باقٍ نجيب ميقاتي في السراي الحكومي ما دامت واشنطن وباريس تريدان ذلك. وحين تقرّران غير ذلك سيسارع الرجل إلى توضيب حقائب العودة إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين للانضمام إلى قافلة المعترضين على سياسة “حزب الله”. ولكن حتى تحين تلك الساعة، فلن يضرّه السير عكس رغبة المملكة العربية السعودية التي وضعت حكومته على اللائحة السوداء في سياق حملة ضغوطات تصاعدية المنحى، فرضت على الإدارة الأميركية أن تخرج بموقف واضح داعم للحكومة اللبنانية خشية سقوطها بضربة الحصار الخليجي، فتجرّ الداخل اللبناني إلى مزيد من الفوضى والانهيارات الماليّة والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما لا تريده واشنطن.
ولكنّ الحصانة الأميركية لن تمنح الحكومة بطاقة التّأهّل للجلوس إلى طاولة مجلس الوزراء المعطّل بقرار من الثنائي الشيعي الرافض للعودة إلى “بيت الطاعة” الحكومي قبل أن تُنقّي السلطة القضائية التحقيقات في ملفّ انفجار المرفأ من شوائبها وتصحّح مسارها.
يبدو أنّ ميقاتي متحمّس لمشروع الخبيرة المصرفيّة كارول عياط القائم على أساس بناء معامل للكهرباء مموّلة من الاحتياط الإلزامي
وبالانتظار، خصوصاً أنّ هذه المرحلة الانتظاريّة قد تطول إذا ما رُبِط مصير الحكومة بملفّات المنطقة وتعقيداتها، يحاول ميقاتي أن يعوّض غياب جلسات مجلس الوزراء من خلال العمل على مسارين أساسيّين: الملفّ المالي- الاقتصادي لإعداد أرضيّة المفاوضات مع صندوق النقد، وقطاع الكهرباء، فيما يتبيّن من حركة الوزراء أنّ هؤلاء يعملون وفق توصيات من ميقاتي، وبغطاء من رئيس الجمهورية ميشال عون، وكأنّ الحكومة كاملة الدسم السياسي وغير معطّلة. ولذا تفعل الموافقات الاستثنائية فعلها في تعويض قرارات مجلس الوزراء.
وفي قطاع الطاقة، يبدو أنّ ميقاتي متحمّس لمشروع الخبيرة المصرفيّة كارول عياط القائم على أساس بناء معامل للكهرباء مموّلة من الاحتياط الإلزامي، على أن يكتتب اللبنانيون عبر أسهم فيها من خلال ودائعهم العالقة في المصارف. وقد تقدّم النائب طوني فرنجية باقتراح قانون يعبّر عن هذا الطرح بعدما أوضح أنّه بدأ العمل عليه منذ تموز الماضي. فهل يتمتّع الاقتراح بقابليّة للحياة وللتنفيذ؟
بدايةً لا بدّ من الإشارة إلى أنّ غياب التمويل هو العقبة الأساس أمام معالجة قطاع الكهرباء الذي كبّد الخزينة أكثر من ثلث الدين العامّ، وهذا الغياب مرتبط بشكل مباشر بالفساد الذي يحول دون حماسة أيّ من الشركات العالمية أو الصناديق الاستثمارية للانخراط في هذا المجال لعدم وجود ضمانات رقابية تُقنع المستثمرين بجدوى التوظيف وبسلامته. وتأتي تحت بند الفساد مسألة التعرفة التي توصف من جانب وزراء الطاقة المتعاقبين بأنّها كانت بمنزلة دعم للمستهلكين، وهذه التعرفة لا تشجّع المستثمرين على دخول هذه السوق. ولا بدّ من رفعها عاجلاً أم آجلاً. ولكن ضمن أيّ ظروف؟
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ غياب التمويل هو العقبة الأساس أمام معالجة قطاع الكهرباء الذي كبّد الخزينة أكثر من ثلث الدين العامّ، وهذا الغياب مرتبط بشكل مباشر بالفساد
وفي هذا السياق، تقول الخبيرة القانونية المحامية كريستينا أبي حيدر إنّ “الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ، أو الخصخصة، يفترض أن تكون مبنيّة على أسس ثابتة وواضحة وقويّة، وإلا فسيكون مشروع الشراكة أو الخصخصة تدميرياً، وسيأخذنا إلى مطارح أكثر سوءاً من الوضع الحالي. وثمّة تجارب دولية كثيرة من شأنها أن تكون إنذاراً أو نموذجاً يحتذى به”. وتؤكّد أنّ “النظام الرقابي أهمّ ركيزة في هذه الأسس، فهو يلعب دوراً حقيقياً تحكمه القوانين لا مصالح القوى السياسية وتنفيعاتها. ولا يفتقر لبنان إلى التشريعات الإصلاحية في هذا المجال، فما أكثرها، لكنّه يفتقر إلى نيّة الاحتكام إلى هذه القوانين”.
وتنتقل أبي حيدر إلى الاقتراح السابق ذكره، فتشير إلى أنّ “القطاع الخاص يرفض المشاركة في قطاع الكهرباء، وهذه هي العقبة الأساس أمام تنفيذ المشروع. وفي المقابل، من غير المقبول أن تخاطر الحكومة بما تبقّى من أموال المودعين في مشروع قد يكون تجربة فشل جديدة تشرف عليه الدولة”. وتضيف أنّ “الاستثمارات الضخمة تحتاج إلى بيئة سليمة من الاستقرار السياسي والماليّ والأمني، وهي مفقودة في الوقت الراهن”.
وتلفت إلى أنّ “المشروع يرتكز في تمويله على الاحتياط الإلزامي”، سائلةً: “ألا يزال يوجد احتياط إلزامي؟ ولماذا لا يخرج حاكم مصرف لبنان أمام اللبنانيين ويطلعهم على حقيقة وضعهم النقدي والمالي؟”. وتؤكّد أنّ “من حقّ الناس أن يعرفوا ماذا حلّ بالودائع المصرفية قبل إقناعهم بالاستثمار في مشاريع تفتقر إلى كلّ أنواع القواعد الرقابية الصارمة”. وتشدّد أبي حيدر على أنّ “تطبيق القوانين القائمة أصلاً سيفسح المجال أمام تدفّق الأموال من الصناديق الاستثمارية أو الشركات العالمية أو المحليّة، من دون الحاجة إلى استخدام الاحتياط الإلزامي والودائع المصرفية”.
إقرأ أيضاً: “حكومة قرداحي”: إنجازات من ورق!
وتشير إلى أنّ “غياب التمويل وفقدان العملة الصعبة يحولان دون معالجة القطاع وشراء الفيول، ولهذا تلجأ الحكومة إلى البنك الدولي لشراء الغاز المصري والكهرباء الأردنية”، مؤكّدة أنّ “للبنك الدولي رزمة شروط إصلاحيّة، أبرزها تصحيح التعرفة ووقف الهدر قدر الإمكان ووقف التعدّيات على الشبكة وتعيين الهيئة الناظمة. أي تطبيق القانون الذي هو النقطة الأساس في أيّ مشروع إصلاحي للقطاع. أمّا غير ذلك فهو بيع أوهام للّبنانيين”.