الدرس الأوكرانيّ: المعادلات الدولية أصبحت معضلات مخيفة!

مدة القراءة 4 د

نظام كلّ عناصر القوة، إلا قوّة القانون، هي سمة الحقيقة المقبلة في ممارسة الدول لعلاقاتها بعد درس الحرب الروسية-الأوكرانية.

أشكال القوى، التي كانت منضبطة عقب الحرب العالمية الثانية، تعود وتصبح متفلّتة وتغري بالجرأة على كلّ الخطوط الحمراء.

علينا أن نعدّ أنفسنا لنرى صواريخ بالستيّة وأسلحة كيمياوية ومذابح جماعية وعمليات تطهير عرقي ونزوحاً جماعياً ولاجئين عبر حدود الدول.

علينا أن نعدّ أنفسنا لعقوبات دولية خارج قواعد القانون الدولي.

علينا أن نعدّ أنفسنا للتغيير في نظام سداد السلع الاستراتيجية بعملة الدولار الأميركي واليورو والإسترليني، وأن تصبح المعاملات باليوان الصيني والروبل الروسي والعملات الخليجية في المستقبل القريب.

لم تعد العقوبات فقط ضدّ الدولة كدولة أو النظام ومؤسّساته، لكنّها أصبحت تطول أنصاره من ساسة وحلفاء وأصدقاء ورجال أعمال بشكل لا يوجد فيه احترام للملكيّة الخاصة ولا لقوانين حماية الاستثمار والمستثمرين

علينا أن نتوقّع تحالفات جديدة بين أعداء، وانقسامات جديدة بين حلفاء، ومعاهدات واتفاقيات تقاسم نفوذ تتعدّى “سيفر” و”بالكا” و”سايكس بيكو” و”لوزان”.

ويجب أن لا نفاجَأ بانفتاح شهيّة كثير من الدول على تنفيذ رغبات القوة المكبوتة التي كانت ممنوعة من ممارستها بسبب استحالة القبول بها دوليّاً.

من هنا يجب ألّا نفاجَأ من سلوك الصين تجاه تايوان أو انفجار النزاع الياباني-الصيني حول الجزر المتنازع عليها.

ولا أن نفاجَأ بتمدّد الحرس الثوري الإيراني اتّجاه مناطق النفط في كردستان، وتحديداً حول إربيل، ولا بسعي الحكومة الإسرائيلية إلى إعلان الضمّ النهائي لمناطق تابعة للسلطة الفلسطينية.

سوف يجرؤ كلّ من كانت لديه حقوق أو أطماع في قطعة أرض دولة جارة، أو لديه رغبة في تغيير الخطوط الدولية للحدود المستقرّة والمعتمَدة من الأمم المتحدة.

المسارات الاستراتيجية، المياه، الطاقة، المعادن، هي مغريات وجائزة ممارسات القوّة المقبلة.

شكل الحروب التقليدية سوف يستمرّ، لكن مع تعديلات في نوعيّة الأسلحة، واستخدام القوة المسلّحة داخل حزمة عناصر قوى أخرى.

أصبحت حزمة عناصر القوى تضمّ الآن الحرب السيبرانية والعقوبات الاقتصادية والحصار المالي والتجاري ومنع انتقال البضائع والسلع والأفراد، وتقييد حركة النقل الجوّي والبرّي والبحري.

 

لم تعد العقوبات فقط ضدّ الدولة كدولة أو النظام ومؤسّساته، لكنّها أصبحت تطول أنصاره من ساسة وحلفاء وأصدقاء ورجال أعمال بشكل لا يوجد فيه احترام للملكيّة الخاصة ولا لقوانين حماية الاستثمار والمستثمرين.

أصبح الشابّ الفلسطيني داخل الأراضي المحتلّة يرى أن لا سبيل لحماية الأقصى وحماية أسرته إلا برشّاش كلاشنيكوف أو سكّين مطبخ.

أصبحنا نعيش الآن في زمن “أنونيموس”، أي “المجهولون بلا اسم”، وهم جماعة تقوم باختراق المراكز السيبرانية للدول، وآخرها اقتحام أسرار الكرملين خلال الحرب الأوكرانية.

تقوم هذه الجماعة، مثلها مثل “ويكيليكس” وأخواتها، على فضح وتسريب أسرار الدول بهدف الإضرار بها وإلحاق العار السياسي وإثارة التساؤلات حول شرف وكفاءة ونزاهة المسؤولين.

إنّه عالم غريب يجرؤ فيه بوتين وخامنئي وإردوغان وآبي أحمد ونفتالي بينيت على قواعد القانون الدولي وما يعرف بالشرعية الدولية.

هذا عالم تثبت فيه صعوبة وجود “متغلّب واضح وصريح” في الصراعات الدائرة الآن، بمعنى لا يوجد فائز كامل يرفع شارة النصر في مقابل مهزوم يرفع راية الاستسلام.

انتهينا من عصور “أكسب أنا وتكسب أنت”، وانتقلنا إلى عصر “الجميع يتضرّر”، عصر نصف منتصر ونصف مهزوم.

لا منتصر كاملاً في الحرب الأوكرانية أو حرب اليمن أو حرب أرمينيا- أذربيجان.

لا متغلّب كاملاً في صراع مجلس السيادة العسكري والقوى المدنية في السودان، ولا حسم نهائيّاً في صراع الرئيس التونسي وحركة النهضة، ولا في صراع حماس مع السلطة، ولا فائز نهائيّاً ومحسوماً داخل صراعات القوى في لبنان، ولا يمكن أن يحكم الأسد سوريا بدون تمثيل للمعارضة، ولا إمكانية لاستمرار الحكم بلا عميل روسي-إيراني على رأس السلطة.

إنّها معضلات أكثر منها معادلات للحكم والعلاقات وممارسة النفوذ.

لم يعد انفلات الأطماع قاصراً على الدول، لكنّه دعوة مفتوحة الآن لداعش والقاعدة والحوثي وحزب الله وبوكو حرام والأحزاب العنصرية في أوروبا.

إقرأ أيضاً: “العار السياسيّ” لكبار هذا العالم!

علينا أن نحسن الفهم والتدقيق والتحليل والاستيعاب لهذه المتغيّرات الأسطورية التي يشهدها العالم في زمن قصير غير مسبوق.

نحن نعيش في عالم سوف يتغيّر فيه اللاعبون واللعبة والأنظمة والحدود والأدوات المستخدَمة.

التحرّك دون هذا الفهم هو حكم بالإعدام على حاضرنا ومستقبلنا.

لن يأتي كانون الأول 2022 قبل أن نرى عالماً جديداً عنيفاً بكلّ المقاييس.

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…