في انتخابات العام 2018، أتاح تطبيق النسبيّة للمرّة الأولى في تاريخ لبنان الفرصة لكسر بعض الاحتكارات والحصص البرلمانية، ومنها احتكار تيار المستقبل لأغلب المقاعد السنّيّة. فقد خسر الأخير ستّة مقاعد سنّيّة، اثنان منها في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، الضنّية، المنية).
من مقعدين إلى أربعة
كان المقعدان الشماليّان من حصّة لائحة “الكرامة الوطنية”، وهي التي تشكّلت نتيجة تحالف جمع كلّاً من فيصل كرامي، جهاد الصمد، تيار المردة، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، وبعض المستقلّين، وأثمر عن فوز كرامي في طرابلس، والصمد في الضنّية. انضمّ الاثنان بدايةً إلى “التكتّل الوطني” (برئاسة طوني فرنجية)، ثمّ بعد ذلك تحوّلا إلى “اللقاء التشاوري”، وهو كتلة سنّيّة خالصة تضمّ ستّة نواب.
حصلت لائحة الكرامة عام 2018 على 29,101 صوت، من أصل 146,419 صوتاً، بنسبة اقتراع بلغت 51.16 %، فيما وصل الحاصل الانتخابي إلى 11,394 صوتاً. أمّا اليوم، وفي حال نجحت الجهود المبذولة لخوض الانتخابات بلائحة مماثلة للائحة عام 2018، فإنّ المعطيات الأوّليّة والإحصاءات تُشير إلى إمكانيّة حصولها على أربعة مقاعد، وربّما أكثر.
حصلت لائحة الكرامة عام 2018 على 29,101 صوت، من أصل 146,419 صوتاً، بنسبة اقتراع بلغت 51.16 %، فيما وصل الحاصل الانتخابي إلى 11,394 صوتاً
موقف جمعيّة المشاريع
لم تُعلنْ جمعية المشاريع قرارها النهائي بخصوص التحالفات الانتخابية، باستثناء الأخبار المتداولة عن فكّ الارتباط الانتخابي مع حزب الله في بيروت. وحسب المعلومات فإنّ الجمعية ستُعيد ترشيح طه ناجي في طرابلس.
ناجي الذي حصل عام 2018 على 4,152 صوتاً، كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بمقعد نيابي، إثر قبول المجلس الدستوري الطعن الذي قدّمه، لكنّ المجلس قرّر إجراء انتخابات فرعية أعادت تثبيت المقعد لتيّار المستقبل.
وإذا كانت غالبيّة القوى السياسية تعاني “انكماشاً” انتخابيّاً، تحت تأثير انتفاضة 17 تشرين 2019، والأزمة الاقتصادية والمعيشية، فإنّ ذلك لا يسري على جمعية المشاريع بالذات، وكذلك على شركائها الأساسيّين في لائحة الكرامة، بل ربّما العكس. فمن المعروف عن الجمعية أنّ لديها بلوكاً انتخابيّاً ثابتاً وقابلاً للنموّ، وماكينة انتخابية مُنظّمة بدقّة.
كرامي نحو الشراكة في زعامة طرابلس؟
حصل فيصل كرامي على وزارة الشباب والرياضة في حكومة ميقاتي الشهيرة بحكومة “القمصان السود” في 2011، بعدما تنازل الرئيس نبيه برّي عن مقعد وزاري من حصّته الشيعية لتسهيل ولادة الحكومة التي كانت حكومة بوزير سنيّ إضافي. وهذا ما عابه عليه كثيرون، لكنّ هذه الخطوة كانت أساسية في تعبيد مسيرته السياسية، فهي كانت بمنزلة بطاقة عبوره إلى الساحة السياسية ممثّلاً لآل كرامي، بعد صراع عائلي دفع الرئيس الراحل عمر كرامي إلى الترشّح بنفسه عام 2009 درءاً للفتنة العائلية.
خاض فيصل الانتخابات للمرّة الأولى عام 2018، وكان الهدف الحصول على مقعد نيابي، وكسر احتكار تيار المستقبل، فحصل على 7,126 صوتاً، أي أقلّ من الحاصل، لكنّ الأصوات التي حصلت عليها اللائحة مكّنته من الفوز.
خلال الولاية النيابية، عزّز النائب كرامي من حضوره على الساحة الطرابلسية، وعمل على توطيد علاقاته الخارجية، وخاصة مع تركيا، فحصل من الأخيرة على مساعدات قام بتوزيعها في طرابلس. ويدخل اليوم النزال الانتخابي، واضعاً نصب عينيه رفع حصّة لائحته من المقاعد، بما يعبّد الطريق أمامه للشراكة مع الرئيس ميقاتي في زعامة المدينة.
وهو إذ لا يُخفي رغبته القوية في دخول السراي الكبير، فإنّ طموحه واندفاعه سبق أن سبّبا له مشاكل مع النائب الصمد ومع الوزير حسن عبد الرحيم مراد، وتلقّى انتقادات كثيرة لاستعجاله في طرح اسمه مرشّحاً لرئاسة الحكومة أكثر من مرّة.
كلّما انخفض الحاصل الانتخابي، ارتفعت حظوظ لائحة الكرامة في الحصول على عدد أكبرمن المقاعد في الدائرة
الصمد الرقم الصعب
حصل النائب جهاد الصمد عام 2018 على 11,897 صوتاً، أي أنّه بمُفْرده لديه حاصل انتخابي. وعلى الرغم من ابتعاده عن ساحة النجمة منذ العام 2005، إلّا أنّه بقي على الدوام الرقم الصعب في الضنّية.
إذ لم يتمكّن أحد من كسره في أيّ استحقاق انتخابي بلدي، سواء في بلدته بخعون أو في اتّحاد بلديّات الضنّية، وبعض البلديات الأخرى، فكان ذلك دافعاً لخصومه لإنشاء اتّحاد بلديّات آخر هرباً من نفوذه. لذا تؤكّد كلّ الإحصاءات احتفاظه بمقعده النيابي برقم قريب ممّا حصل عليه عام 2018.
المقعد الأرثوذكسيّ
حصل رفلي دياب، مرشّح تيار المردة الدائم عن المقعد الأرثوذكسي في طرابلس منذ عام 2005، على 1,286 صوتاً عام 2018، ليَحِلّ في المركز الأول أرثوذكسياً، متفوّقاً على النائب نقولا نحاس، الفائز بالمقعد (1,057 صوتاً). لم يُعْلن دياب ترشّحه رسمياً بعد، وإنْ كانت المعلومات تشير الى أنّه سيكون مرشّحاً ضمن لائحة “كرامي – الصمد” مرّة جديدة.
المقعد العلويّ
أمّا محمود عمران، المرشّح عن المقعد العلوي، فقد حصل على 2,794 صوتاً، وهو الرقم الأعلى بين كلّ المرشّحين العلويّين، بمن فيهم النائب علي درويش (2,246 صوتاً). الطريف أنّ عمران كان قليل الحركة انتخابياً، واعتكف في منزله في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات نتيجة خلافات مع كرامي وماكينته الانتخابية.
ويُعْزى هذا التفوق إلى الدعم السوري لعمران، وزيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لجبل محسن لشدّ العصب وكسب الدعم للائحة الكرامة. لكنّ ذلك مبالغ فيه، فمن أصل قرابة 20 ألف ناخب علوي، لم يقترع سوى 6,200 فقط، بما يُسْقط أسطورة البلوك العلوي الحديدي والمُوجّه، وهو مؤشّر إلى حالة الإحباط السائدة في الشارع العلوي كما في مدينة طرابلس عموماً.
وكان القسم الأكبر من أصوات عمران مصدره ما تبقّى من جمهور الحزب العربي الديموقراطي (رفعت عيد)، الذي تراجع حضوره كثيراً. وقد حصل النائب كرامي على قرابة 1000 صوت علوي تفضيلي، إثر جهود كبيرة قام بها رئيس تيار المردة.
حتى الساعة ليس واضحاً من سيكون مرشّح المقعد العلوي على لائحة الكرامة، مع صعوبة إعادة ترشيح عمران مرّة أخرى. وليس واضحاً أيضاً كيف سيتفاعل الشارع العلوي مع الانتخابات، وهو الذي سجّل حضوراً بارزاً في المشهد الطرابلسي أيام انتفاضة 17 تشرين 2019.
كمال الخير لمقعد المنية
ثمّة محاولات يعمل عليها حزب الله، لترشيح كمال الخير عن مقعد المنية على لائحة الكرامة. سبق أن فشل هذا المسعى عام 2018، فكان ذلك دافعاً للخير إلى تشكيل لائحة بالتحالف مع التيار الوطني الحر، حصل من خلالها على 2,182 صوتاً، متجاوزاً ما حصل عليه من أصوات مرشّح الجماعة الإسلامية في طرابلس، والنائب ديما الجمالي، والنائب السابق مصباح الأحدب.
يكتسب كمال الخير حضوره من قدراته الخدماتية المتقدّمة على باقي المرشّحين، ولا سيّما في مؤسسات الدولة، المدنية والأمنيّة، بفضل صلاته الوثيقة مع حزب الله. وفي حال انضمامه إلى اللائحة، فإنّه سيرفع من قدرتها على حصد حاصل ثالث، وإن لم يكن المقعد من نصيبه. الجدير بالذكر أنّ مرشّح اللائحة عن مقعد المنية لم يحصل إلا على 494 صوتاً فقط.
إقرأ أيضاً: ائتلافان معارضان قيد الولادة… بسبب الكتائب ومعوّض
خفض الحاصل هو الهدف
على صعيد آخر، يُتوقّع أن تضمّ هذه اللائحة أحد المرشّحين المحسوبين على المجتمع المدني، من القسم المؤيّد للحزب. أمّا باقي ملامح اللائحة، فمن غير الواضح هل تكون مكتملة أم لا. كلّها أمور قيد التداول ولم تُحسم بعد.
هذه اللائحة ستستفيد حُكماً من غياب تيار المستقبل عن الاستحقاق الانتخابي، ليس لاجتذاب جمهوره، بل لخفض الحاصل الانتخابي، وهو ما يبدو أنّه سيحصل حسبما تشير المعطيات حتى اليوم، ولا سيّما أنّ المزاج الشعبي، في طرابلس خاصة، حيث يبدو أكثر ميلاً إلى عدم الاقتراع بسبب اليأس والإحباط من أوضاع البلاد. أضف إلى ذلك الارتفاع الهائل لمعدّلات الهجرة. وكلّما انخفض الحاصل الانتخابي، ارتفعت حظوظ لائحة الكرامة في الحصول على عدد أكبرمن المقاعد في الدائرة.
وللبحث صلة…