دَخَل ملفّ عملاء إسرائيل على خطّ الانتخابات النيابية.
هذا ما تجزمه مصادر مطّلعة رصدت قطبة مخفيّة وغير مفهومة في سياق التساهل الملحوظ في أسلوب بتّ ملفّات عملاء أدانتهم الأجهزة الأمنيّة بالأدلّة القاطعة.
“مْن الآخِر” ثمّة مَن يتساءل: “هل هناك “قبّة باط” من حزب الله لتنفيس هذا الملفّ “خدمةً” للحليف جبران باسيل، لأنّ معظم الموقوفين هم من الطائفة المسيحية، مع تقاطع في التوجّهات نفسها مع البطريرك بشارة الراعي الذي دخل وسيطاً بين أهل الموقوفين والقضاء والأجهزة الأمنيّة لإطلاق سراح هؤلاء بغضّ النظر عن التهم الموجّهة إليهم؟”.
فمن أصل نحو 60 متورّطاً بالتعامل أوقفتهم “شعبة المعلومات” بدءاً من الرابع من كانون الثاني الماضي، أُحيل نحو 30 موقوفاً إلى القضاء. من بين هؤلاء أُخلي سبيل 10 ثَبَت بالأدلّة الدامغة علمهم بأنّهم يتعاملون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي. وكانت لافتةً السرعة القياسية في إخلاء السبيل بين مرحلة التوقيف ثمّ الإحالة إلى القضاء.
تؤكّد أوساط متابعة لملفّ العملاء أنّ “القرارات كانت بمنع المحاكمة ووقف الملاحقة، وهي سابقة وخطوة غير مفهومتَيْن في ملفّ العملاء”
يُذكر أنّ بعض مَن أُخلي سبيلهم بعد التحقيق معهم تبيّن أنّهم لم يكونوا على دراية بأنّهم يتعاطون مع أشخاص في دول متعدّدة لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية.
أحد أبرز المتّهمين بالتعامل مع إسرائيل الموقوف إيليا الريّس الذي أصدرت المحكمة العسكرية قراراً بتبرئته مع أنّه خضع من قبل الموساد لاختبار كشف الكذب في جورجيا، والتقى ضبّاطاً إسرائيليين، وتعاون مع مشغّلين أخضعوه لعدّة اختبارات، وظهر تناقض واضح في اعترافاته، وثَبَت تلقّيه أموالاً من المشغّل.
إيليّا الريّس هو من مواليد حملايا في كسروان، وهو من ضمن الموقوفين العشرة. وصل ملفّه إلى المحكمة العسكرية مع المتّهم أسعد الحكيم وتمّت تبرئتهما ومنع المحاكمة عنهما على الرغم من الأدلّة الحسّيّة التقنية التي تُثبت تورّطهم، ومن الاعترافات التي أدلوا بها. وتبيّن وجود سبعة مسيحيين (بينهم إيليا الريس) ضمن مجموعة العشرة الذين أُخلي سبيلهم.
قرارات غير مسبوقة
يتوزّع الموقوفون العشرة المُخلى سبيلهم وفق سجلّ نفوسهم على مناطق البترون، مزرعة يشوع، بيت الشعار، سنّ الفيل، كونين، القليعة-مرجعيون، صيدا، الباشورة. إضافة إلى متّهم سوري.
جميع هؤلاء، باستثناء الريّس والحكيم، طلب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي أو قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل إخلاء سبيلهم فور الاطّلاع على ملفّاتهم على الرغم من الأدلّة الدامغة التي تدينهم.
تفيد المعلومات في هذا السياق أنّ هناك توجّهاً لإخلاء المزيد ممّن أوقفتهم “شعبة المعلومات” بتهمة العمالة لإسرائيل.
تؤكّد أوساط متابعة لملفّ العملاء أنّ “القرارات كانت بمنع المحاكمة ووقف الملاحقة، وهي سابقة وخطوة غير مفهومتَيْن في ملفّ العملاء”. وتتساءل الأوساط: “لماذا الاستعجال في اتّخاذ قرارات تقضي بإقفال الملفّات عبر البراءة أو منع المحاكمة في حين أنّه يمكن إخلاء سبيلهم ومتابعة محاكمتهم وطلب التوسّع في التحقيق معهم؟”.
تضيف الأوساط: “هذه النقطة مستغرَبة وغير مبرَّرة إذا ما تمّت مقارنتها بملفّات أقلّ قيمة بكثير، كما في حالة كيندا الخطيب وكاتب العدل أنطوان جرمانوس على سبيل المثال لا الحصر”.
في هذا السياق تعلّق مصادر مطّلعة بسخرية قائلة: “من الأفضل لك أن تعمل مع العدوّ الإسرائيلي من أن تكون من مناصري تنظيم داعش”.
يقول مصدر سياسي لـ”أساس” معلّقاً: “هل الانتخابات أهمّ من نشاط الموساد في لبنان، الذي يستهدف بشكل أساس حزب الله وبيئته من خلال تجنيد لبنانيين لضرب الاستقرار في لبنان؟
60 شبكة… للموساد
“شعبة المعلومات” فكّكت، وما زالت تعمل على تفكيك، أكثر من 60 شبكة تعمل لمصلحة الاستخبارات الإسرائيلية. وسواء كان أعضاؤها يقومون بذلك بعلمهم أو من دون علمهم، إلا أنّهم في النهاية كوّنوا شبكات تعمل لمصلحة العدوّ الإسرائيلي، وتسهّل عمله الأمنيّ داخل لبنان، وقدّمت خدمات معلوماتية وحسّاسة له.
يقول مصدر سياسي لـ”أساس” معلّقاً: “هل الانتخابات أهمّ من نشاط الموساد في لبنان، الذي يستهدف بشكل أساس حزب الله وبيئته من خلال تجنيد لبنانيين لضرب الاستقرار في لبنان؟ وما الغاية الحقيقية من ضرب ملفّ العمالة لإسرائيل في لحظة سياسية بالغة التعقيد والخطورة، ويَسهل من خلالها إحداث اختراقات داخلية تؤثّر بشكل مباشر على الأمن والاستقرار؟”.
يجزم المصدر أنّ “رئاسة المحكمة العسكرية مع أنّها تابعة لقيادة الجيش، لكنّ تأثّرها كحزب الله معروفة بالنسبة إلى كثيرين. أمّا القضاء فقد تحوّل إلى قضاء غبّ الطلب كرمى لخدمات انتخابية وسياسية”.
قد تشكّل هذه المعطيات أحد أكبر الأدلّة على المدى الذي يذهب إليه حزب الله في دعمه لحليفه جبران باسيل. إضافة إلى استخدام جهات سياسية للقضاء وجعله وسيلة لاستمالة الأصوات في صناديق الاقتراع.
يحصل ذلك فيما يوفّر الحزب دعماً أساسيّاً لباسيل في الدوائر الانتخابية المشتركة، من دون أن يعني ذلك أنّ قرار الحزب الاستراتيجي يسري على حركة أمل. ففي دوائر مثل بيروت الأولى والثانية والشوف – عاليه وبعبدا وزحلة والشمال الثالثة وكسروان – جبيل، قد لا يُترجَم تحالف التيار-حزب الله-حركة أمل دعماً بالأصوات لمرشّحي التيار من قبل البلوك الذي يمون عليه الرئيس برّي.
إقرأ أيضاً: الحلف السرّي بين برّي وجنبلاط: من حاصبيا.. إلى المتن
تعترف مصادر قريبة من حزب الله بهذا الواقع مؤكّدة أنّ “لحركة أمل حلفاء غير التيار الوطني الحرّ، وعلى رأسهم وليد جنبلاط وسليمان فرنجية. ولا يمكن التسليم بأنّ أمل ستعتمد تكتيك حزب الله الانتخابي نفسه لناحية توزيع الأصوات”.