يبدو أنّ صندوق النقد الدولي لا يعتبر حزب الله منظمة إرهابية، كما تفعل معظم الدول التي تموّل هذا الصندوق وتديره وتشرف على سياساته المالية وعلى توجهاته السياسية.
فقد علم “أساس” أنّ وفداً من الصندوق “ذهب إلى النبع مباشرةً”، وبدل أن يلتقي بوفد عن حكومة لبنان، التقى مع ممثّل عن “حزب الله”، افتراضياً عبر تطبيق “زوم” لساعة ونصف الساعة، في سابقة تاريخية أرسى من خلالها الصندوق عُرف الجلوس مع ميليشيا بدلاً من الحكومة.
اعتبرت المصادر أنّ الحكومة “لم تكن جدّيّة في تعاطيها مع سريزولا”، فلو كانت كذلك فعلاً لتمسّكت ببقائه على قاعدة “يلي بتعرفه أفضل من يلي بتجهله”، فتجاهلت طلب التجديد له نزولاً عند رغبة مصرف لبنان وجمعية المصارف
وقالت المصادر إنّ الاجتماع انعقد “بطلب من مرجع حكومي رفيع يعلم جيّداً أنّ البلد وقراراته باتت ممسوكة من حزب الله”، الذي أصبح الآمر والناهي في الملفّات كلّها، ولهذا طالب بعقد هذا اللقاء الذي تمّ خلال شهر أيلول الفائت بين ممثّل الحزب الدكتور عبد الحليم فضل الله وبين رئيس وفد صندوق النقد الدولي مارتن سريزولا (الأرجنتيني)، الذي انتهت ولايته ويُنتظر أن يترك الملفّ اللبناني مع نهاية السنة الحالية لشخصيّة أخرى لم يُكشف عن اسمها بعد”.
وكشفت المصادر نفسها أنّ الحكومة لم تتقدّم إلى الصندوق بطلب التمديد لسريزولا، الذي “يحمل في صدره الكثير من الحبّ للبنان واللبنانيين” ويتوق إلى التوصّل سريعاً إلى وضع برنامج مع الصندوق يُعفي لبنان من تبعات أعمق نتيجة الأزمة، وذلك بخلاف السلطة السياسية اللبنانية. وهي سابقة أخرى لناحية اهتمام صندوق النقد الدولي، الذي يُتّهم غالباً بـ”إفقار الشعوب والتآمر ضدّهم”، بمصير شعبٍ أكثر ممّا تفعل سلطته السياسية.
واعتبرت المصادر أنّ الحكومة “لم تكن جدّيّة في تعاطيها مع سريزولا”، فلو كانت كذلك فعلاً لتمسّكت ببقائه على قاعدة “يلي بتعرفه أفضل من يلي بتجهله”، فتجاهلت طلب التجديد له نزولاً عند رغبة مصرف لبنان وجمعية المصارف اللذين “يحاولان، بمساعدة من الحكومة ورئيسها، السير بالخطة التي رسمتها المصارف ويرفضها سريزولا”، وترمي إلى لولرة الودائع (تحويلها إلى الليرة اللبنانية) من أجل الحفاظ على مجموعة صغيرة من المصارف، فيما ستُترك بقيّة المصارف لتواجه مصيرها.
خمس نقاط خلافية
الاجتماع بين “حزب الله” والصندوق عبر تطبيق “زوم” “كان عميقاً جدّاً”، لكنّه “لم يخرج بنتائج إيجابية”، لأنّ “حزب الله” بدا متمسّكاً بعدد من النقاط التي يعتبرها الصندوق “جوهريّة” من أجل الوصول إلى الاتفاق ثمّ برنامج مساعدة لبنان، بحسب المصادر.
أمّا النقاط التي يرفضها “حزب الله”، فهي خمس:
1- “ضبط الحدود بين لبنان وسوريا، ونقاط الجمارك المتفلّتة، وذلك من أجل قطع خطوط التهريب”. هذا الشرط يعتبره الصندوق أساسياً لضبط مزاريب الهدر في الدولة، باعتبار أنّه لا يمكن إقراض الدولة اللبنانية الأموال وترك المزاريب مفتوحة، فتتسلّل الدولارات عبرها إلى الخارج.
2- “زيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA)”: يرفضها “حزب الله” ويعتبرها مؤذية لبيئته الحاضنة.
3- “توحيد سعر الصرف”: يُعتبر مادّة خلافية عميقة جدّاً بين جميع أطراف السلطة المالية والنقدية، لأنّه سيؤثّر على تحديد الخسائر وتوزيعها.
الملفّات السياسية باتت تتحكّم بملفّ المفاوضات مع الصندوق”، خصوصاً ملفّ ترسيم الحدود البحرية، وربّما لاحقاً الحدود البرية، وصولاً إلى خيار مبادلة هذه الورقة بتسمية حاكم جديد لمصرف لبنان من خارج سياق الأسماء المتداولة
4- “إخضاع المكتومين”: أو ما يُعرف بالـ informal sectorالذي يضمّ شركات ومؤسسات خاصّة تتهرّب من الضرائب. وهي أكثر من نصف الشركات العاملة في لبنان، بحسب ما تكشف المصادر، التي تشير أيضاً إلى أنّ نسبة عالية من هذه الشركات محسوبة سياسياً على ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، ولهذا يرفض الحزب إخضاعها. أمّا الصندوق فيعتبر أنّ عدم تنظيم حسابات هذه الشركات وعدم إخضاعها لحسابات وزارة المال من خلال تكليفها بالضرائب، سيكونان عائقاً كبيراً أمام بناء اقتصاد سليم ومعافى.
5- “ترشيق القطاع العامّ”: يبلغ عدد الموظفين فيه قرابة 300 ألف، وقد يكون المطلوب صرف ثلثه (100 ألف موظف) بخلاف الشائعات التي تقول إنّ الصندوق لم يخُض في هذا البند ولم يتطرّق إليه، والتي ترفضها المصادر رفضاً قاطعاً، وتؤكّد أنّ الصندوق “يضعه ضمن الأولويّات التي تحتاج إلى معالجة جدّيّة”.
كيف تصرّفت الحكومة؟
المفارقة كانت في ردّ الحكومة على هذا كلّه من خلال الحديث عن دفع بدل نقل وسلفة رواتب للقطاع العامّ بواسطة ما يُسمى “الدولار الجمركي”، الذي سيؤدّي إقراره، في ظلّ التفلّت في المنافذ البرية والبحرية والجوية اللبنانية، إلى خلق فرصة ذهبية جديدة للمهرّبين عبر الحدود.
وقد اعتبرت المصادر أنّ هذا “التخبيص” كلّه، يدخل “ضمن الرهان الذي يضعه الرئيس ميقاتي على عامل الوقت، وآماله المعقودة على تقدّم ملفّ المفاوضات الأميركية – الإيرانية، وحصول ما يمكن تسميته Package Deal كاملة، ربّما يكون الملفّ اللبناني من ضمنها، خصوصاً أنّ جدولة البرنامج المنبثق عن صندوق النقد الدولي قد يتّخذ الكثير من الوقت، وربّما يطول إلى ما بين سنة وسنتين”.
وأضافت أنّ “الملفّات السياسية باتت تتحكّم بملفّ المفاوضات مع الصندوق”، خصوصاً ملفّ ترسيم الحدود البحرية، وربّما لاحقاً الحدود البرية، وصولاً إلى خيار مبادلة هذه الورقة بتسمية حاكم جديد لمصرف لبنان من خارج سياق الأسماء المتداولة. وذلك بدلاً من رياض سلامة الذي يدور الحديث حول احتمال استقالته نهاية العام (يرحل مع أسراره بضمانات) نتيجة الضغوط التي تُمارَس عليه من الخارج عن طريق الدعاوى القضائية التي تلاحقه أوروبيّاً، بمعزل عن صحّة ما فيها أو عدمها.
إقرأ أيضاً: شرط البنك الدوليّ: زيادة تعرفة الكهرباء 13 مرّة
وعلم “أساس” أنّ المباحثات بين الحكومة والصندوق وصلت إلى حائط مسدود بعد فشل الحكومة في إنجاز ما هو مطلوب منها لناحية تحديد الخسائر والسير قدماً في مجال التدقيق الجنائي بحسابات المصرف المركزي، الذي تتواتر التسريبات عن قرب اعتذار شركة “ألفاريز أند مارسل” عن عدم استكمال عملها فيه والانسحاب.
وفي تكرار للأخطاء التي وقعت بها حكومة حسان دياب، لا يبدو أنّ النقاشات الدائرة بين حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وبين صندوق النقد الدولي تسير على ما يرام، على الرغم من الضوضاء والصخب اللذين تثيرهما حول هذا الأمر، وكان آخرهما التصريح الذي كشف فيه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي من بعبدا يوم الخميس الفائت أنّ “المباحثات التقنية انتهت، ودخلنا مرحلة المفاوضات على السياسات النقدية والاقتصادية”.