صدر عن اللقاء “الرّئاسيّ” في بعبدا بيانٌ ضبابيٌّ. إذ أعلنَ التّمسّك باتفاق الإطار الذي لا يُحدِّد أيّ خطوط أو مناطق مُتنازع عليها، بل ينطلق من قانون البحار والمواثيق الدّوليّة، وكأنّ لبنان يبحث عن مخرجٍ ليتجنّب الإحراج، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات النّيابيّة. وقرّر الرّؤساء دعوة الولايات المتحدة الأميركيّة إلى الاستمرار في جهودها لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية.
إذاً قرّرَ لبنان العودة إلى طاولة النّاقورة للتّفاوض على ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل بعد اجتماع الرّؤساء الثّلاثة ميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي لساعتيْن ونصف لدراسة مُقترحات الوسيط الأميركيّ في ملفّ ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل آموس هوكستاين، بعد 40 يوماً من زيارته لبنان.
يسعى الرّؤساء الثّلاثة واللجنة التقنيّة إلى إبقاء المُداولات سرّيّة، وكان واضحاً تجنّب المعنيّين الإجابة بشكلٍ واضح على عرض هوكستاين الذي يُحرج لبنان الرّسميّ
وعلى الرّغم من ضبابيّة البيان وأجواء اللقاء، أشارت معلومات، حصلَ عليها “أساس” من مصادر اجتماع بعبدا، إلى أنّ عرض هوكستاين يختلفُ عمّا سُوِّقَ في الإعلام عقب زيارة الموفد الأميركيّ لملفّ الطّاقة.
يتخطّى عرض الوسيط الأميركيّ الخطّ 23 مع التعرّجات التي تُحافظ على مساحة أكبر من حقل قانا، إذ يشمل جزءاً من البلوك رقم 8 اللبنانيّ. وبحسب المصادر، فإنّ عرض هوكستاين يُعطي الإسرائيليين قسماً من مساحة البلوك اللبنانيّ.
من جهتهم، يسعى الرّؤساء الثّلاثة واللجنة التقنيّة إلى إبقاء المُداولات سرّيّة، وكان واضحاً تجنّب المعنيّين الإجابة بشكلٍ واضح على عرض هوكستاين الذي يُحرج لبنان الرّسميّ الذي يسعى إلى إنجاز ملفّ التّرسيم من جهة، ولا يريد أن يكون “مُتنازلاً” عن حقوقه لإسرائيل من جهةٍ أخرى.
ولفتت معلومات إلى أنّ لبنان سيطلب عودة المُحادثات غير المباشرة مع إسرائيل في النّاقورة، وذلك بعد تعيين رئيسٍ جديدٍ للوفد اللبنانيّ خلفاً للعميد الرّكن بسّام ياسين الذي أُحيل على التّقاعد. وبعد عودة طاولة النّاقورة، يُخطّط لبنان الرّسميّ للاستفسار عن التّغيّر الذي طرأ على العرض الأميركيّ وتسجيل تحفّظات عليه.
علمَ “أساس” أنّ الوفد اللبنانيّ يدرس أن يطلب في النّاقورة الحصول على نسخة من الدّراسات التي قامت بها تل أبيب بين الخطّين 1 و23 لمعرفة كيف يُقسّم الإسرائيليّون الحقول ويرسمون الخطوط، وذلك لتجنّب أيّ احتمال للوقوع في “فخّ” الحقول المُشتركة
حزب الله: لا للتطبيع بأيّ شكلٍ كان
وعلمَ “أساس” أنّ الوفد اللبنانيّ يدرس أن يطلب في النّاقورة الحصول على نسخة من الدّراسات التي قامت بها تل أبيب بين الخطّين 1 و23 لمعرفة كيف يُقسّم الإسرائيليّون الحقول ويرسمون الخطوط، وذلك لتجنّب أيّ احتمال للوقوع في “فخّ” الحقول المُشتركة، التي يعترض عليها حزب الله باعتبارها مدخلاً إلزاميّاً إلى التطبيع.
ما بين الاجتماع الرّئاسيّ وزيارة هوكستاين، كان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النّائب محمّد رعد يرسم الحدود التي يقبل بها حزبُ الله: “ممنوع التّسلّل التطبيعي ولو كلّف ذلك إبقاء الثّروة النّفطيّة مدفونة في باطن البحر لأعوام، إلى أن نستطيع منع الإسرائيلي من مدّ يده على قطرة ماء من مياهنا وليبلّطوا البحر”.
خلال الأيّام الـ40 بين زيارة هوكستاين و”تبليطة البحر”، عقدَت اللجنة التّقنيّة، التي تضمّ ممثّلين من رئاستيْ الجمهوريّة والحكومة وقيادة الجيش وهيئة إدارة النّفط، اجتماعات عديدة لمُناقشة العرض الأميركيّ. كان آخرها يوم الخميس الماضي. وعلى أثر نتائج الاجتماع التّقنيّ الأخير، عُقِدَ الاجتماع الذي ضمّ الرّؤساء الثلاثة في قصر بعبدا يوم الجمعة، لمُناقشة العرض الذي حمله هوكستاين في جعبته مطلع شباط الماضي.
إقرأ أيضاً: روسيا وافقت.. والاتفاق النووي قاب قوسين
في الاجتماعات التّقنيّة التي سبَقت اللقاء الرّئاسيّ، سعت اللجنة التّقنيّة جاهدةً إلى إيجاد “مخرج” يحفظ ماءَ الوجه اللبنانيّ، لكن من دون الوصول إلى نتيجة. وكان طرحَ أعضاء اللجنة كلّ الخطوط التي طُرحَت سابقاً: “هوف”، الـ”29″، الـ”23 كاملاً” وغيرها، بدائل عن خطّ هوكستاين المُتعرّج. وأكّدت مصادر أنّ الصّيغة الأقرب للقبول من جميع الأطراف هي احتساب نصف تأثير لصخرة “تخيليت”، التي تعتبرها تل أبيب جزيرة ويعتبرها لبنان صخرة ناتئة، وهو ما يعطي لبنان أريحيّة للتّحرّك والمُطالبة بخطّ يزيد على الـ23 ولا يصل إلى مبالغة الخطّ 29. وظهر ذلك واضحاً في البيان الذي صدر عن اللقاء الرئاسي وتحدّث عن العودة إلى “الاتفاق الإطار” الذي فاوض عليه الرئيس برّي لمدّة 10 سنوات إلى أن تذكّر الرئيس عون أنّ المفاوضات الدولية من صلاحيّاته وفق الدستور، فإذا به يعود إلى خريطة رئيس مجلس النواب في اجتماع الرؤساء الثلاثة.