تقصّد أركان الترويكا الرئاسية، أي رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أن يتوجّهوا معاً إلى قصر بعبدا في سيارة الرئاسة الأولى، في خطوة أُريد منها الإيحاء بأنّ المسعى، الذي يقوده رئيس الحكومة لإعادة إحياء مجلس الوزراء، موضوعٌ على السكّة الصحيحة، ويُتوقّع أن يصل خلال أيام إلى محطته النهائية بسلام بعد إتمام كلّ شروط التفاهم الذي يجمع بين أكثر من قضية: التحقيقات في انفجار المرفأ، استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي والانتخابات النيابية.
يكفي أن يقفل باب تسجيل غير المقيمين الراغبين في المشاركة في الاستحقاق النيابي على رقم لم يكن في الحسبان، أي حوالي ربع مليون لبناني، لكي يتأكّد الجالسون على كراسي السلطة أنّ الحملة الدعائية – السياسية التي تولّتها أكثر من جهة داخلية وخارجية، لتشجيع المنتشرين على تسجيل أسمائهم وحجز مكان لصوتهم في صناديق الاقتراع، فعلت فعلها، وقد تتكرّر هي نفسها لتصنع موجة اعتراضية يوم الاستحقاق الكبير من شأنها أن تغيّر المعادلة الداخلية وتقلبها رأساً على عقب.
يقول المطّلعون على موقف ميقاتي إنّ مشوار الحلحلة لا يزال محصّناً بالإيجابية التي يبديها الأطراف المعنيّون ممن باتوا على قناعة بضرورة التفاهم للخروج من حالة المراوحة القاتلة
لهذا صار مصير الانتخابات النيابية بنداً أساسيّاً على جدول أعمال الاتصالات العابرة للمقارّ الرئاسية وغير الرئاسية، بعد ارتفاع منسوب القلق لدى بعض قوى السلطة من إمكانية أن تأتي الصناديق بغير ما تشتهيه سفنها، الأمر الذي يزيد من فرص تأجيل الانتخابات، ولو لبضعة أشهر، على أمل أن تكون قد انقشعت الغيوم الإقليمية وتحسّنت الرؤية، وباتت المواجهة أمام صناديق الاقتراع أقلّ خطورة وصعوبة.
في هذه الأثناء، يفترض أن يغادر رئيس الحكومة إلى الفاتيكان لإجراء سلسلة لقاءات، أهمّها مع البابا فرنسيس، وفي بال ميقاتي أنّ الفاتيكان قادرة على ممارسة “مونتها” على دول الخليج، وفي طليعتها السعودية، للتخفيف من حدّة ضغطها تحت عنوان “حماية ما تبقّى من المسيحيين في لبنان”، نظراً إلى الأعداد الضخمة من المسيحيين التي غادرت تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المستفحلة، بعدما أودع كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اللبنانيين جرعة مواقف تفاؤلية تتعلّق بإمكانية عودة جلسات مجلس الوزراء قريباً.
ولهذا يقول المطّلعون على موقف ميقاتي إنّ مشوار الحلحلة لا يزال محصّناً بالإيجابية التي يبديها الأطراف المعنيّون ممن باتوا على قناعة بضرورة التفاهم للخروج من حالة المراوحة القاتلة، ولو أنّ هذا التفاهم يحتاج إلى وقت ومجهود لكي تُفكَّك عقده الواحدة تلو الأخرى. وبناء عليه، من غير المتوقّع أن تشهد الساحة الداخلية أيّ تطور بارز إلى ما بعد عودة ميقاتي من الفاتيكان. بل من المتوقّع بروز بعض التطوّرات الإيجابية.
لكن على مقلب الوزراء الشيعة، لا تزال الأمور، وفق منظور أحدهم، تراوح مكانها. لا تقدّم فعليّاً، بحسب تقديره، ذلك لأنّ أيّ معالجة يجب أن تبدأ من الأزمة القضائية بعد انقسام العدلية طائفياً على نحو غير مسبوق في تاريخ السلطة القضائية، وليس بسبب أداء المحقّق العدلي طارق البيطار وحسب، وإنّما بسبب المظلّة القضائية التي يوفّرها له “رأس” السلطة القضائية، وهو ما جعل العدليّة “عدليّتيْن” بسبب الفرز المذهبي بين القضاة.
وعليه، يقول أحد الوزراء الشيعة إنّ هذه الحالة الانقسامية، التي تنذر بالأسوأ، تستدعي من السلطة السياسية، وتحديداً التنفيذية، التحرّك سريعاً للتصدّي لهذا الوضع الخطير من باب المسؤولية الوطنية، ولِما عليها من واجب ممارسة صلاحيّتها في هذا الشأن.
وما لم يقُله الوزير، يظهر بين السطور: سهيل عبود، رئيس مجلس القضاء الأعلى، هو العلّة التي حوّلت السلطة القضائية إلى “كانتونات” طائفية. ولا بدّ للحكومة من أن تقوم بواجبها لكي تتصدّى لهذا الواقع الخطير وتصحّح الخلل الحاصل.
إقرأ أيضاً: مصير الحكومة بيد “الريّس عبّود”!!
وينفي الوزير أن يكون قد جرى نقاشٌ حول سلّة تعيينات متكاملة في القضاء لفتح ثغرة في جدار الأزمة، مشيراً إلى أنّ بقية القضاة المعنيّين بهذه التسريبات، أي مدّعي عام التمييز، أو المدّعي العام المالي، أو رئيس التفتيش القضائي، أو غيرهم من القضاة، غير مسؤولين عن الوضع الانقسامي الذي تشهده أروقة قصر العدل. ولذلك لا يجوز إقحامهم في أيّ قرار يُفترض أن تتّخذه الحكومة لانطلاق الحلّ الذي لا يزال بنظره معلّقاً على حبل إقدام الحكومة على قرار لا بدّ منه لتطويق الاصطفاف المذهبي في قصر العدل.