مصرف لبنان “يدجّن” الصرّافين.. بـOMT

مدة القراءة 6 د

يواصل سعر صرف الدولار على منصة مصرف لبنان، “صيرفة”، الانخفاض بمعدّل 100 ليرة يومياً، مسجّلاً رقماً قياسياً جديداً بلغ يوم الثلاثاء 20,800 ليرة. استطاع هذا الانخفاض حتى اللحظة أن يعطّل المضاربات، وأن يضع حدّاً للارتفاع والهبوط العشوائيّين غير المفهومين ولا المبرّرين في سعر صرف الليرة. بعدما سعت السلطة المالية والنقدية إلى وضع حدّ لهذه الفوضى في أكثر من محطة من محطات الأزمة، بواسطة التوقيفات والاعتقالات، التي لم تأتِ يوماً بأيّة نتيجة، وإنّما على العكس، فقد كان سعر صرف الدولار يرتفع بشكل جنوني مع كلّ حملة تشنّها الأجهزة الأمنيّة بحقّ الصرّافين.

الانخفاض المتواصل لسعر الصرف سببه أنّ مصرف لبنان يضخّ الدولارات. وقد نجح في أن يلجم المضاربات، وأن يضع حدّاً لتفلّت “السوق السوداء”، بصرّافيها الشرعيين وغير الشرعيين، وأن يفضح الكثير من الخفايا التي كانت بالنسبة لجميع اللبنانيين ما يشبه الأحجية: مَن يدير السوق السوداء؟ كيف يُحدَّد السعر على التطبيقات؟ وغيرها من الأسئلة…

 مصدر صيرفي لـ”أساس”، إنّ مصرف لبنان يشنّ منذ أسابيع حملة قاسية على الصرّافين. إذ عكف على توجيه إنذارات خطّيّة لهم تحذّرهم من مغبّة عدم التقيّد بمنصة “صيرفة”، وتفرض عليهم تسجيل عملياتهم اليومية عليها

لكن على الرغم من ذلك، لا يزال غير واضحٍ حتى الآن ما هو السقف الذي سيصل إليه سعر الصرف مستقبلاً، وهل يستمرّ على هذا الاستقرار؟ وبأيّ تكلفة؟

تشير البيانات، التي ينشرها مصرف لبنان مساء كل يوم عمل، إلى أنّ مجموع ما أنفقه “المركزي” قد لامس عتبة نصف مليار دولار، أو تحديداً 475 مليون دولار، منذ 20 كانون الثاني (تاريخ الاتفاق بين الحاكم رياض سلامة ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف خليل) إلى 8 شباط. أي خلال 20 يوماً، وحتى أقلّ إن احتسبنا أيام العمل من دون عطلات نهاية الأسبوع. وهذا يعني أنّ الطريق التي اختار مصرف لبنان أن يسلكها من الآن حتى الانتخابات النيابية، قد تكون شاقّة و”مُبخّرة” لدولارات يمكن له أن يدّخرها ليعزّز من حجم احتياطاته المستنزَفة.

بداية كانت التكهّنات حول مصدر الأموال كثيرة، وقد راوحت بين احتمال المسّ بالاحتياط الإلزامي، أو بأرباح شركة طيران الشرق الأوسط، أو بأموال السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، وصولاً إلى احتمال استخدام الدولارات المحوَّلة من الخارج، عبر شركات تحويل الأموال، وعلى رأسها شركة OMT.

تبيّن أخيراً، بحسب معلومات “أساس”، أنّ مصدر هذه الأموال هو فعلاً التحويلات عبر شركة OMT، التي ضمّها مصرف لبنان إلى “لائحة مؤسسات الصرافة المسجّلة حسب الأصول” مع نص خاص جاء فيه “لمن يرغب من زبائنها”، وذلك في قرار أصدره في 18 كانون الثاني الفائت. من دون أن يُعرف إن كانت شركات تحويل الأموال، تُدخِل فعلاً هذا الحجم من الدولارات إلى لبنان يوميّاً، أو أنّ المركزي يضخّ إضافة إليها ما استطاع جمعه قبل أشهر إلى اليوم.

لماذا OMT؟

يُظهر قرار “المركزي” أنّ عدد الصرّافين النظاميين في لبنان هو 302 شركة صيرفة من بينها OMT (حديثاً)، ولكلّ واحدة من هذه الشركات اسم ومالك وتوجّه ومصلحة، وحتى سعر صرف. في حين أنّ OMT هي شركة واحدة، لكن بـ1200 فرعٍ. بمعنى آخر، فإنّ OMT بفروعها الـ1200، تشكّل 80% من حجم شبابيك الصرّافين في كلّ لبنان. لكنّ الفارق أنّها تعتمد سعراً واحداً يصدر عن مصرف لبنان، ووظيفتها محصورة بمهمّة واحدة هي: “شراء الدولارات لمصلحته”. من دون بيعها أو المضاربة بها في السوق. بل أكثر من ذلك، هي جهة تأتي بالدولارات “الفريش” من الخارج، ولا تأكل منها. وهذا قد يكون أفضل ما يمكن أن يطلبه مصرف لبنان، فيجعله بشكل منطقي، ميّالاً إلى التعاطي مع OMT، وحتى الدفاع عنها، خصوصاً أنّه بحسب معلومات “أساس”، لا ينفق شيئاً من احتياطاته، وإنّما “من دهنه سقّيلو”… (عمليّاً هو يخسر ما يمكن له أن يدّخره من دولارات فيضخّها بالسوق).

مصدر صيرفي لـ”أساس” أيضاً، أنّ مصرف لبنان لا يخفي انزعاجه من التعاطي مع الصرّافين عموماً، ويروق له العمل مع OMT لأنّها في نظر مصرف لبنان “منظّمة أكثر من غيرها”، و”تعتمد تسعيرة موحّدة يضعها هو”

“مضايقة” الصرّافين

يقول مصدر صيرفي في بيروت لـ”أساس”، إنّ مصرف لبنان يشنّ منذ أسابيع حملة قاسية على الصرّافين. إذ عكف على توجيه إنذارات خطّيّة لهم تحذّرهم من مغبّة عدم التقيّد بمنصة “صيرفة”، وتفرض عليهم تسجيل عملياتهم اليومية عليها. بالإضافة إلى أنّه فرض Software جديد ينوي “بيعه” للصرّافين من أجل تدوين العمليات نفسها عليه أيضاً، بغية مطابقتها مع بيانات منصّة “صيرفة”… عند الحاجة.

يكشف المصدر لـ”أساس” أيضاً، أنّ مصرف لبنان لا يخفي انزعاجه من التعاطي مع الصرّافين عموماً، ويروق له العمل مع OMT لأنّها في نظر مصرف لبنان “منظّمة أكثر من غيرها”، و”تعتمد تسعيرة موحّدة يضعها هو”. وبالتالي فإنّ مصرف لبنان “لن يكون بذلك مضطرّاً إلى التعامل أكثر من 300 رأس أو صرّاف، وإنّما مع رأس واحد لديه 1200 فرع”.     

يضاف إلى ذلك أنّ طريقة عمل OMT باعتمادها سعر صرف واضحاً، ليست مريحة لمصرف لبنان فحسب، وإنّما تلقى قبولاً لدى الناس، وخصوصاً الذين يضطرّون إلى صرف الدولارات لمصلحة جهة ثالثة أو من أجل دفع فاتورة أو كمبيالات أو رسوم في الدوائر الرسمية أو غيرها. هؤلاء يجدون صعوبة في التعاطي مع الصرّافين غير المنظّمين غالباً، فيقعون بالحيرة بين تسعيرة هذا الصرّاف وذاك، ويُصابون دوماً بالإحراج نتيجة محاولة إثبات دقّة أو صحّة أو صدق سعر الصرف المتأرجح لدى الصرّافين من ساعة إلى أخرى.

لهذا صرفُ الدولارات بواسطة OMT مريح وصادق لأنّه مدعوم بإيصال صادرٍ عن جهة نظامية تحمل اسماً معروفاً، وممهورٍ بختم وتاريخ واضح للعملية مع تفاصيلها وسعر صرفها (الإيصال مقابل خسارة بضعة ألوف من الليرات)، وذلك تماماً مثل أيّ عملية صرف يجريها أيّ مواطن في أيّ دولة تحترم نفسها.

إقرأ أيضاً: حلّ أزمة الكهرباء: بناء معامل.. خارج الدولة

بمعزل عن الأتعاب التي تحصل عليها OMT من مصرف لبنان (نسبة محدّدة من الدولارات)، فإنّ هذا الإجراء استطاع أن يدجّن الصرّافين ويضع حدّاً لتغوّلهم، ويجبرهم، ولو بشكل خجول، على اتّباع الإجراءات الصحيحة لتنظيم تفلُّت “السوق السوداء”. واستطاع أيضاً أن يعيد قطاع الصيرفة قليلاً إلى شيء من النظام أو “منطق الدولة” في مواجهة الفوضى، أو في أضعف الإيمان إلى محاولة “تنظيم الخراب” ما دام الإصلاح مؤجّلاً De facto إلى ما بعد الانتخابات.

هكذا يدجّن مصرف لبنان الصرّافين، عبر “الصرّاف الأكبر” الذي أنزله إلى السوق: OMT.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…