ما زال حلّ الدولتين هو العنوان المفضّل لدى الأميركيّين، ولدى كلّ المعنيّين بالتسوية الفلسطينية الإسرائيلية.
الإصرار على مواصلة تفضيله ليس من أجل تطبيقه، وإنّما خوفاً من بدائله، ذلك أنّ التخلّي عنه أو إعلان فشله سوف يُغرق الحالة الفلسطينية الإسرائيلية في بحر من فوضى الخيارات التي ألمح أو صرّح بها الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة.
حين مُنِح حلّ الدولتين مهلة سنة كي يتحقّق، وإذا ما انتهت السنة وبقيت الأمور على حالها، فإمّا الذهاب إلى دولة واحدة أو إلى قرار التقسيم. وهذان خياران مستحيلان ليس فقط في مجال التنفيذ، وإنّما في مجال علاقات الفلسطينيين مع أصدقائهم وحلفائهم ومَن يعوِّلون عليهم.
الفلسطينيون متروكون لقدرهم، وكلّ مَن يرغب في مساعدتهم فعليه المرور من المضيق الأميركي الإسرائيلي
فلن يؤيّد خياراتهم هذه أيّ طرف قريب أو بعيد، خصوصاً بعدما تثبّتت معادلات جديدة في التعامل مع إسرائيل، وتحديداً من قبل الحاضنة العربية المفترض أنّها الأهمّ في حياة الفلسطينيّين وقضيّتهم وكفاحهم.
ستنتج فوضى الخيارات تلقائيّاً نوعاً من فوضى الأجندات. والواقع الفلسطيني بصورته الراهنة، بعد فشل الرهان على تسوية أوسلو، هو مُستنبَت خصب لتغذية الأجندات والقوى المتصارعة من دون إغفال إمكانيّة ظهور أجندات جديدة تذكي نار الصراع الداخلي. وفي حالة فشل صيغة تكرّست وبُنِي عليها والانتقال إلى صيغة بديلة، فإنّ الصراع يتضاعف حتماً. وليست إسرائيل المتربّصة مَن يتّخذ وضع المتفرّج في حالة كهذه.
الطبقة السياسية الفلسطينية، التي تورّطت بمهلة السنة، ولم تجد أيّ قدر من الاستجابة، سواء كانت المهلة خياراً أو مناورة، لم يكن أمامها ما تفعله حيال هذه “الورطة” سوى اللجوء إلى العناوين القديمة العديمة الجدوى لملء “السنة”.
وهما في واقع الأمر عنوانان لا ثالث لهما:
الأول هو تمضية الوقت في اجتماعات داخلية لإطارات الفصائل، ثمّ إطارات منظّمة التحرير المتاحة، وهي اللجنة التنفيذية المقيمة في رام الله، والمجلس المركزي المقيم عدد قليل من أعضائه في الشتات، وصرف النظر عن البرلمان الأكبر “المجلس الوطني” الذي يتعذّر إدخال جَمَله الضخم من خرم إبرة الإمكانيّات الضيّقة.
الثاني هو مواصلة الإلحاح على استدعاء تدخّل خارجيّ: أميركا وأوروبا، وحتّى الرباعيّة الدوليّة التي تضمّ روسيا والأمم المتحدة. هذا إذا بقي مَن يتذكّر هذا الإطار أو يستخدمه ولو لملء الفراغ.
العالم كلّه يتعامل مع سنة الإنذار الفلسطيني بطريقة مُحبِطة لأصحابها، ذلك بعدما حدّد العرّاب الأكبر أميركا سقف اهتمامه وتحرّكه، إذ قال: ها هو المقاول الأميركي الجديد هادي عمرو بتصرّفكم، فاسمعوا نصائحه ولا تبالغوا في طلباتكم منه.
وعندما يكون هذا هو موقف العرّاب الأكبر، فالسلسلة تكتمل بحلقات متماثلة، بحيث تذعن أوروبا وتواصل الرباعيّة غيبوبتها وتستثمر إسرائيل وتحصد.
أمّا الطبقة السياسية الفلسطينية صاحبة مهلة “السنة” فسوف تواصل رحلتها الدائرية داخل عناوينها من دون إحداث أيّ تغيير جوهريّ بالوضع الداخلي الذي فيه ما فيه من الثغرات والانهيارات.
إقرأ أيضاً: زمالة الرمزيّة للبراغماتيّة في حياة الفلسطينيّين
الفلسطينيون متروكون لقدرهم، وكلّ مَن يرغب في مساعدتهم فعليه المرور من المضيق الأميركي الإسرائيلي. غير أنّ ما ينبغي على الطبقة السياسية فعله لا تفعله، وأعني به معالجة الوضع الداخلي ليس المتأزّم فقط، بل والكارثي. واللافت والمحيِّر أنّ هذه الطبقة تذهب باللغة إلى ما لا تستطيع فعله مقابل أنّها تتجاهل ما تستطيع.