قولاً لا فعلاً. وبهذه الشعارات والتصريحات العلنيّة المتكرّرة تلعب إيران على الوترين “العاطفي” و”الإنساني”.

في الداخل الفلسطيني، قوّضت إيران الوحدة الوطنية الفلسطينية، فاستغلّ الاحتلال هذا الانقسام لتكريس احتلاله. غزّت طهران “الجهاد الإسلامي” ضدّ حركة “حماس” في قطاع غزة، ثمّ دعمتهما معاً بوجه السلطة الفلسطينية والقوى الفلسطينية الأخرى، وغذّت الشرخ بين غزة والضفة الغربية، وعزّزت التناقضات بين الفصائل الفلسطينية.

 

دور إيران ضدّ فلسطين

بالعودة إلى العام 1982 يذكر الفلسطينيون كيف أنّ إيران لم تحرّك ساكناً لنجدة ياسر عرفات المحاصَر في بيروت، بل اشتبكت حركة أمل، بأوامر من نظام حافظ الأسد، مع القوى في المخيمات الفلسطينية في ما عُرِفَ بـ”حرب المخيمات”)، قبل أن يساعد النظام السوري على حدوث انشقاق في حركة فتح برئاسة أبو موسى الذي شكّل ما عُرِف لاحقاً بـ”فتح الانتفاضة”، واستقرّ في سوريا وساعد على حدوث انشقاقات أخرى في الفصائل المنضوية في منظمة التحرير.

لا يخفى دور إيران في تخريبها تفاهمات الفلسطينيين في أوسلو  وواي ريفر وواي بلانتيشين من خلال تشجيع الخطاب التنظيري غير الواقعي أو حتّى البراغماتي. هذا وسعت طهران إلى عرقلة التعاون والتنسيق الفلسطيني الأمنيّ عندما أرسلت باخرة محمّلة بالأسلحة، وقامت هي نفسها بإفشاء سرّها سلفاً، فداهمتها إسرائيل في البحر الأحمر ضمن ما سُمّي بـ”عملية سفينة نوح” في كانون الثاني، 2002 وأفرغت حمولتها في ميناء أشدود وتمّ استعراضها على شاشات التلفزة الأميركية بشكل ترويجي لـ”اتّهام ياسر عرفات شخصيّاً بالإرهاب”، فيما نفى الراحل أيّ تورّط له في هذا الأمر. وبعدها كانت النتيجة “المدروسة” إيرانياً، وهي مقاطعة الأميركيين لياسر عرفات ومحاصرته، فتكون طهران بذلك قد منحت الفرصة لتل أبيب و”الحجّة القوية” لاغتيال القائد الفلسطيني.

 

طهران في خدمة تل أبيب

مواقف إيران الدوغمائية وتسويقها “للوعد الإلهي “بتحرير القدس ورمي الإسرائيليين في البحر، كانت لهما تداعيات سلبية قادت إلى إعلان إسرائيل جهاراً سياستها التوسّعية وضمّ هضبة الجولان المحتلّة الى أراضيها نهائياً وبناء مستوطنات عليها. وبصيغة تبسيطيّة أخرى، كلّما صعّدت إيران كلامياً بوجه إسرائيل بادرت الأخيرة إلى تكريس احتلالها على أرض الواقع.

هذا وتبقى الجغرافيا أكثر الثوابت على مدار آلاف السنوات. طريق القدس في الألفيّة الثالثة ليست طريق روما في بداية الألفية الأولى، وبالتالي لا توصل كلّ الطرق، بخلاف روما، إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ويبدو أنّ إيران اختارت أن تجوب العالم، وألّا تقترب من القدس إلا بالتصريح والوعيد لمدّة يوم واحد سنوياً لتجييش النفوس.

إقرأ أيضاً: فلسطين: لا راية بيضاء ترفع وليكن ما يكون

ببساطة وفي خلاصة الحديث، سقطت الأقنعة، ومعها سقط اتّجار حزب الله بالقضية الفلسطينية بعدما فضحته عقود من الزمن. أمّا كلام صفي الدين الذي من بوابته يدّعي “العروبة”، حبذا لو ترك المليارات التي يستحصل عليها الحزب من طهران ويجاهر بها زعيمه حسن نصرالله، ويركّزان على لبنانيّتهما قبل تخوين العرب بعروبتهم وتخوين اللبنانيين بوطنيّتهم في هذا الظرف الدقيق من تاريخ لبنان.

 

*كاتب لبناني مقيم في دبي

مواضيع ذات صلة

أسئلة إيرانيّة وجوديّة بعد الضّربة الإسرائيليّة وانتخاب ترامب

خمسة أسئلة حاسمة، فرضتها الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران، لم تكن مطروحة بهذه الحدّة من قبل. وهي ليست أسئلة تتعلّق بالتكتيكات والمناورات بقدر تعلّقها بجوهر…

إيران خسرت “قاعدتها المتقدّمة”… وباتت “في المواجهة”

مهما قيل ويُقال عن الحزب باعتباره القوّة التي لا تُقهر والتنظيم الذي لا يُخترق أمنيّاً على الرغم ممّا أصابه من أهوال وصلت إلى درجة محو…

أنقرة – موسكو: الشّدّ والجذب السّوريّ؟

صدر عن القيادات السياسية التركية والروسية في الآونة الأخيرة تصريحات متناقضة حول ملفّات ثنائية وإقليمية مشتركة تعني الطرفين، الشقّ السوري فيها كانت له الأولويّة دائماً…

ترامب عن إيران ولبنان: كلام ممنوع من النّشر

قبل 72 ساعة من فتح صناديق الاقتراع في أميركا، مرّ ترامب مرور الكرام في ذلك المطعم في ديربورن، في الضاحية الجنوبية لمدينة ديترويت. وقف موزّعاً…