لولار الـ8 آلاف: أدرينالين للمودعين.. وكارثة للبنانيين

مدة القراءة 6 د

من دون أيّ سابق إنذار أو إشارات، استبدل مصرف لبنان، بعد ظهر أمس الخميس، التعميم 151 بآخر حمل الرقم 601. هذا التعميم قضى برفع قيمة الدولار المصرفي (اللولار) من 3900 ليرة لبنانية، إلى 8000 ليرة، وذلك بسقف 3000 دولار لكلّ حساب مصرفي شهرياً.

للتعميم مضاعفات سلبية كثيرة ستضرب المجتمع اللبناني، لكن يمكن تقسيم الفئات التي ستتأثّر به إلى 3 مجموعات:

1- المودعون.

2- الموظفون الذين يحصلون على رواتبهم باللولار (دولار المصارف).

3- المواطنون العاديون الذين سيتحملون نتائج التضخّم، مودعين كانوا أو غير مودعين.

ويمكن اختصار الأمراض التي ستصيب السوق المالية بالنقاط التالية:

تؤكّد مصادر المصرف المركزي لـ”أساس” أنّ سقوف السحب بالليرة اللبنانية، التي يمنحها المركزي للمصارف: “لن تتغيّر على الإطلاق

أوّلاً: هذا التعميم سيُطلق موجة جديدة من السحوبات بالليرة، أوسع وبسقوف أعلى من قبل. إذ سيعمد جزء كبير من المودعين إلى سحب ودائعهم وفق السقف الذي حدّده التعميم. وتكشف مصادر مصرفية خاصة لـ”أساس” أنّ التعميم آثر ذكر سقف الـ3 آلاف دولار شهرياً من أجل استعجال أصحاب الحسابات الصغيرة كي يسحبوا ما أمكن من مستحقّاتهم، ربّما في سباق مع اقتراب صدور قانون الـ”كابيتال كونترول”.

ثانياً: هذا التعميم سيصبّ في مصلحة المصارف التي ستكون ممتنّة من خطوة التخلّص، قدر المستطاع، من الودائع الصغيرة. خصوصاً أنّ المودع سيتمكّن من خلال التعميم 601 من الحصول على 24 مليون ليرة لبنانية كلّ شهر. لكن لم يُعرف إن كان سيحصل عليها “كاش” كاملة أو وفق ما سيحدّده المصرف.

وهنا تؤكّد مصادر المصرف المركزي لـ”أساس” أنّ سقوف السحب بالليرة اللبنانية، التي يمنحها المركزي للمصارف: “لن تتغيّر على الإطلاق”. لأنّ المصرف المركزي شديد الحرص على “عدم زيادة الكتلة النقدية في السوق”. لكن تعترف المصادر بأنّ هذا التعميم “سيزيد من حجم هذه الكتلة”، وتكشف أنّ المركزي “يراهن على أن يحدث ذلك على مراحل وليس دفعة واحدة”.

ثالثاً: إن صدق كلام المصدر والتزمت المصارف بالسقوف المرسومة لها، فإنّ المودع سيحصل على جزء من سقف الـ3 آلاف دولار بالليرة اللبنانية “كاش”، فيما الجزء الآخر سيحصل عليه المودع بلاستيكياً، أي على شكل أموال إلكترونية تُدفَع بواسطة البطاقات الائتمانية فقط، وتكون مخصّصة لشراء السلع، ولا يمكن الحصول عليها نقداً.

رابعاً: الحصول على جزء كبير من هذه الأموال بواسطة البطاقات البلاستيكية سيكون بمنزلة فرصة أمام المتاجر الكبرى والسوبرماركت التي تعتمد البطاقات للدفع. هذه المحلّات ستستفيد من طفرة مالية مستجدّة، خصوصاً أنّ المودعين سيعمدون إلى شراء السلع من أجل التخلّص من الأموال العالقة داخل البنوك. وأمام هذا الواقع، سيرتفع الطلب على استهلاك السلع، ثمّ الطلب على استيرادها، ما دام أغلبها يأتي من الخارج. وهذا بدوره سيُترجَم ارتفاعاً في سعر صرف الدولار في “السوق الموازي” بسبب توجّه التجّار إلى السوق لشراء دولارات “فريش” من أجل الاستيراد.

خامساً: سيتسبّب هذا التعميم برفع سعر صرف الدولار في “السوق الموازي” بشكل كبير. وقد بدأنا نتلمّس هذه الزيادة فور صدور التعميم، إذ تخطّى سعر الصرف سقف 25 ألفاً، وبات قريباً جدّاً من عتبة 26 ألف ليرة للمرّة الأولى في تاريخه، خصوصاً أنّ التعميم سيساهم في حصول المودعين على كميّات أكثر من الليرة اللبنانية. وهذا سيدفع البعض إلى شراء الدولار النقدي من السوق بالليرات الإضافية التي سيحصلون عليها.

سيتسبّب هذا التعميم برفع سعر صرف الدولار في “السوق الموازي” بشكل كبير. وقد بدأنا نتلمّس هذه الزيادة فور صدور التعميم، إذ تخطّى سعر الصرف سقف 25 ألفاً

سادساً: وفق المعطيات السياسية الحالية المتمثّلة بتعثّر اجتماع الحكومة، وتأخّر الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والفشل في توزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، وهروب مصرف لبنان المحتمل من التدقيق الجنائي، فإنّ ارتفاع سعر الصرف قد يكون بلا سقف في الأشهر المقبلة، وقد يتعدّى سعر الصرف هذا الرقم مع الوقت، فيصل إلى ما كانت عليه النسبة بين سعر الدولار المصرفي ودولار “السوق الموازية” قبل صدور التعميم.

بمعنى آخر، يوم كان سعر الدولار المصرفي 3900 ليرة، كان سعر الصرف في السوق الموازية يمثّل 6 من أضعافه، أي قرابة 24000 ليرة. ولذلك سعر الصرف المحتمل من اليوم وحتى نهاية العام المقبل، خصوصاً إن لم تصل الحكومة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ولم تنجز مهمّة توزيع الخسائر، وإن استطاع مصرف لبنان التهرّب من عملية التدقيق الجنائي بنجاح، قد يصل إلى 6 أضعاف الرقم الجديد، وهو 8 آلاف ليرة، قد يصل إلى 48 ألف ليرة، وربما 50 ألف ليرة.

سابعاً: يوحي التعميم بأنّه يحافظ على ودائع اللبنانيين في المصارف، لأنّه ظاهرياً يشير إلى أنّه سيحفّزهم على تحويل دولاراتهم إلى الليرة اللبنانية بشكل أقلّ، خصوصاً إن كان التحويل لغايات غذائية واستهلاكية وليس للتهافت على الصرّافين. لكنّ الواقع سيكون مخالفاً، إذ إنّ ارتفاع سعر صرف الدولار سيُطلق العنان لموجة تضخّم جديدة قد تلزم أصحاب الودائع بتحويل المزيد من الدولارات إلى الليرة اللبنانية، ذلك لأنّ القدرة الشرائية لِما كانت تمثّله قيمة 1000 لولار مثلاً (3.9 ملايين ليرة)، لن تكون هي نفسها على سعر 500 لولار بعد الآن.

ثامناً: وفرة هذا الكمّ من الأوراق النقدية بين أيدي الناس ستفرض على مصرف لبنان مستقبلاً طباعة أوراق نقدية جديدة من فئة 500 ألف أو ربّما 1 مليون ليرة، وعلى الأرجح سحب الفئات الصغيرة مثل الـ1000 و500 و250 ليرة لبنانية من التداول، لأنّ كلفة طباعتها باتت أكبر ممّا تمثّله من قيمة، فنكون بذلك قد دشّنّا رسميّاً بداية “النموذج الفنزويلي”.

تاسعاً: سيستفيد من هذا التعميم بعض أرباب العمل الذين يدفعون لموظّفيهم رواتبهم بالدولار المصرفي، لأنّهم بموجب التعميم الجديد سيدفعون نصف ما كانوا يدفعونه للموظّفين في السابق، خصوصاً إن كان الاتفاق بين الطرفين يقضي بتلقّي ما يوازي تلك الرواتب بالليرة اللبنانية. أمّا البعض الآخر من أرباب العمل الذين يدفعون باللولار، فسيستمرّون بالدفع لموظّفيهم القيمة نفسها، وسيستفيد هؤلاء الموظفون من زيادة رواتبهم إلى الضعف، لكنّ هذه الاستفادة ستعود لتتآكل مع ارتفاع سعر الصرف وزيادة منسوب التضخّم المحتّم، كما أسلفنا الذكر.

عاشراً: جاء هذا التعميم في لحظة توافق سياسي، وقبل الانتخابات النيابية وإقرار قانون الـ”كابيتال كونترول” الذي طال انتظاره ما يزيد على سنتين. وقد ظهر هذا التوافق جليّاً في لقاء حاكم مصرف لبنان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي انعقد قبل صدور التعميم أمس، وأظهر أولويّة حصول صغار المودعين على أموالهم قبل قانون الـ”كابيتال كونترول”. خصوصاً أنّ التعميم 151 تنتهي صلاحيته في نهاية كانون الثاني المقبل.

إقرأ أيضاً: لماذا أسقط صندوق النقد مسوّدة الكابيتال كونترول؟

في المحصّلة، يمكن القول بكل ثقة إنّ هذا التعميم يشذّ عن المسار الفعليّ لأيّ خطة إصلاحية، ويزيد من منسوب الريبة في النفوس لناحية توقيته المفاجىء وتقاطعه مع قرب الإعداد للانتخابات النيابية. سيقبض المودعون المزيد من الليرات، لكن سيدفع الثمن جميع اللبنانيين.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…