الأرجح أنّ دائرة بيروت الأولى تشكّل نموذجاً للفوضى الانتخابية التي كرّسها قانون الانتخابات الحالي. إذ فقدت التحالفات نكهتها السياسية وانسجام مكوّناتها، وباتت تتمّ على قاعدة عدد الأصوات التفضيلية التي يمثّلها المرشّح أو الطامح إلى ركوب لائحة أساسية. هكذا، وعلى سبيل المثال، انتقل نديم الجميّل من حضن “القوات” التي خاض معها الاستحقاق الماضي، إلى اللائحة المدعومة من أنطون الصحناوي والتي لا تزال ركيزتها الأولى جان طالوزيان المرشّح عن المقعد الأرمني الكاثوليكي.
بالتوازي، تركّب “القوات” لائحة ممّن يستطيعون رفدها بأصوات تفضيلية تدعم مرشّحها الأساسي غسان حاصباني. وعلى أمل ضمّ بعض الكسور إلى حاصلها الأول عساها تحوز الحاصل الثاني، تفاهمت مع رجل الأعمال جورج شهوان الذي قفز من ضفّة التفاوض مع “التيار الوطني الحر” إلى ضفّة التحالف مع “القوات”. فيما صار ترشيح جهاد كريم بقرادوني ضمن هذه اللائحة محسوماً على الرغم من الانتقادات التي يتعرّض لها لأنّه نجل رئيس حزب الكتائب السابق كريم بقرادوني. ويتردّد أنّ القوات طلبت منه الانضمام إلى تكتّلها في حال فوزه.
تركّب “القوات” لائحة ممّن يستطيعون رفدها بأصوات تفضيلية تدعم مرشّحها الأساسي غسان حاصباني. وعلى أمل ضمّ بعض الكسور إلى حاصلها الأول عساها تحوز الحاصل الثاني، تفاهمت مع رجل الأعمال جورج شهوان
أمّا “التيار الوطني الحر” فيبحث بـ”السراج والفتيلة” عمّن يضمن فوز مرشّحه الأساسي الحزبي نيكولا الصحناوي، وقد يضطرّ على سبيل المثال إلى استبدال الكتائبيّ السابق المحامي عيسى النحاس المرشّح عن مقعد الأقليّات الذي كان يتمّ التفاوض معه لضمّه إلى اللائحة، بمرشّح آخر لا تمثّل قيمته المضافة إلّا كونه صاحب مولّدات كهربائية!
شروط نديم الجميّل على الصحناوي
جديد المشاورات في هذه الدائرة هو نجاح النائب نديم الجميّل في فرض شروطه على أنطون الصحناوي باستبعاد المرشّح الأرثوذوكسي طوني نعمة، بعد التفاهم معه، بحجّة أنّه مرشّح تقاطعيّ بين مجموعة مسعود الأشقر وجو حبيقة. إلا أنّ العارفين بأمور المنطقة يؤكّدون أنّ السبب الرئيس وراء إصرار الجميّل على استبعاده يعود إلى كونه يقضم من طبق قدامى الكتائب مشكّلاً خطراً على “سكور” نديم الجميّل، وهو السبب ذاته الذي دفع بالجميّل إلى عدم تكرار تجربة الترشّح مع القوات (إلى جانب اعتبارات أخرى)، والذي يتمثّل في أنّ حاصل أصواته التفضيلية سيكون مشتركاً مع المرشح القواتيّ غسان حاصباني.
على هذا الأساس، اعتذر الصحناوي من طوني نعمة عن عدم التحالف معه، وجرى التفاهم مع سلمى أندراوس مرشّحة الأرثوذوكس على هذه اللائحة. بالتوازي استكملت القوات تفاهمها مع حزب الهانشاك، فيما يبدو أنّ التفاهم بين “التيار الوطني الحر” و”الطاشناق” بات حاجة للطرفين مع أنّهما كانا يعتقدان أنّ بإمكان كلّ منهما تحقيق حاصل وبعض الكسور والفوز بأربعة مقاعد، لكن تبيّن أنّ هذه الحسابات ليست دقيقة وأنّ عليهما العودة إلى التفاهم لضمان الفوز بثلاثة مقاعد والبحث عن كسر إذا أمكن. ويتردّد أيضاً أنّ “التيار” ضمّ الممثّلة كارلا بطرس عن المقعد الأرثوذوكسي.
على ضفّة القوى المعارضة، يبدو أنّ لائحة بولا يعقوبيان لن تكون الوحيدة على هذا المسرح. إذ تشير قائمة الترشيحات التي نشرتها وزارة الداخلية إلى إمكانية قيام لائحة معارضة ثانية
لعلّ خروج ميشال فرعون من اللعبة الانتخابية هو الذي رفع حظوظ تفاهم الطاشناق مع “التيار”، خصوصاً أنّ الحزب الأرمني كان يُجري مفاوضات مع فرعون لنسج تحالف معه، وكذلك فعلت القوات، لكنّ النائب السابق بات مقتنعاً أنّ خوضه المعركة سيُربح الآخرين على حسابه، ولهذا تراجع إلى الوراء وفضّل العزوف، فيما بات السؤال: لِمَن سيجيّر أصوات مؤيّديه؟
على ضفّة القوى المعارضة، يبدو أنّ لائحة بولا يعقوبيان لن تكون الوحيدة على هذا المسرح. إذ تشير قائمة الترشيحات التي نشرتها وزارة الداخلية إلى إمكانية قيام لائحة معارضة ثانية. فيما بدا غريباً ترشّح زياد عبس بعدما جرى الحديث عن تفاهم بينه وبين يعقوبيان على قاعدة تبنّي سينتيا زرازير عن مقعد الأقلّيات ممثّلة عن عبس.
الأهمّ من ذلك هو ترشّح شربل نحاس عن المقعد الكاثوليكي في هذه الدائرة، الأمر الذي يجعل لائحة يعقوبيان في خطر لأنّه قادر على جذب أصوات اعتراضية وتشكيل حالة مؤيّدة له. وسيزيد ترشّحه من منسوب الضغط على لائحة التيار الوطني الحر لأنّ ركيزتها المقعد الكاثوليكي ممثّلاً بنيكولا الصحناوي.
إقرأ أيضاً: المتن: المعركة على “رأس” الرياشي!
تجدر الإشارة إلى أنّ خارطة الترشيحات النهائية بيّنت أنّ المقاعد الأرمنية الأرثوذوكسية الثلاثة في دائرة بيروت الأولى لم تجذب إلّا 15 ترشيحاً، فيما سجّل المقعد الأرمني الكاثوليكي 4 ترشيحات فقط، أمّا مقعد الأقلّيات فيشهد زحمة لافتة، إذ بلغت الترشيحات عن هذا المقعد 15 بعدما فاز أنطوان بانو في الدورة الماضية بـ539 صوتاً تفضيلياً، فيما لم يتخطَّ عدد المرشّحين الموارنة ستّة، والكاثوليك سبعة، والأرثوذوكس تسعة.