شهر رمضان… بلا خبز ولا زيت ولا كهرباء؟

مدة القراءة 6 د

يبدو أنّ شهر رمضان سيمرّ على اللبنانيين بلا خبز ولا زيت، فيما ينتظر جميع اللبنانيين فصل صيفٍ حارٍّ ومعتم. لن يكون الحرّ نتيجة انقطاع التيار الكهربائي فحسب، بل أيضاً نتيجة ارتفاع فواتير كهرباء الاشتراك من المولّدات الخاصّة.

صحيح أنّ المعارك تبعد عنّا آلاف الكيلومترات بين أوكرانيا وروسيا، لكنّ تبعاتها حاضرة هاهنا في بيروت. فاتفاق استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر بات بحكم المؤجّل، خصوصاً بعد انقسام العالم كلّه حول الأزمة الأوكرانية. يُضاف إلى ذلك أنّ ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، الذي مثّل فرصة لتمرير الاتفاق الأوّل، نسفه “حزب الله” بعد تصريح رئيس كتلته النيابية محمد رعد. وهذا يعني أنّ الدولة لن تزوِّد المواطنين بالكهرباء قريباً.

أكّد نقيب مستوردي ?الموادّ الغذائية? ?هاني بحصلي? لـ”أساس” أنّ ?أزمة القمح وزيت دوّار الشمس هي أزمة عالميّة “لا تقتصر على لبنان”

فكيف إذا ترافق هذا كلّه مع ارتفاع أسعار النفط عالميّاً؟

يقول نقيب أصحاب المولّدات عبدو سعادة لـ”أساس” إنّ جميع أصحاب المولّدات “بانتظار صدور تركيبة الأسعار” عن وزارة الطاقة، وكان يفترض أن تصدر قريباً، وثمّة أجواء تشي بأنّ سعر المازوت ربّما يرتفع، لكن “لا حديث قبل صدور جدول الأسعار”.

سعادة يؤكّد أنّ تسعيرة كهرباء الاشتراكات “تتأثّر بعاملين، الأوّل هو سعر النفط عالميّاً، والثاني سعر صرف الدولار، لكنّ الأوّل أكثر تأثيراً”، متمنّياً ألّا تتصاعد الأزمة بين أوكرانيا وروسيا أكثر من ذلك، لأنّ الثمن “سيدفعه أصحاب المولّدات والمواطنين على السواء”.

أمّا البنزين فقد ارتفع سعره صباح الثلاثاء 7000 إلى 8000 ليرة، والمازوت 3000 ليرة، وذلك نتيجة الأزمة الروسية – الأوكرانية، بحسب عضو نقابة أصحاب المحطات جورج براكس.

براكس كشف لـ”أساس” أنّ ارتفاع سعر المحروقات “أمر طبيعي”، لكنّ التكهّن بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه الأسعار أمر غير ممكن لأنّه مرتبط بـ”تطوّرات الأحداث السياسية والعسكرية على الأرض الأوكرانية”، خصوصاً في حال جرى استهداف قطاع النفط بالعقوبات أو أوقفت موسكو ضخّ الغاز إلى أوروبا أو حتى تأثّر سعر صرف الدولار في لبنان. فكلّ هذه العوامل “ستؤثّر على أسعار المحروقات في لبنان”، ويضاف إلى هذا كلّه، بحسب براكس، “الخوف من شحّ النفط في حوض البحر المتوسط”.

 

مشكلة القمح

هذا في ما يتعلّق بالكهرباء والبنزين، أمّا التطمينات التي سيقت في الأيام القليلة الماضية عن وجود بدائل للقمح الأوكراني والروسي اللذين يعتمد عليهما لبنان بنسبة 87%، فلا تبدو جدّيّة كفاية مقارنة بالوقائع. وبالتالي يبدو أن لا مفرّ من انقطاع الخبز جزئياً، وارتفاع سعره، في الآتي من الأيام.

الندرة هي عنوان المرحلة. والحديث عن وجود بدائل عن روسيا وأوكرانيا لشراء القمح هو افتراضات وحسب. لأنّ الأمر دونه عقبات كثيرة، تبدأ بالبيروقراطية الإدارية في لبنان، وتمرّ بموافقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على بيع وزارة الاقتصاد الدولارات الكافية لإتمام الصفقات، ولا تنتهي بفقدان القمح أو خضوعه للعبة الاحتكار عالميّاً.

ثمّة دول أقوى وأغنى منّا قادرة على فرض الأسعار التي تريدها لقاء الحصول على الكميّات التي تحتاجها. وثمّة دول قادرة على حجز هذه الكميّات، مثل أيّ سلعة تُصاب بالندرة. وهذا كلّه طبعاً يشي بأنّ ثمّة نقصاً بالقمح سيضرب لبنان خلال الأشهر القادمة.

المدير العامّ للحبوب والشمندر السكري جرجس برباري يكشف لـ”أساس” أنّ دفتر الشروط لإطلاق مناقصة شراء القمح “قيد الإعداد ويُفترض أن ينتهي العمل به قريباً”، لكنّ الإجراءات “بحاجة إلى بعض الوقت”، ويتوقّف الأمر على “موافقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على بيعنا الدولارات اللازمة وفق السعر الرسمي (1,507 ليرات) وإلاّ فلبنان أمام أزمة”.

براكس كشف لـ”أساس” أنّ ارتفاع سعر المحروقات “أمر طبيعي”، لكنّ التكهّن بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه الأسعار أمر غير ممكن

يضيف برباري أنّ حجم هذه المناقصة هو “بحدود 37 مليار ليرة”، أي ما يعادل 24 مليون دولار على السعر الرسمي 1500، أو 1.8 مليون على سعر منصة “صيرفة” (فرق 22.2 مليون دولار)، وهذا يعني أنّه في حال رفض مصرف لبنان بيع الدولارات لوزارة الاقتصاد على هذا الرقم، فإنّ المبلغ لن يشتري أكثر من 7.5% من حجم الشحنة. وكلّما ارتفع سعر الصرف قلّت كميّة القمح.

هذا من دون احتساب الزيادات التي طرأت أصلاً على سعر طن القمح عالميّاً وعلى كلفة نقله أيضاً. إذ كشف برباري أنّ سعر طن القمح قفز من 370 دولاراً (سعر آخر شحنة وصلت إلى لبنان) إلى حدود 490 دولاراً، وهو سعر آخر مناقصة حصلت في مصر قبل يومين. يُضاف إلى هذه الزيادة، زيادة أخرى تتعلّق بكلفة النقل التي ارتفعت أيضاً بحدود 35%. فبعدما كانت كلفة نقل طن القمح 40 دولاراً من أقرب مكان إلى لبنان (روسيا أو أوكرانيا) ستصبح اليوم بين 50 و55 دولاراً، مع العلم أنّ حاجة لبنان الشهرية هي بحدود 50 ألف طن.

ويلفت إلى أنّ بعض الدول بدأت تُوقف عمليات البيع، وذلك لسببين: الأول يخصّ ضرورات الأمن القومي الغذائي، فتفضِّل الحفاظ على كميّات القمح لنفسها خوفاً من أن تمتدّ الحرب أكثر من ذلك، والثاني يتعلّق باعتبارات الجشع وتحصيل المزيد من الأرباح. وفي كلتا الحالتين نحن متضرّرون.

 

ماذا عن الزيت؟

لن يتوقف هذا الأمر عند القمح الروسي والأوكراني، وإنّما سيتعدّاه إلى زيت الطعام الذي نعتمد على أوكرانيا أيضاً في الحصول على 60% منه. بدأت هذه السلعة الأساسية بدورها تختفي من المستودعات، لأسباب تتعلّق بـ”الاحتكار والرغبة في مضاعفة الأرباح”، وذلك على الطريقة اللبنانية المعهودة.

قصد “أساس” أكثر من “بائع جملة” في العاصمة بيروت، وكلّهم أكّدوا أنّ “الزيت مقطوع”، وذلك على الرغم من وجوده لدى المتاجر الكبرى على الرفوف. لكن يبدو أنّ الزيت أيضاً سعره آخذ في الصعود. فغالون الـ5 ليتر الأوكراني أو التركي (معبّأ في تركيا) ارتفع في غضون أسبوع من 215 ألفاً إلى 240 ألفاً على الرغم من استقرار سعر صرف الدولار.

من جهته، أكّد نقيب مستوردي ?الموادّ الغذائية? ?هاني بحصلي? لـ”أساس” أنّ ?أزمة القمح وزيت دوّار الشمس هي أزمة عالميّة “لا تقتصر على لبنان”، وحتى إمداد الصناعات المحليّة في بعض الدول يكون من الخارج، وهو مقطوع حاليّاً. وكشف بحصلي أنّ الدول البديلة عن أوكرانيا، مثل مصر وتركيا، لا تعطي التجار إجابات شافية اليوم عن السعر، ولا عن إمكان أن تزوّدهم أو لا، فهمُّها الآن هو “تلبية حاجاتها الداخلية”.

لكنّ بحصلي اعتبر أنّ حجم البضائع الموجودة في السوق اللبناني “كافية لنحو شهر أو شهرين”، وما سيحدث بعد ذلك مرتبط بالتطوّرات الميدانية، خصوصاً أنّ أيّ شحنة تتطلّب بين شهرين و4 أشهر لتصل إلى لبنان. وكشف أنّ وضع الطلبيّات يكون بالعادة على الشكل التالي: بين 10% أو 20% بضائع في المستودعات، 40% على الطريق، والبقيّة قيد التصنيع. وفق هذه المعادلة يعمل تجّار الموادّ الغذائية من أجل ضمان الاستمراريّة.

إقرأ أيضاً: أوكرانيا تذكّر بأمجاد النفط: واشنطن أوّلاً..

عليه، ووفق هذه المعادلة، فإنّ كلّ ما يُفترض أن يكون في طريقه إلى لبنان سيكون مجهول المصير… فهل يكون شهر رمضان أو حتى فصل الصيف بلا كهرباء ولا زيت ولا خبز؟

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…