“الحرس الثوريّ التركيّ”: SADAT من سوريا وليبيا.. إلى كازاخستان

مدة القراءة 8 د

حين تعرّض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمحاولة الانقلاب الفاشلة، في 15 تموز 2016، اضطرّ مرغماً إلى الكشف عن “الحرس الثوري” الخاصّ به. يومذاك، وحين علم أنّ الجيش مخترق من خصومه الذين يحاولون الانقلاب على نظامه، استعان بعناصر من شركة “صادات SADAT” في جهود مكافحة الانقلاب، بحسب مركز الدراسات الأميركي American Enterprise Institute.

نشر المركز دراسة بتاريخ 30 أيّار 2017، بقلم مايكل روبن، يشرح فيها إردوغان هذه الشركة لحمايته ولمواجهة الانقلاب في الساعات الحاسمة خلال تلك الليلة الطويلة.

يومئذٍ تناقل مواطنون أتراك على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وصوراً التقطها مواطنون تُظهر عدداً من هؤلاء العناصر يتصدّون للانقلابيين على جسر البوسفور في إسطنبول.

بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، عيّن إردوغان مدير “صادات” الجنرال عدنان تانريفيردي مستشاراً عسكرياً للحكومة، ثمّ لاحقاً أثارت طبيعة العلاقة “المتينة” بينهما الشكوك داخل تركيا وخارجها، إلى أن وصلت هذه الشكوك لحدود أنّ التسمية المتداولة لـ “صادات” وعناصرها بأنّها “ميليشيا حزب العدالة والتنمية الخفيّة”.

كشفت مصادر دبلوماسية شديدة الاطّلاع على هذا الملفّ لـ”أساس” أنّ جزءاً كبيراً من المجموعات التي شاركت في أعمال الشغب في كازاخستان في 2 كانون الثاني 2022

لكن من هي شركة “صادات”؟ وما هو الهدف من تأسيسها؟ وما هي الملفّات الساخنة التي تدخّلت فيها حتى الآن؟

لتبسيط الحكاية، فإنّ هذه الشركة هي النسخة التركية المصغّرة من “الحرس الثوري” الإيراني. لكنّ حرس إردوغان الثوري ليس مؤسسة رسمية منضوية تحت لواء الدولة التركية المركزية، كما هو الحال في إيران، ولا يشارك في صناعة القرار، كما تفعل النسخة الإيرانية، وإنّما هو ذراع عسكرية فرعيّة، خفيّة، تعمل لمصلحة إردوغان في المنطقة، وتتلطّى خلف ستار “شركة استشارات عسكرية” خاصة، اسمها “صادات – SADAT”، يديرها ضابط تركي متقاعد، كان ضابط مدفعية في الجيش التركي، ورئيساً سابقاً لقيادة الجبهة الداخلية في شمال قبرص، وهو العميد عدنان تانريفيردي.

على موقعها الخاص تُعرّف SADAT عن نفسها بأنّها “شركة للاستشارات الدفاعية، أُسّست في عام 2012”. تتمثّل مهامّها، بحسب الموقع أيضاً، في “إقامة التعاون الدفاعي والصناعة الدفاعية بين الدول الإسلامية لمساعدة العالم الإسلامي على أخذ المكان الذي يستحقّه بين القوى العظمى من خلال تقديم خدمات الاستشارات والتدريب.”

تعريف عامّ لا يحدّد الهدف من إنشاء الشركة، لكنّه يقول الكثير. فماذا تعني “مساعدة العالم الإسلامي على أخذ المكان الذي يستحقّه بين القوى العظمى”؟ ألا تعني أنّها معدّة لتقديم عون عسكريّ في سبيل إعلاء “راية الإسلام”؟ وما هي “خدمات الاستشارات والتدريب” التي تقدّمها غير تلك العسكرية؟

 

البداية من سوريا

سنأتي تباعاً على ذكر الأدوار التي لعبتها “صادات” في أكثر من مكان حول العالم، بدءاً من تركيا نفسها، ثمّ سوريا، مروراً بليبيا وأوكرانيا وأذربيجان، وأخيراً وليس آخراً خلال التظاهرات وأعمال العنف والشغب في كازاخستان.

في هذا التقرير يكشف “أساس” كيف تحوّلت هذه الشركة الخاصة إلى “أداة أنقرة في بناء القوّة والنفوذ” في المنطقة.

لكنّ البداية خارج تركيا كانت في سوريا، حيث انخرطت “صادات” بشكل كبير في “تدريب المتمرّدين العرب السُنّة السوريين للقتال ضدّ نظام بشار الأسد في سوريا”، كما يكشف مركز American Enterprise Institute، الذي يضيف أنّها “أنشأت عدداً من المراكز في منطقة مرمرة لهذا الغرض في بداية الحرب السورية”، ويسمّي “داعش” من بين الجهات التي درّبتها “صادات”.

في السياق نفسه، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” قبل 4 سنوات أنّ مركز “صادات” كان يقوم بتدريب عناصر إسلامية في سوريا وأماكن أخرى من دول الشرق الأوسط، تشمل مواقع في الصومال وقطر. واتّهمت أنقرة بـ”إنشاء مراكز تدريب عسكرية وتنظيم شراكات مع الحكومات المضيفة”.

 

ليبيا: 5,000 مقاتل

في العام 2020 اتّهمت وزارة الدفاع الأميركية نفسها “صادات” بإرسال فرق إلى ليبيا من أجل “تدريب المقاتلين السوريين نيابة عن قوات حكومة الوفاق الوطني” المدعومة من تركيا في طرابلس. في حينه كشف تقرير البنتاغون أنّ شركة “صادات” التركية “تشرف على تدريب وتموّل ما يُقدّر بنحو 5,000 مقاتل سوري موالٍ لحكومة الوفاق”.

أمّا الأمم المتحدة فنشرت قبل أشهر تقريراً عن الوضع في ليبيا أشار إلى أنّ “صادات” التركية تنتهك قرار مجلس الأمن رقم 1970 الخاصّ بالنزاع الليبي.

للشركة صفحة خاصة على موقع “فيسبوك“، ومنشورات باللغتين العربية والإنكليزية، ولها أيضاً صفحة على موقع “يوتيوب” تضمّ نحو 138 فيديو يوثّق عمليات تدريب وشروحات للمهامّ العسكرية والدورات التي تنظّمها “صادات”، مثل الدورات العسكرية فوق الماء وتحتها، ودورات القنّاصة، والضفادع البشرية، وأعمال الشرطة، والبحث والإنقاذ البحري.

يتبيّن ممّا سلف أنّ هذه الشركة تحترف العمل العسكري، وتتّخذ من تركيا مركزاً لها، وأنّها جزء من التدخّل العسكري التركي في سوريا وليبيا، ومن الفريق الأمني الخاصّ الذي يتولّى حماية إردوغان داخل تركيا، كما لو أنّها حرسه الرئاسي غير المعلن. وهي تزعج البنتاغون في الولايات المتحدة الأميركية، وتزعج روسيا لأنّها ساهمت في محاولة قلب النظام الموالي لروسيا في كازاخستان.

 

ماذا حصل في كازاخستان؟

آخر تحرّك لـ”صادات” كان في كازاخستان، حيث بدأت المعلومات تتواتر والتفاصيل تتكشّف عن حقيقة ما حدث مطلع السنة في ذاك البلد المترامي الأطراف “المنسيّ” في قلب آسيا.

كشفت مصادر دبلوماسية شديدة الاطّلاع على هذا الملفّ لـ”أساس” أنّ جزءاً كبيراً من المجموعات التي شاركت في أعمال الشغب في كازاخستان في 2 كانون الثاني 2022، درّبته “صادات”، وأرسلته من تركيا إلى كازاخستان عبر الحدود.

بحسب المصادر المعنيّة، فإنّ هذه المؤسّسة قامت بـ”تشكيل مكاتب على أراضي أوكرانيا ودول أوروبية أخرى، من أجل استقطاب المهاجرين والمعارضين الهاربين من بلدان آسيا الوسطى”، بهدف توظيفهم في مشاريع “الحروب الجديدة”. وهي في ذلك مثلها مثل تنظيمات أخرى “جرى استخدامها في مشاريع سياسية”. وهي تنظيمات متطرّفة عملت في سوريا تحت الراية التركية.

ولفتت المصادر إلى أنّ أعمال العنف التي وقعت في العاصمة الاقتصادية لكازاخستان، ألماتي، “حصلت بمشاركة زعيم العصابات الكازاخستاني الشهير أرمان تزوماغلدييف“، الملقّب بـ”أرمان المتوحّش”. وهو كان عاد من تركيا إلى بلاده قبل أيام من الاحتجاجات، بحسب تقرير في “روسيا اليوم“. وترجّح هذه المصادر الدبلوماسية الخاصة بـ”أساس” أن يكون أرمان قد “عاد بمساعدة شركة “صادات” من أجل ما تعتبره “عملاً مبرمجاً” من أجل تنفيذ مخطّطات أنقرة”.

كلام الصورة: صورة من صفحة أرمان الخاصة في “إنستاغرام” مع وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش أوغلو.

 

أمّا صحيفة “نيويورك تايمز” فقد أشارت بُعيد انطلاق الاحتجاجات بأيام قليلة إلى مشاركة “أرمان المتوحّش” في أعمال الشغب، وفي تعبئة المتظاهرين من أجل حرق السيارات والمباني الحكومية، وذلك في تقرير نُشِر بتاريخ 10 كانون الثاني 2022، كتبه إيفان نيشيبورينكو وأندرو هيغينز.

في حينه اعتبرت الصحيفة الأميركية أنّ الأسباب الكامنة خلف الاحتجاجات “ما زالت غامضة”، لكنّها وضعت السخط الشعبي في خانة “الصراعات على السلطة”.

 

ماذا تريد أنقرة من كازاخستان؟

تعزو المصادر تدخّل تركيا في احتجاجات كازاخستان وإشعال النيران فيها، إلى رغبة أنقرة في “إبعاد قيادة البلاد الحالية عن الساحة السياسية”، وذلك لأنّ هذه القيادة “لم تبدِ استعدادها للاستسلام لمشاريع الرئيس التركي” ورفضت “تقييد سيادتها” إلاّ لروسيا، وذلك في إشارة إلى مشروع “القومية التركية” الآخذ في التشكّل والنموّ أكثر فأكثر، وخصوصاً بعد تحويل “المجلس التركي” للدول الناطقة باللغة التركية إلى “منظمة الدول التركية” خلال شهر تشرين الثاني 2021 (بات يضمّ إلى جانب تركيا كلّاً من أذربيجان وشمال قبرص وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، وتركمانستان، والمجر بصفة مراقب).

إقرأ أيضاً: 5 سنوات على الانقلاب: هل تغيّر حزب إردوغان؟

تثير هذه المنظمة المخاوف والقلق في نفوس بقيّة زعماء دول آسيا الوسطى فضلاً عن موسكو، الذين يعتبرون أنّ هذه المنظمة “تغذّي المشاعر القومية التركية”، واستطراداً تغذّي “الطموحات الإسلامية” في دول الاتحاد السوفياتي السابق، التي يمكن أن تستغلّها أنقرة اليوم من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية من خلال ضمان ولاء الأنظمة لأنقرة، خصوصاً بعد الزلزال الأوكراني الكبير، الذي يستنزف روسيا من جهة، ويستنزف الغرب من جهة أخرى، جاعلاً اللحظة مؤاتية لتنفيذ سياسات تركية في بلدان آسيا الوسطى، ذات التاريخ السوفياتي، وتحقيق الأحلام الإردوغانيّة.

 كلام الصورة: أرمان بعدما ألقت السلطات الكازاخستانية القبض عليه.

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…