إستقالة ميقاتي: رفع الغطاء عن الحزب!

مدة القراءة 5 د

فكّرتُ كثيراً وسألت عندما استمعتُ إلى بيان المجلس الشرعيّ يوم السبت في 6/11/2021. فقد تضمّن البيان نقطتين أساسيّتين:

– الإدانة الشديدة لوزير الإعلام جورج قرداحي، وإظهار التأييد للموقف السعودي والخليجي باعتباره تعبيراً عن الهويّة والانتماء العربيَّيْن بحسب الدستور اللبناني، والامتنان للمملكة ودول الخليج التي كانت دائماً مع لبنان.

– ودعم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولوم أولئك الذين يعرقلون “خططه” في إنقاذ لبنان.

استقالة ميقاتي ليست من مصلحة الحزب، لأنّه يفقد بالاستقالة ورقةً بيده: فمَن الذي يقدّر أخيراً أنّ بقاء ميقاتي فيه مصلحة له، والحاضر لدفع الثمن؟ بالتأكيد ليس رئيس الجمهورية ولا صهره

الواقع أنّ الرئيس ميقاتي لا يمتلك خططاً، وما شكَّل حكومةً يمكنها أن تساعده في وضع خِططٍ أو إنفاذها. فقد تبيّن أنّ وزراء حكومته هم “من كلّ وادٍ عصا” كما يقال، وهو لا يمونُ على أيٍّ منهم لأنّ لهم أسياداً غيره. وقد ذكر سابقاً مسألتين:

1- أنّه (مثلما طالب نصرالله من زمان) يريد حكومة تكنو- سياسية، فإذا بحكومته تخلو من الخبرة والسياسة، وأوّل ما تخلو منه الأمران الضروريّان في كلّ حكومة تستحقّ هذا الاسم: الاحتراف والتماسك.

2- أمّا المسألة الثانية التي أكّدها لعديدين، ومنهم أنا: “لا تسألوا عن الوزراء، بل اسألوني أنا”. وقد سأله الجميع فما وجدوا لديه إجابةً عن أيٍّ من المشكلات التي قال إنّ حكومته تعتزم التصدّي لها. وقد استعان الرجل بالفرنسيّين والأميركيّين من دون أن تكون هناك أصداء إيجابيّة لِما يمكنهم فعله من أجل تحرير حكومته من إسار الحزب، ولا امتلكوا نصيحةً تتضمّن ما يمكن فعله لإعادة التواصل مع المملكة ودول الخليج الأُخرى.

وهكذا في كلّ يومٍ يزداد الرجل ضعفاً، وتزداد حكومته تفكّكاً، وتتوارى تحت صخور الأزمات، بحيث يُشيع هو عن نفسه أنّه معتكفٌ، لكنّه يحاذر الحديث عن الاستقالة. ففي أيّ تحليل تذهب دار الفتوى إلى دعم “خططه” غير الموجودة، وخطواته المترنّحة؟! هم يدعمونه إذن عصبيةً لسنّيّته، لا أكثر ولا أقلّ، ولا يملكون أملاً ولا معلومات عن قُرب تحرير الحكومة، بل ورئيسها، من إساره.

 

 لماذا يريد الرئيس ميقاتي إذن البقاء في منصبه؟

لقد حصل هذا الأمر معه من قبل عام 2011، ووقتها كان موقف دار الفتوى أنّ عليه الاستقالة، لكنّه بقي في المنصب لثلاث سنوات تحت حماية الحزب المسلَّح ودعمه. والذي أراه أنّه في الموقع نفسه الآن بدعم دار الفتوى وبدون دعمها!

يقول الحزب إنّه ضدّ اجتماع الحكومة حتى يُزال المحقّق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وإنّه مع الوزير “المتحوِّث” جورج قرداحي وضدّ استقالته. وقد تظلّم ميقاتي من الأمرين، لكنّه ما تمرّد ولا نفر، وسيبقى على هذا الحال إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، أو يشير له زعيم الحزب المسلّح بإصبعه إلى وجهة السير.

إنّ الطريف أنّ الدكتور سمير جعجع والوزير مروان حماده (مثل المفتي) اعتبرا موقفه موقف “صمودٍ ومقاومة”، بينما هو يعلم مثلهم جميعاً أنّ زمن الصمود انتهى من زمان منذ العام 2008، وأنّ حزب السلاح يريده أن يبقى رهينةً ومكسر عصا لكي يتمكّن من إجراء مبادلات على رأسه الشامخ فيظهر الحزب بمظهر المنتصر على البيطار وميشال عون وجعجع. و”النجيب” في يده في الحالتين: حالة التحرير المشروط، وحالة الارتهان الأبديّ! لأنّ الرجل في السراي لا يمتلك ظهراً غير الحزب في كلّ الأحوال كما كان شأنه عام 2011، على الرغم من كلام الفرنسيين وبسمات الأميركيين.

واستناداً إلى هذا الواقع، وليس التحليل، فإنّ استقالة ميقاتي هي التي تفوّت على الحزب أغراضه ومبادلاته، لأنّه بالاستقالة لا يعود ابتزازه ولا ارتهانه ممكنيْن. إذ مَن الذي سيُجري صفقةً مع الحزب من أجل الإبقاء على ميقاتي؟

الحزب هو الذي جاء به، وهو الذي يقرّر متى يدفعه في أيّ اتّجاهٍ يريده. هل يشتري الفرنسيون “حريّة” ميقاتي مقابل البيطار؟ هم لا يريدون ذلك ولا يستطيعونه. أمّا الأميركيون فإنّهم بالتأكيد لا يقبلون صفقةً مع الحزب الآن أو في المستقبل القريب. ثمّ إنّه ما كان لميقاتي ظهر عربيّ ولن يكون لكي يُقال إنّ العرب يمكن أن يفتدوه. ومع أنّ الخليجيّين غير مهتمّين، لكنّهم ربّما اعتبروا أنّ ذهاب ميقاتي (بسبب ظلال الحزب والأسد من فوقه) أفضل لهم وللبنان الذي يعاني من الاحتلال.

استقالة ميقاتي ليست من مصلحة الحزب، لأنّه يفقد بالاستقالة ورقةً بيده: فمَن الذي يقدّر أخيراً أنّ بقاء ميقاتي فيه مصلحة له، والحاضر لدفع الثمن؟ بالتأكيد ليس رئيس الجمهورية ولا صهره.

إذن لن يجد الحزب مَن يُجري صفقةً معه مقابل تحرير رئيس الحكومة. ثمّ إنه لو جرت صفقة المبادلات لكان ذلك عاراً وشناراً على رئيس الحكومة التابع. وهو لا يحبّ أو قد لا يتحمّل ذلك.  

إنّ المصلحة الوطنية والإسلامية تكمن في استقالة الميقاتي اليوم وليس غداً. وهو لن يفعل ذلك، لأنّه ما جاء إلى هذا المنصب ليغادره.

إستقِل يا دولة الرئيس لتفويت مصالح الحزب ورهاناته. واجعلنا، نحن الذين لا نصدّق أنّك ستفعل، مخطئين.

إستقِل ودع المسلَّحين مكشوفين أمام اللبنانيين والعرب والعالم.

إستقِل وارفع الغطاء عن حزب السلاح.

إقرأ أيضاً: ميقاتي: استقِل.. وأوقفِ التذلّل لفرنسا والحزب

إستقالتك ستكون صعبةً عليك جدّاً، لأنّك ما اعتدتَ على مغادرة منصبٍ إلّا بالقوّة. لكنّ الأمر كما قال أبو الطيّب:

وإذا كانت النفوس كباراً   

تعبت في مُرادها الأجسامُ

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….