أطلق “التيار الوطني الحر” صفّارة السباق الداخلي للانتخابات النيابية. الشغل على الأرض “ماشي”، وبعض المرشّحين الذين يضمنون تأهّلهم للمرحلة النهائية، ولو أنّهم ليسوا من خانة النواب المقبولين شعبيّاً، يركّزون منذ مدّة كلّ اهتماماتهم على اللقاءات مع القواعد الحزبية.
الوزيرة السابقة ندى البستاني نموذج لهؤلاء المرشّحين، فهي تقضي معظم وقتها في جلسات مع عونيين، وقد سبقت الكثير من المرشّحين في هذا المشوار، خصوصاً أولئك من غير النوّاب أو ممّن سبق لهم أن خاضوا هذه التجربة. والأرجح أنّها تقوم بذلك لتعوّض ما ينقصها من حضور مقارنةً ببقيّة المنافسين لها من اللون البرتقالي. طبعاً، هي لن تقوم بهذا المجهود لولا ضوء أخضر فاقع من رئيس “التيار” لتكون جاهزة لخوض اختبار الغربال الداخليّ. وها هي تحلّق وحيدة في سماء “استطلاع” المرحلة الأولى كمرشحة عن دائرة كسروان بعدما امتنع الآخرون عن خوض هذا السباق لعدم اقتناعهم بجدواه، وفي طليعتهم النائب روجيه عازار.
أطلق “التيار الوطني الحر” صفّارة السباق الداخلي للانتخابات النيابية. الشغل على الأرض “ماشي”، وبعض المرشّحين الذين يضمنون تأهّلهم للمرحلة النهائية، ولو أنّهم ليسوا من خانة النواب المقبولين شعبيّاً، يركّزون منذ مدّة كلّ اهتماماتهم على اللقاءات مع القواعد الحزبية
لقد وجّه رئيس “التيار” جبران باسيل، أمس، تعميماً داخلياً يحدِّد فيه آليّة اختيار المرشّحين الحزبيين، وتقوم على أساس ثلاث مراحل:
– الأولى تتمّ عبر استطلاع رأي المنتسبين والمنتسبات المسجّلين على القوائم الانتخابية للتيار.
– الثانية تتمّ عبر استطلاع رأي القاعدة العريضة للتيار من ملتزمين ومؤيّدين ومناصرين.
– أمّا الثالثة والأخيرة الحاسمة فتقضي باختيار المرشّحين والمرشّحات وفقاً للتحالفات ولاستطلاعات الرأي العامّ، وبقرار من الرئيس بعد التشاور مع المعنيّين في التيار.
في المبدأ، انطلق السباق صباح الاثنين الماضي، وانتهت مهلة تقديم طلبات الترشّح يوم الأربعاء الماضي أيضاً، وتنتهي مهلة سحب الترشّح يوم الخميس 24 تشرين الثاني، فكان أمام كلّ طامح مهلة ثلاثة أيام لتقديم الأوراق اللازمة ودفع ما ينبغي من تكاليف ماليّة تغطّي المرحلة الأولى. اللافت وفق التعميم أنّه يمكن “للرئيس خلال فترة سحب التراشيح أن يُدرج أسماء مرشّحين ومرشّحات لم يتقدّموا بطلبات ترشّح لأسباب اضطراريّة”. وهي أولى “أفخاخ” النظام الرئاسي الذي يحكم “التيار”، والذي يعطي رئيسه ما لا يعطى لغيره. حتى في حالات اعتماد آليّات علمية يُفترض أنّها ديموقراطية تتيح المساواة بين الجميع، ثمة دائماً استثناءات تسمح بإسقاط مرشّحين بالباراشوت.
العقبات في المرحلة الأولى
وقد تبيّن أنّ المرحلة الأولى من الآلية والتي جرت يوم السبت من التاسعة صباحا حتى السابعة مساء، كانت عبارة عن تصويت إلكتروني شارك فيه حاملو البطاقة الحزبية، لاختيار مرشّحهم في الدائرة التي ينتمون إليها. اللافت في هذه المرحلة، كما اشتكى بعض العونيين، هو فقدان مبدأ “سريّة الاقتراع”، كون خارطة داتا التصويت تصبّ كلها في الإدارة المركزية. ويفترض الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تشمل القاعدة لعريضة للتيار وسط سؤال بديهي: من يحدّد هذه القاعدة؟ وما هي معايير التحديد لكي يتم استفتاؤها؟
ومساء أمس، أصدرت قيادة “التيار” تعميماً أعلنت خلاله أنّ “غرفة العمليات المركزية المواكبة ليوم الاستطلاع قد تلقّت أكثر من أربعة آلاف اتصال هاتفي، لتصحيح أرقام الهواتف وتقديم المساعدة التقنية للدخول إلى المنصة، ما حتّم اتخاذ ثلاث قرارات بتمديد مهلة الاستطلاع لغاية الساعة الحادية عشر مساء. وفي الوقت نفسه كان الفريق التقني المختصّ يجري الاستطلاع عبر الوسيلة الثالثة، أي بالاتصال المباشر بالمنتسبين، وقد أجرى 3400 اتصال. وبما أنّ ادخال البيانات وتحليلها يحتاج الى بعض الوقت، وفور الانتهاء من ادخال البيانات وتحليلها ستعمد لجنة الاشراف إلى إصدار النتائج النهائية”.
حسم باسيل معظم الترشيحات في معظم الدوائر الانتخابية، لا بل قطع شوطاً كبيراً في تأليف اللوائح، وهو فتح باب التفاوض مع الترشيحات الحليفة تمهيداً لانطلاق الحملات الانتخابية لكلّ المرشّحين، في محاولة لإكساب هؤلاء الوقت الكافي للاحتكاك بالأرض بصفتهم مرشّحين معتمَدين
في المقارنة بين مشهديْ 2018 و2022، يتبيّن أنّ التيّار تجاهل إجراء انتخابات تمهيدية جرى اعتمادها في السابق لاختيار المرشّحين الذين انتقلوا إلى مرحلة استطلاعات الرأي، وهي التي يُعاد اليوم استخدامها لغربلة الترشيحات، خصوصاً أنّ الأرض تفرز طفرة طامحين يحاولون القفز إلى حلبة الاستحقاق النيابي، أو أقلّه حلبة الترشّح. ولهذا فالاحتكام إلى آليّة الاستطلاعات يعني أنّ الوجوه النيابية الأساسيّة في التيار ستتجاوز حكماً هذه المباراة لتتبوّأ الترشيحات النيابية، واستطراداً إخراج بقيّة الوجوه الطامحة، ولا سيّما تلك التي لم تتمكّن من الاحتكاك بالأرضيّة طوال الفترة الماضية. بالمقابل، ستترك هذه الآليّة لرئيس الحزب، كما في العام 2018، هامشاً واسعاً للتحكّم ببقيّة الترشيحات حتى لو تأهّل أصحابها إلى المرحلة النهائية، بحجّة التحالفات المتروك تحديد مصيرها لحسابات جبران باسيل.
الملاحظة الثانية الواجب ذكرها هو إلغاء شرط الشهادة الجامعية الذي سبق له أن أثار إشكاليّة في العام 2018 لأنّه كان ضمن سلّة الشروط التي تجاوزها رئيس الحزب بنفسه من خلال تبنّي ترشيحات حزبيّين لا يحملون تلك الشهادات. وذهب “التيار” في تساهله بعيداً إلى درجة الاكتفاء بأن يكون المرشّح “قد انتسب إلى التيار منذ أكثر من سنة، وتولّى بنجاح مسؤوليّاته، مع إمكانيّة إعادة النظر في مدّة الانتساب في المرحلة الثانية في حال اقتضت مصلحة التيار ذلك وفق الأنظمة والأصول”.
الأهمّ من كل ذلك أنّ بعض العونيين يتعاملون مع هذه الآليّة وكأنّها لزوم ما لا يلزم، لأنّ ما سيُكتب قد كُتب فعلاً، وما سيشهده التيار راهناً هو مجرّد فولكلور إعلامي لا يمتّ للوقائع بصِلة… بدليل أنّ بعض النواب الحاليين امتنعوا عن خوض هذه “الحفلة” لإدراكهم النتائج سلفاً، ولو أنّهم “مرشّحين ومكتّرين”، فيما يراها البعض الآخر مخرجاً لائقاً لإعادة بعض الطامحين إلى بيوتهم مع لقب “مشروع مرشّح” لا أكثر. ولو أنّها قد تزيد من الحساسيّات والمشاكل الداخلية التي هي بالأساس “تنخر عظام” الحزب.
إقرأ أيضاً: مفاتيح المستقبل الانتخابيّة في طرابلس يتآكلها الصدأ؟
وفق البعض، حسم باسيل معظم الترشيحات في معظم الدوائر الانتخابية، لا بل قطع شوطاً كبيراً في تأليف اللوائح، وهو فتح باب التفاوض مع الترشيحات الحليفة تمهيداً لانطلاق الحملات الانتخابية لكلّ المرشّحين، في محاولة لإكساب هؤلاء الوقت الكافي للاحتكاك بالأرض بصفتهم مرشّحين معتمَدين، وذلك على خلاف ما حدث في الجولة الماضية. ولهذا يقول أحد المرشّحين المحتملين إنّ هذه الآليّة برمّتها ليست سوى تضييع للوقت… ولمبلغ 35 مليون ليرة يجب تسديده لتغطية تكاليف استطلاعات الرأي.