بسبب خطأ تقني تأجّل نشر الجزء الثاني من مقالة الدكتور سمير صالحة. ننشرها اليوم مع الاعتذار من القرّاء.
أقرّت القمّة الأوروبية الموسّعة في بروكسل، بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن، أوّل استراتيجية دفاع لهذا الاتحاد بعنوان “البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي” للفترة الممتدّة حتّى عام 2030. في حين أقرّت القمة الاستثنائية في العاصمة البلجيكية لدول حلف شمال الأطلسي استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا.
أقرّت القمّة الأوروبية الموسّعة في بروكسل، بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن، أوّل استراتيجية دفاع لهذا الاتحاد بعنوان “البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي” للفترة الممتدّة حتّى عام 2030
يبقى أنّ السياسة التركية المعتمدة في التعامل مع الأزمة الأوكرانية هي من بين ما يُقلق بايدن حتماً، وهناك دائماً احتمالات أن تحدث مفاجآت في العلاقة التركية الغربية قد تتسبّب بتحوّلات إذا ما طالت الحرب وتعقّدت. أوّل هذه المؤشّرات تحدّث عنه الإعلام الغربي قبل أيام، وقد ظهر عندما نقلت مساعدة وزير الخارجية ويندي شيرمان إلى الأتراك قبل أسبوعين عرضاً أميركياً يتضمّن إعادة تركيا إلى برنامج المقاتلة إف – 35، وتوقيع صفقة بيعها منظومة صواريخ باتريوت، ورفع العقوبات الغربية عنها، مقابل إرسال منظومة صواريخ إس – 400 التي اشترتها من روسيا قبل 3 أعوام إلى جبهات القتال الأوكرانية.
أكّد هذا الاحتمال المدير السابق للاستخبارات الأميركية وليام كولبي، في مقال له، وهو يشير إلى أنّ واشنطن مستعدّة لإعطاء أنقرة طائرات مقاتلة من طراز “إف 35” مقابل هذا “الشرط البسيط”. لم تعقّب أنقرة رسمياً على هذه الأنباء بعد، وهي قد تكون صحيحة، لكنّ قبول العرض الأميركي من الجانب التركي هو احتمال ضعيف جدّاً بسبب استحالة تنفيذه لأنّ روسيا أرفقت صفقة بيع المنظومة إلى تركيا بشرط عدم بيعها أو إرسالها إلى دولة ثالثة، خصوصاً عندما تكون هذه الدولة في حالة حرب مع روسيا.
سياسة أميركية معادية لتركيا
تبنّت أميركا في الأعوام الأخيرة سياسة شرق أوسطية تتعارض مع حسابات ومصالح تركيا، سواء في سوريا والعراق وشرق المتوسط أو خطط نقل الطاقة بين القارّات أو الترسانة العسكرية التي نقلتها إلى الجانب اليوناني في المناطق الحدودية البرّية والبحرية مع تركيا في خطوة وصفها البعض في أنقرة بأنّها عملية تطويق أميركي. هذه كلّها ملفّات خلافية أساسية في هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها العلاقات التركية الغربية، وتُعتبر ثانوية جدّاً أمام موضوع الصواريخ الروسية التي بدأ الأطلسي يزوّد بها أوكرانيا من ترسانة دول أوروبا الشرقية التي اشترت هذا النوع من الصواريخ قبل تركيا.
عادت أميركا للجلوس فوق هرم البنية العسكرية والسياسية في الغرب بعد محاولات فرنسية ألمانية محدودة للتمرّد ومغادرة بيت الطاعة
تعلن القيادات السياسية التركية أنّها ستدرس أيّ طلب أو اقتراح أميركي يتعلّق بالعلاقات الثنائية وتطوّرات الأزمة في أوكرانيا بشكل جدّيّ ومفصّل، لكنّها تقول أيضاً إنّها لن تقبل بمحاولات تحويل تركيا إلى مخفر متقدّم في المواجهة مع روسيا، وهو الدور الذي أراد الأطلسي أن تلعبه لعقود طويلة حتى العام 1990.
سيكون هناك حتماً مَن سيحاول التأثير في الموقف التركي وتوريط أنقرة يوماً بعد آخر في الأزمة الأوكرانية. نحن لا نعرف مثلاً أيّ شيء عن الطرف الذي يحاول لعب ورقة إطلاق سراح الألغام البحرية في مياه البحر الأسود، واحتمال وصولها إلى منطقة المضائق التركية وتهديدها أمن الملاحة فيها. هل هناك مَن يريد تحييد هذه المعابر الاستراتيجية والورقة المهمّة بيد أنقرة بعدما قرّر الأتراك تحييد المضيقين عسكرياً من خلال تطبيق معاهدة مونترو عام 1936 التي تعطيهم حقّ إبعاد المنطقة عن ساحات التوتّر؟
التصعيد الحقيقي لم يبدأ
عادت أميركا للجلوس فوق هرم البنية العسكرية والسياسية في الغرب بعد محاولات فرنسية ألمانية محدودة للتمرّد ومغادرة بيت الطاعة. لا بل إنّ بعض الدول الإسكندينافية مثل السويد وفنلندا بدأت التفكير في الانضمام إلى الحلف الأطلسي لحماية نفسها ومصالحها من الأخطار الروسية. لذلك سيبدأ التصعيد الحقيقي ما إن تتوقّف العمليات الحربية وتنتقل الأمور إلى الملفّات السياسية الكثيرة التي ستطارد موسكو: تحميلها أعباء ملفّات نزوح ولجوء الملايين من الأوكرانيين، ومطالبتها بتعويضات مالية ومعنوية نتيجة الأضرار التي ألحقتها بالبنى التحتية الأوكرانية المدنية والعسكرية نتيجة الغزو الذي نفّذته، والتي ستتجاوز عشرات المليارات من الدولارات، ومن الممكن تسديدها من الأموال والممتلكات الروسية المحتجزة في الغرب. هذا إلى جانب المساءلة القانونية لروسيا أمام المحاكم الدولية وتحميلها مسؤولية ما اُرتُكب من أعمال قتل استهدفت المدنيين والعسكريين وقد تشمل تهم ارتكاب جرائم حرب أو أعمال غير إنسانية خلال هذا الهجوم، ومحاصرة السلطة السياسية الروسية أمام المجتمع الدولي وإبعادها عن المؤسسات الإقليمية والدولية بسبب خرقها لمبادىء وأسس القانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان. وقد تصل الأمور إلى إضعاف نظام الحكم الروسي في الداخل وتأليب المواطنين على الكرملين وقراره بالاعتداء على دولة مجاورة من دون أيّ سند قانوني يعطي موسكو هذا الحقّ.
إقرأ أيضاً: غزو أوكرانيا: تركيا بين المطرقة الروسية والسندان الأميركي (1/2)