هل قرّر السيّد القضاء على اللبنانيّين في “جهنّم” عون؟!

مدة القراءة 6 د

صديقي من كبار المتابعين وعن قرب للأحداث في لبنان والمنطقة والعالم. وهو ينتمي إلى “المدرسة الواقعية” في قراءة الأحداث وفي تحليل الصراعات. نتّفق في العديد من الآراء والتحاليل والمقاربات. ولكن، منذ بدء الانهيار، اختلفنا في قراءة موقف حزب الله منه.

يرى هذا الصديق أنّ لبنان والانهيار فيه أصبحا تفصيلاً لدى الحزب الذي أصبح اليوم لاعباً إقليمياً وباتت اهتماماته إقليمية. في حين اعتقدتُ أنّه حتّى لو كان سلاح الحزب ورواتبه وأكله وشربه ولباسه وغير ذلك من إيران، فإنّ عناصره وجمهوره من لبنان ويعانون كما تعاني غالبية اللبنانيين. وهذا ما دفعني إلى الاعتقاد بإمكانية تأجيل معاركه السياسية المحليّة والإقليمية إلى ما بعد الخروج من الانهيار، فإذا به يصعّد!

السيّد لا يأبه بمعاناة اللبنانيين. يبدو أنّه قرّر القضاء على اللبنانيين في “جهنّم” ميشال عون

داخليّاً، على مدى ثلاثة أشهر منع الحزب الحكومة من الاجتماع بانتظار الموافقة على طلبه “قبع” القاضي طارق البيطار. في وقت كان اجتماع مجلس الوزراء، على علّاته، أكثر من ضروري لعدّة أسباب:

1) خلق نوع من الاستقرار السياسي كي يوجد حدّاً أدنى من الثقة الداخلية والخارجية لإعادة إطلاق جزء من العجلة الاقتصادية في البلاد وفَرملة الانهيار.

2) إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

3) اتّخاذ بعض القرارات – الشروط للحصول على مساعدات من الصندوق أو من الدول المانحة.

4) مناقشة مشروع موازنة 2022 وإحالته إلى المجلس النيابي.

5) محاولة حلّ بعض المشاكل الاجتماعية والماليّة التي يعيشها اللبنانيون، ولو بالحدّ الأدنى.

إقليميّاً، يستمرّ الحزب في التصعيد ضدّ المملكة العربية السعودية ودول الخليج. فقد شنّ هجوماً غير مسبوق على المملكة وملكها ووليّ عهدها. واستضاف “لقاء المعارضة في الجزيرة العربية” في الضاحية، ونظّم مؤتمراً صحافياً لـ”جمعية الوفاق الوطني” البحرينية المعارِضة في بيروت. ويستمرّ في المشاركة بحرب اليمن وإعلامه يشيد باستهداف الحوثيين لأبو ظبي، بل ويشمت ويهدّد. في حين أنّ لبنان بحاجة ماسّة إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة ودول الخليج لعدّة أسباب:

1) العودة إلى المجتمع العربي والبيئة العربية التي هي عالم لبنان الجيوسياسي.

2) عودة تصدير المنتجات الصناعية والزراعية إلى دول الخليج.

3) عودة السيّاح الخليجيين إلى لبنان لتنشيط القطاع السياحي.

4) الحصول على مساعدات وقروض توقف حال الانهيار الكبير.

دوليّاً، إذا كان موقف الحزب من الولايات المتحدة الأميركية معروفاً، فإنّ الهجوم الذي شنّه ضدّها السيّد نصرالله في خطابه الأخير غير مفهوم، في وقت أعطت واشنطن الضوء الأخضر لصندوق النقد الدولي للشروع في مفاوضات مع الحكومة اللبنانية، وغضّت النظر عن وصول حمولة مازوت على متن باخرتين إيرانيّتين إلى لبنان عبر سوريا، وأعطت إذناً شفهيّاً لاستجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا.

على مدى ثلاثة أشهر منع الحزب الحكومة من الاجتماع بانتظار الموافقة على طلبه “قبع” القاضي طارق البيطار

ولكن لماذا هذا التصعيد داخلياً وإقليمياً ودولياً في هذا التوقيت بالذات؟

1- لا شكّ أنّ اقتراب القاضي البيطار من إعلان قراره الظنّي في انفجار المرفأ، واحتمال اكتشافه ضلوع حزب الله فيه، هما خلف إصرار أمينه العام على “قبع” البيطار بأيّ ثمن. والهدف ليس “قبع” القاضي فقط، إنّما تطيير التحقيق كلّيّاً. وهنا يجب التذكير بكلام السيّد حسن نصرالله في شباط 2021 عن “انتهاء التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت” ودعوته القضاء اللبناني “إلى إعلان نتائجه”.

2- تحوّل الخطاب اللبناني المعارِض للحزب من رافض لسلاحه غير الشرعي ولهيمنته على الدولة ومؤسّساتها إلى خطاب مقاوِم لـ”الاحتلال الإيراني” ومُطالِب بتحرير لبنان منه. فالنائب نهاد المشنوق كان أوّل من أطلق منذ أشهر شعار “الاستقلال الثالث” في ظلّ ما يسمّيه “الاحتلال السياسي الإيراني” للبنان. ومنذ أيام تمّ الإعلان عن تأسيس “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان” من قبل مجموعة من السياسيين والمثقّفين وقادة الرأي. والسيّد نصرالله سيشنّ هجوماً تهديديّاً على هذا الخطاب المعارِض له في أوّل مناسبة خطابية.

3- تطوّر الخطاب الخليجي ضدّ “حزب الله الإرهابي” كما قال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. وهي سابقة في خطابات الملوك السعوديين. وهذا يشير إلى أنّ المملكة العربية السعودية، ومعها دول الخليج، لن تسلّم بسيطرة الحزب على لبنان ولن تُدير ظهرها له كما يروّج بعض حلفائها في الداخل. بل هي اتّخذت موقفاً من هؤلاء في السنوات الأخيرة بسبب تقاعسهم عن مواجهة الحزب، الأمر الذي زاده قوّة، وبسبب مساهمتهم في إيصال حليفه ميشال عون إلى بعبدا.

4- التصعيد الخليجي ضدّ إيران أيضاً بموازاة مفاوضات فيينا التي سقط بندا النفوذ الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية عن طاولتها، وهما مسألتان تشكّلان تهديداً مباشراً للعالم العربي. تهديد سيزداد بعد قصف الحوثيين محيط مطار أبو ظبي بمسيّرات إيرانية النكهة والصناعة والتوجيه. لذلك شهدنا في القمّة الخليجية وقبلها (في اجتماع وزراء الخارجية) قيام نوع من جبهة خليجية – مصرية لمواجهة الخطر الإيراني.

5- تطوّر الموقف الدولي أيضاً ضدّ الحزب. وقد تجسّد بشكل واضح في خطاب الأمين العامّ للأمم المتحدة خلال زيارته الأخيرة للبنان، حين كرّر المطالبة بتحوّل حزب الله إلى حزب سياسي. فكان ردّ الحزب مَيدانياً على الدبلوماسي العالمي من خلال اعتداء جنوبيين على قوات اليونيفيل في بلدة شقرا وفي مدينة بنت جبيل.

6- الضغوط على الوفد الإيراني في فيينا من قبل كلّ الأطراف، بمن فيهم روسيا، فأجبرته على التراجع عن شروطه (رفع كامل للعقوبات والحصول على ضمانات بعدم نكث واشنطن أيّ اتفاق مستقبلاً). ويبدو اليوم أنّ طهران تفاوض على اتفاق مؤقّت يقضي بخفض نسبة تخصيب اليورانيوم مقابل رفع جزئي للعقوبات. 

إقرأ أيضاً: 2022: سنة الانتصار النهائيّ للحزب على لبنان؟

لأيّام خلَت كنت لا أزال أعتقد أنّ ما يعانيه اللبنانيون من فقر وجوع وعتمة وبطالة وموت على أبواب المستشفيات وعدم قدرة على إرسال أولادهم إلى المدارس، بمن فيهم جمهور حزب الله، لا بدّ أن يحرّك الإنسانية لدى حسن نصرالله فيؤجّل معاركه الإقليمية والدولية. أنا أنتمي إلى “المدرسة المثالية” في السياسة التي تحترم حقوق الإنسان. وأوّلها الحياة. إلا أنّ صديقي على حقّ. السيّد لا يأبه بمعاناة اللبنانيين. يبدو أنّه قرّر القضاء على اللبنانيين في “جهنّم” ميشال عون!

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانيّة

مواضيع ذات صلة

إلى الدّكتور طارق متري: حول الحرب والمصالحة والمستقبل

معالي الدكتور طارق متري المحترم، قرأت مقالك الأخير، بعنوان: “ليست الحرب على لبنان خسارة لفريق وربحاً لآخر”، في موقع “المدن”، بإعجاب تجاه دعوتك للوحدة والمصالحة…

“حزب الله الجديد” بلا عسكر. بلا مقاومة!

أكّد لي مصدر رفيع ينقل مباشرة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله: “أنا لا أثق بأيّ اتّفاق مكتوب مهما كانت لديه ضمانات دولية من أيّ قوى…

هل تنأى أوروبا بنفسها عن عقدة محرقة غزّة؟

بعد 412 يوماً من الإمعان في إشعال المحرقة في فلسطين ولبنان، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً باعتقال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير جيشه المخلوع…

لبنان “صندوق بريد” بين إسرائيل وإيران

ما تسرّب من “المبادرة الأميركية” التي يحملها آموس هوكستين مفاده أنّه لا توجد ثقة بالسلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة لتنفيذ القرار 1701. تقول الورقة بإنشاء هيئة…