هكذا، وبلا أيّ مقدّمات، أعاد مجلس الوزراء إحياء ملفّ سدّ بسري المثير للجدل، بعدما أوقف البنك الدولي تمويله في قرار اتّخذه في أيلول من العام 2020، ليضع حدّاً للسجال والخلاف اللذين دارا حول السدّ تحت عناوين بيئية واتّهامات بالفساد، مع العلم أنّ السدّ حاجة ماسّة لأهالي بيروت وللقاطنين فيها، لكنّ الحركة الاعتراضية التي أحاطت به دفعت بالبنك الدولي في خطوة غير اعتيادية إلى وقف تمويل المشروع، وإذ بحكومة نجيب ميقاتي تطرحه من جديد على طاولة التدقيق والمراجعة الشاملة.
كان الهدف من هذا المشروع توفير مياه الشرب لبيروت، وقد عارضه ناشطون بيئيون ومجموعات مدنية، فاعتبر البنك الدولي، في بيان له أصدره يومذاك، أنّ إيقاف تمويل المشروع الذي أُقرّ في العام 2014، جاء “لعدم إنجاز” السلطات شروطاً مسبقة للبدء ببنائه، موضحاً أنّ “قيمة الجزء الملغى من القرض تبلغ 244 مليون دولار أميركي، ويدخل الإلغاء حيّز النفاذ فوراً”.
طبعاً، كان الفريق العوني هو أكثر المتحمّسين للسدّ، حتى إنّ رجل الأعمال داني خوري، الموضوع على لائحة العقوبات الأميركية، يُلقّب بـ”متعهّد سدّ بسري”، مع العلم أنّ شركة “نورال أوزالتين” التركية هي المتعهّد الرسمي للمشروع. لكنّ العونيين حاربوا كثيراً لإبقاء العمل في السدّ قائماً على الرغم من كلّ الاعتراضات والاتّهامات بالهدر، أسوةً بغيره من مشاريع السدود التي يُتَّهم العونيون بأنّهم يضغطون لاستكمالها لأنّها باب للهدر.
أمّا المشرف فهو مجلس الإنماء والإعمار. وحتى العام 2019، كان قد صُرِف 150 مليوناً بدل استملاكات لأصحاب الأراضي في المرج، و125 مليوناً لإنشاء نفق الوردانية، إضافة إلى 70 مليوناً دفعتها مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان (الوصيّة على المشروع). بالنتيجة، بيّنت الأرقام أنّ 345 مليوناً أُنفقت “على الرغم من النقص في الدراسات الجيولوجية”. ولا يزال المشروع غير مكتمل.
تقول المعلومات إنّ المبادرة أتت من مجلس الإنماء والإعمار عبر كتاب تمّ توجيهه إلى رئاسة الحكومة تحدّث فيه المجلس عن سلفة مالية لا تزال في عهدة المتعهّد الذي لم ينفّذ كلّ التزاماته
فكيف أُعيد نبش الملفّ؟
تقول المعلومات إنّ المبادرة أتت من مجلس الإنماء والإعمار عبر كتاب تمّ توجيهه إلى رئاسة الحكومة تحدّث فيه المجلس عن سلفة مالية لا تزال في عهدة المتعهّد الذي لم ينفّذ كلّ التزاماته، فيما يشكّل السدّ حاجة مائية للعاصمة، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى طرح المسألة من جديد، مع إدراكه المسبق أنّ المشروع ليس موضع ترحيب من بعض القوى السياسية، وفي مقدَّمهم الحزب التقدمي الاشتراكي وبعض مجموعات الحراك المدني.
لكنّ الجوانب المثيرة للقلق التي تحيط بالملفّ، سواء على المستوى البيئي (دراسات تشير إلى وقوع السدّ على فالق زلزالي)، أو المالي بعد تعليق التمويل من جانب البنك الدولي، والكلام المثار حول عمولة محقّقة في المشروع (تتحدّث المعلومات عن عمولة مقدّرة بين 10% و15% من كلفة المشروع)، أفضت كلّها إلى اتّخاذ قرار في مجلس الوزراء، هو بمنزلة فتح نافذة، لكنّ دون الاختراق عبرها عراقيل كثيرة.
ولهذا انتهى قرار مجلس الوزراء إلى “تكليف مجلس الإنماء والإعمار، بعد التنسيق مع الوزارات والإدارات المعنيّة والبنك الدولي، إعداد دراسة تفصيليّة تبيِّن مدى أهمية مشروع سدّ بسري والحالة التي وصل إليها ووضعيّته الراهنة، إضافة إلى بيان مدى جدّيّة الاعتراضات والمعوّقات التي أثيرت بشأنه واقتراح الحلول العملية والتقنية لها، في حال وجودها، والبدائل المتاحة، ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة شهر. وبالتوازي تكليف وزير الطاقة والمياه إعادة التفاوض مع البنك الدولي لإعادة إحياء القرض بالموضوع”.
إذاً يبدأ القرار بتقييم أهميّة المشروع، وينتهي بالبحث عن بدائل عنه، أمّا إعادة العمل بالقرض الدولي فهي شبه مستحيلة، ذلك أنّ البنك الدولي يضع رزمة شروط على الحكومة اللبنانية لتمويل مشروع استجرار الطاقة والغاز، وهو طلب ملحّ بالنسبة إلى الحكومة، فكيف ستكون ردّة فعله إزاء طلب تمويل سدّ تشوبه علامات استفهام وريبة؟
إقرأ أيضاً: سدّ بسري(1/2): التكلفة الهائلة تقارب تحلية مياه البحر
في المحصّلة فإنّ طريق هذا المشروع مزروعة بالألغام: بات المتعهّد على لائحة العقوبات الأميركية. البنك الدولي علّق التمويل. الخزينة العامّة مفلسة. شكوك حول سلامة المشروع البيئية، إلا إذا كانت ثمّة قطبة مخفيّة تقضي بوضع الملفّ على نار هادئة إلى حين نضوج الظروف والحصول على تمويل من جديد.