كلّ الكلام الإيراني، الذي أطلقه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من بيروت، عن استعداد بلاده لتقديم كلّ أوجه الدعم إلى لبنان لمساعدته على تجاوز المرحلة الصعبة، واستعداد الشركات الإيرانية لبناء معملين لتوليد الطاقة في لبنان خلال 18 شهراً، ولإعادة ترميم مرفأ بيروت، ولبناء مترو أنفاق (!) لم يكتمل من دون التطرّق إلى العلاقة مع المملكة العربية السعودية. وهذا من بوّابة التأكيد أنّ بلاده تعتبر الحوار البنّاء والمفاوضات هما السبيل الأفضل لخروج الغرباء من المنطقة وحلّ المشكلات الإقليمية، وأنّ “هناك مسافة جدّيّة قُطِعت في المفاوضات مع السعودية”.
إلى أيّ مدى يستطيع فعلاً الإيراني دخول الساحة اللبنانية من البوّابة الاقتصادية من دون الراعي التقليدي لعالم الاقتصاد والمال في لبنان المتمثّل بالمملكة العربية السعودية؟ وبعد فشل الوساطتين الأميركية والفرنسية مع المملكة العربية السعودية من أجل عودتها إلى لبنان، هل تكفي الرسالة الإيرانية، التي تتكرّر دائماً مؤكِّدةً تقدّم المفاوضات مع المملكة، لإقناع المملكة بالعودة إلى بيروت؟
الصيف الإيراني في بيروت أعلن بما لا يقبل الشكّ، أنّه يحتاج إلى شريك سعودي في لبنان، وإلى “إذن أميركي”. وكلنا نعرف أنّ الشريك قال لكلّ من راجعوه، إنّ “الحديث يبدأ من اليمن”، وأنّ الإذن الأميركي موقوف على نتائج مفاوضات فيينّا
لعلّ أهمّ ما رافق جولة وزير الخارجية الإيراني على المسؤولين اللبنانيين هو التعبير الصريح عن رغبة إيران بتحوُّلها من راعٍ سياسي لحزب الله إلى راعٍ اقتصادي للقطاعات الحيوية اللبنانية.
يعزِّز دخول الجمهورية الإسلامية إلى الساحة اللبنانية مشهد المنافسة العربية – الفارسية على القطاعات اللبنانية. فبعد زيارة الوفد الوزاري اللبناني إلى سوريا بإذن واضح من الولايات المتحدة الأميركية لاستجرار الغاز المصري من الأردن عبر سوريا، دخل المازوت والفيول الإيرانيّان عبر المعابر غير الشرعية من إيران عبر سوريا إلى لبنان، في مسعى جديّ لتصير إيران شريكاً في قطاع النفط بلبنان. ثمّ عرض عبد اللهيان شراكة إيران في قطاع الكهرباء، وقبلها سال حبر كثير عن مشاركة إيران في استخراج النفط من بحرنا. والجديد في الطروحات أنّ عبد اللهيان اقترح على من قابلهم من الصحافيين أن تعمل الحكومة اللبنانية للحصول على استثناء لبنان من العقوبات الأميركية لتنفيذ هذه المشاريع.
تزامن مع هذا السياق ترحيبُ رئيس بلدية الغبيري معن خليل بالعرض الإيراني لبناء محطة توليد كهرباء بقوة 1000 ميغاواط “ضمن عقار نادي الغولف” الذي يمتدّ من طريق المطار في الغبيري حتّى البحر في الشويفات، مروراً بما بينهما من محيط السفارة الإيرانية في بيروت. وحجّة حليل أنّ “نادي الغولف لا يدفع الرسوم البلدية منذ أربع سنوات، وذلك على الرغم من أنّ الاشتراكات تُدفَع بالفريش دولار، فيما استئجاره من الدولة اللبنانية تبلغ قيمته 75 مليون ليرة”.
لعلّ أهمّ ما رافق جولة وزير الخارجية الإيراني على المسؤولين اللبنانيين هو التعبير الصريح عن رغبة إيران بتحوُّلها من راعٍ سياسي لحزب الله إلى راعٍ اقتصادي للقطاعات الحيوية اللبنانية
أثار كلام رئيس بلدية الغبيري، الذي نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، بلبلة لِما فيه من رغبة بالقضاء على آخر نوادي الغولف في لبنان لمصلحة ما اعتبره كثيرون “وصاية إيرانية جديدة تمتدّ من الضاحية الجنوبية لبيروت وصولاً إلى البحر، ومروراً بمحيط السفارة الإيرانية”. غير أنّ المعنيّين بخلفيّات وحيثيّات الخطاب السياسي لإيران وجدوا ازدواجيّة إيرانية بين التعبير عن رغبتها باستمرار التفاوض “المتقدّم” مع المملكة العربية السعودية من جهة، واستمرار القصف اليمنيّ على المملكة من جهة أخرى. يحدث الأمران بالتوازي، فيما لا تزال المملكة على موقفها المتكتّم حول مسألة التفاوض مع الإيرانيين في العراق، والرافض لاستئناف أيّ دور لها في لبنان ما دام القرار فيه يعود إلى حزب الله.
انتهت جولة عبد اللهيان في لبنان قبل أن ينتقل إلى دمشق. ما بات واضحاً للّبنانيين والإيرانيين، على حدٍّ سواء، أن لا ضوء أخضر للبناء في القطاعات الحيوية اللبنانية من دون التوصّل إلى تسوية للخلاف السياسي، أكان مع المملكة العربية السعودية التي أصرّ الوزير الإيراني على الإشارة الإيجابية إليها في كلامه، أم مع الولايات المتحدة الأميركية التي تدرك إيران أنّ أيّاً من طروحاتها في لبنان لا يمكن أن يتحقّق إلا بإذن منها.
الصيف الإيراني في بيروت أعلن بما لا يقبل الشكّ، أنّه يحتاج إلى شريك سعودي في لبنان، وإلى “إذن أميركي”. وكلنا نعرف أنّ الشريك قال لكلّ من راجعوه، إنّ “الحديث يبدأ من اليمن”، وأنّ الإذن الأميركي موقوف على نتائج مفاوضات فيينّا.
لعلّ زيارة عبد اللهيان.. كأنّها لم تكن؟