ميقاتي وعون: يا عبّود أنقذنا!

مدة القراءة 5 د

يوم الثلاثاء المقبل، الموافق 19 الجاري، تبدأ الدورة العاديّة لمجلس النواب، ويستعيد النواب حصانتهم، فتتوقّف مفاعيل الاستدعاءات المسطَّرة من جانب المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، بحقّ كلٍّ من النائبين نهاد المشنوق وغازي زعيتر، فيما يبقى موعد استجواب رئيس الحكومة السابق حسّان دياب في 28 الجاري قائماً، وتبقى نافذتين مذكّرتا التوقيف الصادرتان بحقّ كلٍّ من النائب علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس… أقلّه إلى الآن. وذلك أنّ الضغوط، التي يمارسها الثنائي الشيعي، لم يُقابِلها البيطار بإبداء أيّ نيّة لمغادرة موقعه القضائي كمحقّق عدليّ من تلقاء ذاته، ولو أنّ البعض اعتقد أنّه كان يُفترَض أن يفعلها في “لحظة فتنويّة” فرضتها أحداث الطيّونة-عين الرمّانة، فيقرّر التنحّي بقرار ذاتيّ ما دامت الأطر القانونية مقفلة على هذا الخيار القسريّ، وهو ما يعني صعوبة إقالته بقرار من مجلس الوزراء أو من جانب هيئة قضائية، بدليل ردّ كلّ المراجعات التي تقدّم بها الخصوم من جهة المدّعى عليهم، إذ نفضت أكثر من محكمة يديها من اختصاص قدرتها على ردّ المحقّق العدلي.

يتردّد أنّ العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليست سليمة، بسبب إصرار الرئيس عون على حماية البيطار

وتفيد المعلومات أنّ البيطار أبلغ بعض مَن يعرفونه أنّه ليس بوارد التراجع عن موقعه القضائي، وسيستمرّ في مهمّته، وسيكون في مكتبه صباح يوم الثلاثاء المقبل على اعتبار أنّ يوم الاثنين هو يوم عطلة رسمية. لكنّ المواكبين للملفّ يجزمون أنّ الدرع السياسي، الذي وفّره رئيس الجمهورية ميشال عون للمحقّق العدلي من باب الحماية السياسية لكي لا يُقدِم على قرار التنحّي من تلقاء ذاته، زاد من فرص تراجع هذا الاحتمال خلال الساعات الأخيرة لمصلحة بقاء البيطار في موقعه. وفي السياق عينه، يتردّد أنّ العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليست سليمة، بسبب إصرار الرئيس عون على حماية البيطار. وهناك مَن لمّح أمام ميقاتي إلى ما معناه أنّ “بقاءك مرتبط ببقاء البيطار”.

ولعلّ هذا الإصرار على مواصلة مهمّته، ولو أنّ تبعاتها تلوثّت بدماء سبع ضحايا، يرفع أكثر من منسوب الارتياب السياسي في أذهان المعترضين لسلوك المحقّق العدلي، وبأجندة الجهات الداعمة له، خصوصاً أنّ هذه الجهات لم تبذل المجهود، الذي بذلته في قضية المرفأ والتحقيقات المرتبطة بها، في سبيل تسريع التحقيقات في قضية مجزرة التليل في عكار، حتى بعد إحالتها إلى المجلس العدلي، إذ لا يبدي وزير العدل هنري خوري استعجالاً لعرض مَن يرشّحه لأن يكون محقّقاً عدليّاً على مجلس القضاء الأعلى للإسراع في التحقيقات، كما يقول المعترضون، ولا سيّما من جهة الثنائي الشيعي.

مع ذلك، يقول المواكبون أنّ هناك مَن يحاول دفع الثنائي الشيعي إلى التعاطي بكثير من الواقعية مع تبعات أحداث الطيّونة، من خلال إقناع رئيس مجلس النواب نبيه بري بضرورة تحييد الحكومة عن المسار القضائي، خصوصاً أنّه لن يكون بمقدور حركة أمل المطالبة والضغط والعمل على إحالة ملفّ أحداث يوم الخميس أمام المجلس العدلي إذا لم تلتئم الحكومة وتستعيد عافيتها بعد تجميد عملها نتيجة التوتّر السياسي ووضعها على طاولة التفاوض في مصير المحقّق العدلي.

ويعتقد هؤلاء “الواقعيّون” أنّه لا يُفترَض أن يكون “قبع” البيطار شرطاً مُلزِماً لكي يُعاد ضخّ الدم في عروق الحكومة، لا بل يكفي أن يعود الرجل إلى “رشده الدستوري” من خلال احترام الدستور والقوانين المرعيّة الإجراء، وتحديداً المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لكي يستقيم الوضع السياسي، مشيرين إلى أنّ “المطلوب أكل العنب وليس قتل الناطور”.

تفيد المعلومات أنّ البيطار أبلغ بعض مَن يعرفونه أنّه ليس بوارد التراجع عن موقعه القضائي، وسيستمرّ في مهمّته، وسيكون في مكتبه صباح يوم الثلاثاء المقبل

في المقابل، تؤكّد مصادر مطّلعة على موقف “حزب الله” أنّ هذا السيناريو التفاهميّ كان يمكن له أن يرى الحياة قبل أحداث يوم الخميس، لكن بعد التطوّرات الميدانية التي شهدتها منطقة الطيّونة-عين الرمّانة، والتأكّد من وجود أجندة سياسية تقف خلف التحقيقات التي يقودها القاضي البيطار، باتت المعادلة مختلفة. وتؤكّد هذه المصادر أن “لا حكومة إلا بعد تراجع البيطار عن مهمّته”. لكنّها لا تطرح آليّة معيّنة، ولا تعتبر أنّ حماية رئاسة الجمهورية للمحقّق العدلي من شأنها أن تعرقل أيّ صيغة قد يتمّ الاتّفاق عليها، ولو أنّ رئيس الجمهورية لن يقبل بالتراجع أو التصويب عليه وكأنّه انكسر أمام ضغط الثنائي الشيعي خلافاً لرأيه. ولهذا تعتقد هذه المصادر أنّه في حال توصّل مجلس القضاء الأعلى إلى صيغة معيّنة، فمن الأرجح أن لا تقف رئاسة الجمهورية سدّاً معارضاً لهذا الحلّ-التخريجة.

ولعلّ هذه التخريجة هي التي تحدّثت عنها المعلومات المتداولة عن لقاء عُقِد بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والقاضي غسان عويدات ووزير العدل هنري الخوري، بمشاركة رئيس التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، حيث تقول مصادر خاصّة بـ”أساس” أنّ البحث تناول نقطتين:

النقطة الأولى تتّصل بأحداث الطيّونة من زاوية ضرورة أن يلعب القضاء دوراً حاسماً للحفاظ على الاستقرار، وبناءً على التحقيقات يمكن دراسة إمكانيّة إحالة القضية أمام المجلس العدلي.

إقرأ أيضاً: قاضٍ فوق القضاء!

النقطة الثانية تتّصل بالقاضي البيطار. وقد حسم ميقاتي موقفه بالقول إنه “يرفض التدخّل بهذا الشأن، ولن يضغط باتجاه إقالة المحقّق العدلي”، لكن أكّد في المقابل أنّ الدستور واضح في تحديده المرجعية القضائية المخوَّلة ملاحقة الرؤساء والوزراء، ولذا طلب من مجلس القضاء الأعلى إزالة الالتباس الحاصل لتنقية القضاء من تدخّل السياسيّين، وحسم الصيغة القانونية التي تعيد الاحترام لمقتضيات الدستور.

مواضيع ذات صلة

“عصِر” أسماء قبل جلسة 9 كانون الثاني

دَخَلت جلسة التاسع من كانون الثاني مدار “الإعصار” الذي ضَرب لبنان وسوريا لجهة السؤال الكبير حول جدّية انتخاب رئيس الجمهورية وسط الفوضى العارمة في المنطقة،…

الحلم السعودي حقيقة: المملكة تستضيف مونديال 2034

موعد جديد تضربه السعودية مع التاريخ بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان. هو موعد مع كرة القدم، حيث تحوّل…

تموضعات انقلابيّة لبنانيّاً بعد الزلزال السّوريّ؟

تسارعت الأحداث إلى حدّ إحداث زلازل متتالية لم تنتهِ بعد. ففيما كان خصوم “الحزب” يرصدون بدء تفكيك البنى التحتية العسكرية للمقاومة “بدءاً من جنوب الليطاني”،…

سرّ اجتماع غازي عنتاب الذي “أسقط” الأسد

حملت الساعات الأخيرة التي سبقت سقوط النّظام السّوريّ السّابق ورئيسه بشّار الأسد اجتماعات علنيّة وسرّيّة لمناقشة مرحلة ما بعد الأسد. أبرزها اجتماع شهدته مدينة غازي…