مات “خيّك عثمان”. هذا ما قاله البيارتة بعضهم للبعض الآخر أمس الأول، عندما علموا بوفاة النائب البيروتي الأسبق عثمان الدنا.
اكتسب ابن الدنا، القاضي، والنائب، والسياسي، والمتمرّد، لقب “خيّك عثمان” عن استحقاق وجدارة. إذ كان قاضياً بأحكامه، لكنّه أخٌ لكلّ البيارتة في يوميّاته.
7 وزارات دخلها، فكان وزيراً للّبنانيين، وممثّلاً للبيارتة، في الحقائب التي تولّاها. وكان المحتاج أو المريض أو طالب الحاجة عندما يحتار ينصحه جاره أو صديقه قائلاً: “لمَ لا تذهب إلى “خيّك عثمان”. عنده الحلّ، وتلبية الحاجة، وجبر الخاطر؟”.
100 عام أو ربّما أقلّ بسنوات بحسب بطاقة هويّته أو ما ينقله البعض عنه، لكنّ الثابت أنّ فترة زمنية طويلة كهذه كافية كي تُدخل الإنسان طيّ النسيان.
عثمان الدنا ابن المئة عام، يرحل تاركاً غصّة بيروتية لأنّ البيارتة ما زالوا كل يوم يبحثون عن رجل من طينة عثمان الدنا وطينة صائب سلام، وطينة تقي الدين الصلح، وطينة عبد الله اليافي، وحسين العويني
وحده عثمان الدنا الملقّب بين البيارتة بـ”خيّك عثمان” كسر هذه القاعدة ليبقى حاضراً متوهّجاً بآثاره وأخباره ونكاته. وأخيراً بالحزن على فراقه بين اللبنانيين عامة، والبيارتة تحديداً.
امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات الحزن والتقدير له مع انتشار خبر وفاته. ومن تناقلوا الخبر كثيرون منهم لم يعرفوا عثمان الدنا، ولم يلتقوا به في حياتهم، لكن تزدحم ذاكرتهم بأخباره، يتناقلونها من باب الترحّم على عزّ آفل، وعلى زمن جميل انتهى.
عثمان الدنا، زعيم خارج المألوف. صديق الزعماء التقليديين من صائب سلام إلى عبد الله اليافي، وإلى تقي الدين الصلح، وعند الضرورة خصمهم، ومنافسهم في الانتخابات.
قاضٍ كبير، ونائب نشيط، وبيروتي أصيل. شهابي من دون الارتهان للعسكر ومحكمتهم العسكرية. رجل دولة من دون أن يفقد شعبيّته. ميزان علاقاته مع الآخرين هو الوفاء. يخاصم على أساسه ويصادق بناء على تداعياته. فابتعد عبره عن قريبه الرئيس سليم الحص، واقترب تحت عنوانه من الرئيس رفيق الحريري.
اشتهر آل الدنا بأنّ املاكهم تحيط بالسراي الكبير منذ أيام الدولة العثمانية، كما توثّق سجلّات وملفّات المحكمة الشرعية السنّية في بيروت. لكنّ ابنهم عثمان “خيّ البيارتة”، لم تسنح له الفرصة لدخول السراي رئيساً للحكومة، على الرغم من تداول اسمه أكثر من مرّة، وتولّيه سبع حقائب وزارية لم تكن تكفي لأن يرأس الحكومة لمرّة واحدة.
إقرأ أيضاً: القيادة الذهب… الموقف يحتاج إلى رجال
عثمان الدنا ابن المئة عام، يرحل تاركاً غصّة كبيرة في حلق البيارتة، ليس لأنّه يموت في ريعان الشباب وقد عاش شبابه بكل تفاصيله، ولا في عمر الكهول وقد تجاوز بعمره سنّ الكهول. لكنّه يرحل تاركاً غصّة بيروتية لأنّ البيارتة ما زالوا كل يوم يبحثون عن رجل من طينة عثمان الدنا وطينة صائب سلام، وطينة تقي الدين الصلح، وطينة عبد الله اليافي، وحسين العويني.
“خيّي عثمان” في آخر الكلام، أُنقلْ سلامنا إلى صديقك الذي تحبّ الشهيد المفتي حسن خالد، وقل له إنّنا لم نبرح حتّى هذه اللحظة عمامته البيضاء، وإنّنا نفتقده كما سنفتقدك كثيراً كثيراً كثيراً.