خطّة الوزير الجديدة: إدفعوا الآن والكهرباء لاحقاً

مدة القراءة 6 د

يبدو أنّ خطّة وزير الطاقة وليد فياض لحلّ أزمة الكهرباء هي أن يدفع اللبنانيون المزيد من المال، لقاء وعود بزيادة في ساعات التغذية، وليس أن يلمسوا تحسّناً قبل أو بعد أن يبدأوا في دفع المزيد من المال.

إذ لا يوجد حتّى اللحظة ما يؤكّد قدرة فيّاض على تحقيق تغذية كهربائية بين 8 و10 ساعات في اليوم الواحد، كما تعِد خطّته التي تمّ طرحها ومناقشتها على طاولة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي. ومن المستبعد أن يتمكّن الوزير من رفع التغذية بشكل متدرّج إلى حدود 24 ساعة في اليوم بين عاميْ 2025 و2026، كما تعِد الخطّة أيضاً. لذلك من المرتقب أن تضع خطّة الكهرباء المطروحة اللبنانيين أمام معادلة جديدة: زيادة التعرفة مقابل وعود على الورق بزيادة تدريجيّة في التغذية خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة المقبلة. هو الذي كان قد وعد العام الماضي بربط الزيادة في التعرفة بتحقيق زيادة في التغذية تصل إلى 10 أو 12 ساعة في اليوم، لا الوعد بتحقيقها، كما تنصّ خطّته الحاليّة.

مشروع الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة ما زالا ينتظران موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع وتوقيع اتفاقيّة القرض مع لبنان، وهذه الموافقة ترتبط بدورها بخطة الكهرباء نفسها وجدّيّتها، ومدى اقتناع البنك بقدرتها على تأمين الكهرباء بشكل مستدام

في ما يتعلّق بالشقّ الأكثر تأثيراً على المواطن، تنصّ الخطّة المطروحة حاليّاً على رفع تعرفة الكيلووات الواحد إلى حدود 11 سنتاً، للعائلات التي تستهلك أقلّ من 400 كيلووات. ويُفترض تعديل التعرفة على هذا النحو أن يدخل حيّز التنفيذ فور تطبيق الخطّة، مع ربط قيمة التعرفة بالليرة اللبنانيّة بتقلّبات سعر الصرف، وهو ما يعني تعديل التعرفة شهريّاً وفقاً لقيمة الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي.

زيادة بين 11 و22 مرّة

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ التعرفة الحاليّة المطبّقة تراوح ما بين 0.5 و1 سنت، لشطور الاستهلاك الدنيا بحسب كميّة الاستهلاك، فالنتيجة ستكون ارتفاع فاتورة الكهرباء على العائلات اللبنانيّة بمعدّلات تراوح ما بين 11 و22 مرّة. أمّا إذا تجاوز استهلاك الأسرة الـ400 كيلووات، فسترتفع التعرفة بشكل إضافي بحسب وتيرة استهلاكها.

مقابل هذا الارتفاع الخيالي والفوري في التعرفة، تعِد الخطّة بالوصول إلى معدّلات تغذية تراوح بين 8 و10 ساعات في اليوم، خلال العام الحالي، مقارنةً بنحو 3-4 ساعات اليوم. لكن لتحقيق نسبة التغذية هذه، تراهن الخطة على الحصول على نحو 250 ميغاوات (10.7% من قيمة الإنتاج) من استجرار الكهرباء الأردنيّة، و490 ميغاوات (21% من قيمة الإنتاج) من مشروع استجرار الغاز من مصر، بالإضافة إلى 485 ميغاوات (21% من قيمة الإنتاج) من خلال إنشاء وحدة عائمة للتخزين والتغويز في الزهراني، وفقاً لنموذج الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص. بمعنى آخر: 52.7% من إنتاج الكهرباء الموعود خلال 2022، والذي يمثّل الزيادة المتوقّعة في التغذية الكهربائيّة خلال هذه السنة، يرتبط بمشاريع لم تدخل حيّز التنفيذ حتّى اللحظة، ولا يوجد ما يكفل تنفيذها قبل نهاية العام.

مشروع الغاز المصري والكهرباء الأردنيّة ما زالا ينتظران موافقة البنك الدولي على تمويل المشروع وتوقيع اتفاقيّة القرض مع لبنان، وهذه الموافقة ترتبط بدورها بخطة الكهرباء نفسها وجدّيّتها، ومدى اقتناع البنك بقدرتها على تأمين الكهرباء بشكل مستدام على المدى الطويل. يرتبط هذا المشروع أيضاً بموافقة الإدارة الأميركيّة على إصدار ضمانات خطيّة تستثني المشروع من عقوبات قانون قيصر الأميركي، وهو ما لم يتمّ حتّى اللحظة بانتظار جملة من الإيضاحات المطلوبة من الدولة اللبنانيّة. وفي حال تأخُّر الأميركيين في إعطاء الضمانات، أو تأخّرت موافقة البنك الدولي النهائيّة على عقد القرض مع لبنان، من المحتمل أن لا يبصر المشروع بأسره النور قبل نهاية العام، تماماً كما تأجّل تنفيذه سابقاً، بعدما كان من المتوقّع أن تصل الكهرباء الأردنيّة والغاز المصري قبل نهاية العام الماضي.

كلّ ما تبيعه خطة الكهرباء للّبنانيين اليوم هو وعود معلّقة بمسائل لم يتمّ بتّها، في مقابل كلفة باهظة سيدفعها في فواتير الكهرباء الشهريّة

بناء معامل جديدة

أمّا مشروع الوحدة العائمة للتخزين والتغويز في الزهراني، ثمّ بناء معامل جديدة لتوليد الكهرباء هناك، فيرتبطان بدورهما باحتمالات نجاح المناقصات، التي يُفترض أن تلزِّم إنشاء الوحدة وتشغيلها للقطاع الخاص. ويرتبط هذا المسار بدوره بالثقة التي ستُحيط بعمل ومشاريع الدولة اللبنانيّة، وتحديداً قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها في إطار أيّ مناقصة ضخمة من هذا النوع، وسيرتبط بالتوافق السياسي المطلوب لتسهيل إجراء هذه المشاريع وعدم عرقلتها.

باختصار، على المدى القصير، أي خلال العام 2022، لا تقدّم الخطة سوى الوعود التي يُفترض أن ينتظر المواطنون تحقيقها بعد أن يدفعوا كلفة زيادة التعرفة. أمّا على المدى الأطول، فتراهن الخطة على جملة من المشاريع الجديدة التي يُتوقّع أن تبصر النور تدريجيّاً بين عاميْ 2023 و2026، للوصول إلى التغذية الكهربائيّة 24/24، مثل مشاريع الطاقة المتجدّدة، ومعمل الكهرباء العامل على الغاز بالاستفادة من خط الغاز العربي، بالإضافة إلى وحدة عائمة إضافيّة للتخزين والتغويز. وجميع هذه المشاريع تقوم على الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، بمعنى تلزيم إنشاء وتشغيل واستثمار المعامل لشركات خاصّة، على أن تقوم هذه الشركات ببيع الكهرباء التي يتم إنتاجها لمؤسسة كهرباء لبنان.

إقرأ أيضاً: حلّ أزمة الكهرباء: بناء معامل.. خارج الدولة

من الناحية العمليّة، وللبدء بتطبيق هذه المشاريع تدريجيّاً ابتداءً من العام 2023، لا بدّ أن تبدأ وزارة الطاقة والمياه بالإعداد للمناقصات المطلوبة خلال العام 2022. ويتوقّف نجاح هذه المناقصات بدوره على مستقبل خطّة التعافي المالي نفسها، خصوصاً أنّ ثقة المستثمرين بهذه المشاريع ترتبط بالثقة باستعادة الدولة لقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تدريجيّاً، وبالثقة بالنظام المالي وقدرتهم على استعادة أرباح المشاريع من هذا النظام لاحقاً. حتّى اللحظة، ما زال مستقبل خطّة التعافي المالي رهناً بنجاح محادثات لبنان مع صندوق النقد الدولي، وقدرة الوفد اللبناني على إقناع الصندوق بمقارباته.

في النتيجة، كلّ ما تبيعه خطة الكهرباء للّبنانيين اليوم هو وعود معلّقة بمسائل لم يتمّ بتّها، في مقابل كلفة باهظة سيدفعها في فواتير الكهرباء الشهريّة.

مواضيع ذات صلة

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…

استراتيجية متماسكة لضمان الاستقرار النّقديّ (2/2)

مع انتقالنا إلى بناء إطار موحّد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سنستعرض الإصلاحات الهيكلية التي تتطلّبها البيئة التنظيمية المجزّأة في لبنان. إنّ توحيد الجهود وتحسين…

الإصلاحات الماليّة الضروريّة للخروج من الخراب (1/2)

مع إقتراب لبنان من وقف إطلاق النار، تبرز الحاجة الملحّة إلى إنشاء إطار متين وفعّال للامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تواجه البلاد لحظة محورية،…

لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد…