انتخابات المنية: العائلات أوّلاً

مدة القراءة 6 د

ثمّة طابع انتخابي خاصّ لبعض المناطق، حيث تمتزج الصراعات السياسية بالعائلية، وتصبح المعركة الانتخابية امتداداً للتنافس بين كُبرى العائلات في المنطقة، إنّما بوجه سياسي يتقدّم أحياناً ويتراجع أطواراً. إحدى هذه المناطق هي المنية، الدائرة الصغرى التي تُشكّل مع الضنّية وطرابلس دائرة الشمال الثانية ذات الثقل السنّيّ الأكبر في لبنان.

نائب غير متوّج

في 22 نيسان من العام 2009، كان الرئيس سعد الحريري يستعدّ للذهاب إلى مهرجان إعلان لائحة المستقبل لدائرة الضنّية – المنية، وفق نظام القضاء بالقانون الأكثري، وكان من المفترض أنْ يكون المرشّح عن المنية هو المحامي بسام رملاوي. لكنّ أنصار النائب الراحل هاشم علم الدين كان لهم رأي آخر تمكّنوا من فرضه على سيّد المستقبل في الدقائق الأخيرة التي سبقت بدء المهرجان الانتخابي، بعد حركة احتجاجية اتّسمت بالحدّة بعض الشيء.

نزل الرئيس الحريري عند رغبة العائلة الكبرى في المنية، وتبنّى ترشيح النائب هاشم علم الدين وسط حسرة رملاوي الذي رافقه في الطريق إلى هناك مرشّحاً، فأضحى متفرّجاً في الصفّ الأوّل. لم يكن لدى رملاوي سوى مشكلة واحدة لا دخل له فيها، وهي أنّ عائلته صغيرة العدد، والأفضليّة هي للعائلات الأكثر عدداً، وخاصة في المناطق ذات الطابع الريفي. وفي المنية ثلاث عائلات كبرى هي بالترتيب: علم الدين، الخير، زريقة، بالإضافة إلى عائلات أخرى ذات وزن وتأثير، وإنْ كانت ليست بحجم تلك العائلات الثلاث.

الأساس في انتخابات المنية هو الصراع بين العائلتين الذي يقتضي وجود مرشّح رئيسي لكلّ عائلة تصبّ الأصوات لمصلحته

كلاكيت ثاني مرّة

يعود المشهد نفسه ليتكرّر ثانية في انتخابات العام 2018، للمفارقة مع رملاوي أيضاً الذي دفعه ما حصل عام 2009 إلى أن يولّي وجهه شطر الرئيس نجيب ميقاتي، ممنّياً النفس بأنْ يكون مرشّح لائحة العزم في المنية، وهو ما لم يحصل، بعدما قام المستقبل بإحراج النائب كاظم الخير لإخراجه، فحطّ الأخير رِحاله في لائحة العزم مُقصياً رملاوي الذي تمّت التضحية به كُرمى أصوات آل الخير.

مقعد بين عائلتين

ولأنّ المعيار العائلي هو الفيصل، لم يخرج مقعد المنية عن إطار التنافس بين آل علم الدين وآل الخير. فقد كان النائب السابق صالح الخير ممثّل المنية في البرلمان منذ عام 1972 حتى عام 2005، مع سابقة وحيدة عام 1992 حين حصلت المنية على مقعد ثانٍ على حساب الضنية فاز به الراحل محمود طبّو. ثمّ تحوّل المقعد إلى النائب هاشم علم الدين مرشّح المستقبل، الذي استمرّ فيه إلى عام 2010، ليعود إلى آل الخير إثر الانتخابات الفرعية التي أُجريت بعد وفاته، مع تبنّي المستقبل ترشيح كاظم نجل النائب السابق صالح الخير، وفق قاعدة المداورة في التمثيل البرلماني بين العائلتين.

استلزم تطبيق هذه القاعدة عام 2018 تنفيذ سيناريو إخراج النائب كاظم الخير. حينذاك، كان مرشّح المستقبل المفضّل هو أحمد علم الدين الملقّب بـ”الدوري”، الذي كان يواجه معضلة ترشّح عثمان، شقيق الراحل هاشم علم الدين ضمن لائحة الوزير أشرف ريفي. ضغط المستقبل لإنجاز اتّفاق عائلي يقضي بعدم ترشّح عثمان لمصلحة الدوري، لكنّ الضغط أتى بمفعول عكسي، فقد آثر الثاني عدم الترشّح، وبالتالي أصبح الأول المرشّح الأوحد لآل علم الدين وفاز بالمقعد بـ10,221 صوتاً تفضيلياً مقابل 6,754 صوتاً لكاظم الخير، وبنسبة اقتراع ناهزت 50%، وحلّ أوّلاً على لائحة المستقبل في دائرة الشمال الثانية.

وقد أدّى انسحاب النائب الخير من تيار المستقبل إلى سقوط بلدية المنية عام 2019 نتيجة انقسام مجلسها بين الخير والمستقبل، ورفض الفريق المحسوب على الخير تنفيذ اتّفاق سابق بتبادل الرئاسة بعد مرور ثلاث سنوات.

حسب معلومات “أساس” فإنّ الرئيس ميقاتي اتّفق مع الرئيس السنيورة على إخراج النائب عثمان علم الدين من لائحة الدكتور مصطفى علوش، الأمر الذي فاجأ عثمان وأربكه، في تكرار لسيناريو عام 2018 إنّما بشكل معكوس

الصراع العائليّ هو الأساس

بُعيد إقفال باب الترشيحات، ظهر أربعة مرشّحين لآل علم الدين، ومثلهم لآل الخير، أي نصف عدد المرشّحين الإجمالي (16)، ثمّ أصبحوا ثلاثةّ من الأسرة الأولى مع انسحاب أحمد علم الدين (الدوري).

الأساس في انتخابات المنية هو الصراع بين العائلتين الذي يقتضي وجود مرشّح رئيسي لكلّ عائلة تصبّ الأصوات لمصلحته، أمّا كيف سيترشّحان، وعلى لائحة مَنْ، فهذا أمر ثانوي. وهناك تسليم واضح من قبل القوى السياسية وعائلات المنطقة بحصريّة مقعد المنية بين العائلتين، ومن علائمه ترشيح الحزب التقدمي الاشتراكي لعفراء عيد عن أحد مقاعد طرابلس مع أنّها من دير عمار التي تتبع المنية، وقلّة الترشيحات من خارج العائلتين. ولولا الشرط الذي يفرضه القانون الانتخابي بإلزاميّة وجود مرشّح عن المنية، فلربّما كانت الترشيحات شبه معدومة، ولا سيّما أنّ جميع المرشّحين على اللوائح المتنافسة عام 2018 من خارج العائلتين بالكاد حصلوا مجتمعين على 1,000 صوت فقط.

سيناريو 2018 معكوساً: كاظم أوّلاً

حسب معلومات “أساس” فإنّ الرئيس ميقاتي اتّفق مع الرئيس السنيورة على إخراج النائب عثمان علم الدين من لائحة الدكتور مصطفى علوش، الأمر الذي فاجأ عثمان وأربكه، في تكرار لسيناريو عام 2018 إنّما بشكل معكوس، وذلك لأنّهما كانا يعوّلان على انقسام أصوات آل علم الدين بين أحمد (الدوري) وعثمان، بما يُسهّل فوز كاظم. ومع انسحاب الدوري، سارع ميقاتي الى الاتّفاق مع الثنائي الصمد – وكرامي على ضمّ نبراس علم الدين الى لائحتهما، وتمويل حملته الانتخابية في مواجهة عثمان، عمّه وخصمه البلدي السابق، ضمن لائحة ريفي – القوات، فقط بهدف شرذمة أصوات آل علم الدين.

إقرأ أيضاً: دارت “الدوائر” على باسيل: مقاعد في مهبّ الريح

لذا، يبدو كاظم الخير هو الأوفر حظّاً للفوز بالمقعد، ولا سيّما مع قيام الرئيس ميقاتي بدور كاسحة ألغام لتعبيد طريق فوزه بشتّى الوسائل، حتّى أنّه نجح في تحييد كمال الخير الذي لم يُقدم على تشكيل لائحة كما المرة الماضية (2.000 صوت تقريباً)، وتشير معلومات “أساس” الى أنّه قد يُجيّر أصواته الى كاظم. أضف الى ذلك، فإنّ أحمد الخير، الذي اختاره علوش ضمن لائحته لكونه مقرّباً من المستقبل، يخوض غمار الانتخابات للمرة الأولى، ويصعُب تقدير حجم الدعم العائلي الذي سيحظى به، حتى الآن يبقى كاظم المرشّح الأول والأقوى لآل لخير… وللمنية.

مواضيع ذات صلة

التّمديد في زمن “النّكبة”: عجقة اقتراحات وفَصْل عن الرّئاسة

بين الخامس من تشرين الثاني الحالي و20 كانون الأول الثاني تاريخ تسلّم إدارة دونالد ترامب مقاليد السلطة ثمّة حقائق ستكرّس نفسها وتكون “شريكة” في رسم…

هوكستين إلى تل أبيب: هدنة خلال أسبوعين؟

لا وقت ضائعاً هذه المرّة بين الولاية والولاية. فالرئيس جو بايدن سبق أن اتّصل بالرئيس دونالد ترامب ودعاه إلى البيت الأبيض لتحقيق انتقال سلس للسلطة،…

الحزب مستمرّ… رغم التخوّف من ضرب المرافق الحيويّة والمطار

بعدما حُسمت الانتخابات الأميركية بوصول دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية وفي ظلّ استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان دون توقّف واستمرار المواجهات الحدودية بين المقاومة الإسلامية…

مؤشّرات وقف إطلاق النّار… قبل نهاية العام؟

يواصل العدوّ الإسرائيلي عدوانه الهمجيّ على لبنان مرتكباً المجازر تلو الأخرى، غير عابىء بأيّ ضوابط دولية قد تلجمه أو تضع حدّاً لشراسة الهجمات التي ينفّذها…