لن تشكّل العودة “المشروطة” لحركة أمل وحزب الله إلى الملعب الحكومي باباً للانفراج السياسي في ظلّ معطيَيْن أساسيّين:
– الأوّل: الخلافات العميقة بين فريق العهد وقوى رئيسية في السلطة، والتي ستنتقل مجدّداً إلى داخل قاعة مجلس الوزراء.
– والثاني: اعتراض بعبدا، وفق أوساطها، “على تحديد جدول أعمال مجلس الوزراء سلفاً من قبل جهات حزبية، فيما هذا الأمر هو من صلاحيات رئيس الحكومة بعد إطلاع رئيس الجمهورية عليه”.
أوساط الثنائي الشيعي: آليّة الموازنة لا تحتاج بالضرورة إلى مجلس الوزراء، بل تصدر بمرسوم عادي ولا مشكلة فيها، وهذا ما حدث خلال ولاية رئيس الحكومة السابق حسان دياب
وفق معلومات “أساس” لم يوضع الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي في “جوّ” بيان “الثنائي الشيعي” الذي أعلن العودة إلى الحكومة، وأتى على أنقاض طاولة حوار بعبدا، قبيل أيام من بدء التفاوض الرسمي مع صندوق النقد الدولي. وبدا الأمر مفاجئاً للجميع بما في ذلك لبعض القيادات في حزب الله وحركة أمل. أمّا البُعد “الدولي والإقليمي” لقرار عين التينة والضاحية فتضاربت الآراء حوله.
وفي سياق “ترسيم حدود” البيان المشترك يقول مصدر وزاري من الفريق الشيعي لـ “أساس”: “بالمفهوم غير المباشر للبيان الصادر عن الثنائي لن نشارك في أيّ جلسات مُخصّصة لأيّ شأن آخر غير بنديْ الموازنة وخطة التعافي المالي وملفّات مرتبطة حصراً بالشأن الحياتي والمعيشي. هو بيان مشاركة محدّدة بملفّين أساسيّين، وليس بيان عودة مفتوحة إلى اجتماعات الحكومة. وهذا يعني أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لن يدعو إلى أيّ جلسة خارج هذا الإطار”.
ويضيف المصدر: “لذلك ومن الآخِر، لن يُدرَج على جدول الأعمال ملفّات يسعى البعض إلى إقرارها، وعلى رأسها التعيينات الإدارية والقضائية والماليّة”، مشيراً إلى أنّ “الفريق الرئاسي اتّهمنا بالتعطيل. فليتفضّل ويَعمِل خطة تعافٍ”.
ويرى كثيرون أن هذا الموقف الذي يضع جدول أعمال مجلس الوزراء في يد “الثنائي الشيعي”، انتقاص جديد من صلاحيات رئيس الحكومة التي لم يضربها عهد الرئيس عون بعد، وهي صلاحية تحديد جدول أعمال الحكومة التي يكفلها الدستور.
لا تعيينات
ويشكّل بند التعيينات مطلباً ملحّاً للرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل. ويأتي على رأسه بند تعيين حاكم لمصرف لبنان بديلاً من رياض سلامة. إذ أكّد باسيل في هذا السياق أنّ “خطة التعافي لن تنجح بوجود سلامة على رأس حاكمية مصرف لبنان”.
وتوجد عشرات المواقع المسيحية التي يسعى عون وباسيل إلى إتمام التعيينات فيها خلال الأشهر المتبقّية من الولاية الرئاسية.
وفق معلومات “أساس” لم يوضع الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي في “جوّ” بيان “الثنائي الشيعي” الذي أعلن العودة إلى الحكومة، وأتى على أنقاض طاولة حوار بعبدا، قبيل أيام من بدء التفاوض الرسمي مع صندوق النقد الدولي
طابة البيطار… في ملعب القضاء
تضمّن بيان الثنائي، الذي تلا صدور مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب – ببنود حدّدتها أيضاً رئاسة الجمهورية – ربطاً مُحكماً مع السبب الأساس الذي دفع الحركة والحزب إلى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، وهو انحراف المحقّق العدلي في تحقيقات المرفأ القاضي طارق البيطار عن المسار الدستوري والقانوني باستيلائه على صلاحيّات مجلس النواب في ملاحقة الرؤساء والنواب والوزراء في هذا الملفّ. إذ أشار البيان إلى “الاستمرار في مواصلة العمل من أجل تصحيح المسار القضائي ومنع الظلم والتجنّي، ورفض التسييس والاستنساب المُغرِض”، طالباً من السلطة التنفيذية “التحرّك لتصويب المسار القضائي والالتزام بنصوص الدستور ومعالجة الأعراض والظواهر غير القانونية التي تتعارض مع أحكامه وإبعاد هذا الملفّ الإنساني والوطني عن السياسة والمصالح السياسية”.
لكن وفق مصادر الثنائي لـ”أساس”، أنّ هذه الإشارة إلى دور الحكومة أتت ضمن إطار عامّ وعَرَضيّ، خصوصاً بعدما تمّ التسليم بواقع أنّ الحكومة لن تسحب مرسوم إحالة قضية انفجار المرفأ إلى المجلس العدلي، ولا وزير العدل سيوافق على اقتراح اسم آخر لتعيينه محقّقاً عدليّاً مكان البيطار عملاً بمبدأ “موازاة الصيغ”.
أما قريبين من الحزب فقالوا “الحلّ هو من ضمن المسار القضائي، وتحديداً عبر قول الهيئة العامة لمحكمة التمييز كلمتها في اعتبار أنّ ملاحقة الرؤساء والوزراء والنواب ليست من صلاحيّة المحقّق العدلي”.
وكان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قد صرّح بأنّ الحلّ يبدأ بتفكيك الملفّات، والبداية من القضاء الذي تجاوز صلاحيّاته، ويجب إعادة محاكمة الرؤساء والوزراء إلى المجلس النيابي”.
لا لقاء سرّيّاً بين ميقاتي والسيّد
هكذا وبعدما قاطع الئنائي الشيعي جلسات الحكومة لثلاثة أشهر منذ 13 تشرين الأول الماضي، صدر بيان مفاجئ عن حركة أمل وحزب الله، كان مدار بحث في الكواليس على نطاق ضيّق، ليحرّك المياه الحكومية الراكدة. وقد لاقاه رئيس الحكومة ببيان ترحيب مؤكّداً “دعوته مجلس الوزراء لانعقاد الحكومة فور تسلّم مشروع قانون الموازنة من وزارة المال”.
وبعدما تردّدت معلومات عن لقاء سرّي جمع بين ميقاتي والأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله سَبَقَ صدور البيان، نفت مصادر ميقاتي “هذه المزاعم. فقد انقطع الاتصال بين رئيس الحكومة وقيادة الحزب منذ مواقف ميقاتي الأخيرة الداعمة للمملكة العربية السعودية”. وتؤكّد المصادر “أنّنا لم نكن حتى في أجواء صدور البيان”. وكان لافتاً إصرار ميقاتي على أن يربط بين جهوزيّة الموازنة ودعوته إلى انعقاد الحكومة حتى بعد صدور بيان الحركة والحزب.
في المقابل، تشير المعلومات إلى عدم حصول أيّ تنسيق بين الثنائي ورئيس الجمهورية وباسيل في شأن البيان الذي سبقه صدور مواقف تصعيدية من باسيل باتجاه ميقاتي وحركة أمل وحزب الله.
وبعدما كان ميقاتي قد أعلن من بعبدا في الخامس من الجاري عزمه الدعوة إلى جلسة لإقرار الموازنة، تساءل باسيل قبل ساعات من صدور بيان الثنائي: “هل يجهل رئيس الحكومة أنّ وزير المال لن يسلّمه موازنة من دون قرار سياسي؟ ولماذا يربط دعوة مجلس الوزراء بشأن قضائي لا علاقه له به بل من شأن المعطّلين؟”، كما قال باسيل لـ “الجمهورية”. وذهب باسيل إلى حدّ التهديد بالذهاب نحو خيار تشكيل حكومة أخرى.
تشير المعلومات إلى عدم حصول أيّ تنسيق بين الثنائي ورئيس الجمهورية وباسيل في شأن البيان الذي سبقه صدور مواقف تصعيدية من باسيل باتجاه ميقاتي وحركة أمل وحزب الله
“الوضع المعيشي” الفضفاض
إنّ تضمين الثنائي الشيعي عبارة المشاركة في اجتماعات الحكومة “حول كلّ ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي والحياتي” يُوسّع بيكار الملفّات التي ستُدرَج على جدول أعمال الحكومة، ومنها مستحقّات آلاف من موظفي القطاع الخاصّ والعامّ والمتقاعدين والأجراء، والبطاقة التمويلية، وإطلاق المفاوضات مع صندوق النقد ربطاً بخطة التعافي، وملفّ استجرار الطاقة من مصر والأردن، وكلّ ما يرتبط بمواضيع معيشية ملحّة.
توضح أوساط الثنائي الشيعي: “أصلاً آليّة الموازنة لا تحتاج بالضرورة إلى مجلس الوزراء، بل تصدر بمرسوم عادي ولا مشكلة فيها، وهذا ما حدث خلال ولاية رئيس الحكومة السابق حسان دياب. أمّا خطة التعافي المالي فتحتاج إلى بحثٍ معمّق على طاولة مجلس الوزراء، واليوم نحن لسنا حجر عثرة أمام ذلك، ورفعنا تهمة التعطيل عنّا”.
وخلافاً لدعوة نصرالله أكثر من مرّة إلى عدم ربط الحلّ السياسي الداخلي بتطوّرات الإقليم، يقول مطّلعون لـ”أساس” إنّ “خطة التعافي المالي لا تحتاج فقط إلى توافق داخلي من أجل إقرارها، بل إنّ نجاحها مرهون بفكّ الحصار عن لبنان من باب تسوية كبيرة تسمح بضخّ الأموال والاستثمارات، وهذا الأمر مرتبط بتطوّر مفاوضات فيينا وكلّ ما يندرج تحتها من ملفّات إقليمية”.
اليمن… في لبنان
ويضيف هؤلاء: “طاولة ميقاتي ستنعقد ببركة ووهج طاولة فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني، وبالتزامن مع تقدّم التحالف العربي عسكرياً في مواجهة الحوثيين من مأرب إلى شبوة وصولاً إلى صنعاء”.
وتستذكر المصادر في هذا السياق “مرحلة عام 2005 حين جرى التوافق على اسم عبد الرحيم مراد رئيساً للحكومة بعد استقالة الرئيس عمر كرامي، ثمّ تمّت تسمية نجيب ميقاتي ببركة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي، في حكومة الرئيس أحمدي نجاد، الذي زار باريس وحصل يومها اتفاق فرنسي إيراني على تنصيب ميقاتي رئيساً للحكومة”.
وتذهب المصادر إلى حدّ التأكيد أنّ “ميقاتي حالياً لن يكون مرتاحاً لهذه العودة، إذ كان متحرّراً طوال الفترة الماضية من اجتماعات الحكومة برئاسة عون وإلحاح الأخير بشكل خاص على موضوع التعيينات”.
بالمقابل، تصرّ أوساط الثنائي الشيعي على أنّ “البيان المشترك لم يصدر على وقع إعلان لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني عن استعداد طهران والرياض لإعادة فتح سفارتيهما، أو بالتزامن مع التقدّم في الملفّ النووي في فيينا، وإلّا لكنّا ذهبنا نحو المشاركة الكاملة في اجتماعات مجلس الوزراء”.
إقرأ أيضاً: برّي يرفض “مصالحة انتخابية”: يجب كسر باسيل
وتؤكّد هذه الأوساط “عدم حصول أيّ صفقة أو مقايضة واكبت هذا الإعلان”.
وبتأكيد مطّلعين لا يحتاج انعقاد جلسات مجلس الوزراء تحت عنوان إقرار الموازنة وخطة التعافي الاقتصادي إلى كل هذا التمدّد في “التبريرات” ولا إلى تكبير حجر “الاعتراضات”، إذ أنّ الاشتباك السياسي بين التيار الوطني الحر وحركة أمل سيبقى على حاله من التصعيد حتى نهاية العهد.
وحده الرئيس ميقاتي يستطيع الإدعاء أنه ربح بالنقاط حكومة مقيّدة بجدول أعمال وضعه الثنائي الشيعي…