مرّ أكثر من عام على الانفجار الذي هزّ مرفأ بيروت، ولا يزال الكثير من الأسئلة مبهماً. وبينما يتمحور التركيز على نقطة واحدة في لبنان، يُمكن العودة إلى الأحداث والتعليقات التي أعقبت الانفجار، والتي قد تكون طرف خيطٍ في الحقيقة التي طالَ انتظارها، ليس بالنسبة إلى أهالي الضحايا ومَن فقدوا منازلهم وتشرّدوا وجُرِحوا فحسب، بل وكلّ لبنانيّ يخشى من ضياع الحقيقة في دهاليز التحقيقات كما حدث مع الكثير من الانفجارات التي وقعت في لبنان من قبل.
بعد وقوع الانفجار، رجّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن يكون الانفجار، الذي هزّ العاصمة اللبنانية بيروت، ناجماً عن هجوم قنبلة “من نوع ما”، ولفت في مؤتمر صحافي إلى أنّه تحدّث مع عدد من المسؤولين العسكريين “وقالوا إنّ انفجار بيروت ناجم، على ما يبدو، عن قنبلة، وكأنّه اعتداء رهيب”
كثرت التحقيقات والبحوث والجري وراء معرفة مصدر شحنة نيترات الأمونيوم، وأيّ مصنع جاءت منه، ومَن نقلها، ومَن هو سائق السفينة، وأيّ مسار سلكت، وصولاً إلى الانفجار وما نجم عنه من خسائر بشريّة وماديّة لا تُعوَّض في عاصمة لبنان، ثمّ التقرير الذي أعدّه مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي “إف بي آي” في السابع من تشرين الأول 2020، وفيه أنّ حوالي 552 طناً من نيترات الأمونيوم انفجرت في ذلك اليوم المشؤوم، أي أقلّ بكثير من 2754 طناً وصلت على متن سفينة شحن مستأجرة من روسيا في عام 2013. والسؤال، الذي نطرحه في هذا الإطار، هو: أين الحلقة المفقودة بين شحن النيترات وتخزينها وبين الانفجار الهائل، أي كيف وقعَ؟ لا إجابة حاسمة حتّى الآن!
في ما يلي أبرز الأحداث والوقائع التي تلت الانفجار، ونعرضها من باب ما تحمله من إشارات، ولسنا بحاسمين في هذا الأمر، لكن دعونا نقرأ ما بين سطور الانفجار:
في كلمة له في جلسة لمجلس الأمن في تموز 2019، قال السفير الإسرائيلي داني دانون إنّ بلاده تملك “أدلّة جديدة” على أنّ إيران كانت تقوم بتهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان من خلال استخدام الموانئ المدنية والمطارات والبنية التحتية الأرضية. وأكّد أنّ “ميناء بيروت هو الآن ميناء حزب الله”.
وبحسب موقع الأمم المتحدة، فقد ردّت المندوبة اللبنانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، أمل مدللي، بأنّ هذه الاتّهامات هي تهديدات مباشرة للسلام والبنية التحتية المدنية، وقالت: “إذا كان السفير الإسرائيلي يستخدم هذه التصريحات لتمهيد الطريق وحثّ المجتمع الدولي على شنّ هجوم على الموانئ والمطارات المدنية في لبنان، وعلى بنيته التحتية، كما فعلوا في عام 2006، فلا ينبغي لهذا المجلس أن يبقى صامتاً”.
بعد وقوع الانفجار، رجّح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن يكون الانفجار، الذي هزّ العاصمة اللبنانية بيروت، ناجماً عن هجوم بقنبلة “من نوع ما”، ولفت في مؤتمر صحافي إلى أنّه تحدّث مع عدد من المسؤولين العسكريين “وقالوا إنّ انفجار بيروت ناجم، على ما يبدو، عن قنبلة، وكأنّه اعتداء رهيب”.
وعلى الرغم من تراجع سيّد البيت الأبيض عن تصريحاته بقوله إنّه “لا يمكن الجزم أنّ انفجار بيروت ناتج عن هجوم أو لا”، إلا أنّ الكثير من المواطنين أكّدوا، عبر وسائل الإعلام وعبر حساباتهم على السوشيل ميديا، أنّهم سمعوا هدير طائرات في الأجواء اللبنانية لحظة وقوع الانفجار.
أكّد أحد الخبراء، في حديثٍ معه، أنّ “مادّة نيترات الأمونيوم لا تشتعل من تلقاء نفسها، بل بعد التماس مع مصدر شديد الحرارة بدرجة لا تقلّ عن 210 درجات مئوية”. فيما استبعد مصدر آخر أن يكون سبب الانفجار، الذي خلّف حفرة بعمق 43 متراً، مرتبطاً بتلحيم العنبر الذي خُزِّنت فيه كمّيّات النيترات
إلى هذا، تحمل تغريدة للمتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر “تويتر”، في طيّاتها إشارة إلى أنّ مرفأ بيروت كان ضمن “بنك الأهداف” الإسرائيلية، إذ نشر في هذه التغريدة خارطةً، وأرفقها بالتعليق التالي: “المعابر على حدود سوريا ولبنان تُستخدَم لنقل الأسلحة الإيرانية. مرفأ بيروت يُستخدَم كمركز نقل بحريّ للأسلحة من إيران إلى حزب الله. مطار بيروت الدولي يُستخدَم كمسار جوّيّ، وإلى جانبه منشآت لتحويل الصواريخ إلى صواريخ دقيقة”.
وها هي الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت تمرّ من غير التوصّل إلى استنتاجات تتعلّق بسبب الانفجار. وفي هذه المناسبة نستذكر ما نشرته شبكة “فولتير” بعد أيام قليلة من وقوع الانفجار، محمّلةً تل أبيب المسؤولية، وقد جاء في المقال المنشور أنّ “إسرائيل دمّرت شرق بيروت بسلاح جديد غير معروف، لكن قد تمّ اختباره في سوريا في شهر كانون الثاني 2020، وهو صاروخ يحتوي رأسُه على مكوّن تكتيكيّ يتسبّب في إحداث دخان على شكل فطر”. وأضاف المقال: “تمّ اختبار هذا السلاح في سوريا على سهل في الريف”، لافتاً إلى أنّ “إسرائيل قامت بتفعيل شبكاتها في وسائل الإعلام الدولية للتستّر على جريمتها، وإعطاء صدقيّة لفكرة انفجار عَرَضيّ لمخزون أسمدة. وكما هو الحال دائماً، يُشار إلى جناة مزيّفين، لكنّ الفطر الدخاني لا يتوافق مع أطروحة انفجار الأسمدة”.
وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية قد زعمت أنّ الانفجار الرئيسي الذي هزّ المرفأ قد سبقه عددٌ من الانفجارات الصغيرة. وقال الخبير في علم الزلازل والذخائر، الذي كان ضابطاً في قسم الهندسة في الجيش الإسرائيلي، بواز حيون، في حديث لرويترز، إنّ 6 انفجارات وقعت متتالية تفصل بين أحدها والذي يليه 11 ثانية، وذلك قبل الانفجار الكبير الذي وقع بعد 43 ثانية من آخر انفجار سبقه.
وتابع حيون، وهو من مجموعة تامار الإسرائيلية، أنّ حجم الانفجارات الخمسة الأولى التي وقعت في المكان نفسه يوازي انفجار أطنان من المتفجّرات، وقد تكون وقعت تحت الأرض ولم يسمعها المواطنون في بيروت.
إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب: إنّها إسرائيل
ويرى الخبير أنّ الحفرة البالغ عمقها 43 متراً ما كان لها أن تحدث نتيجة انفجار كميّة نيترات الأمونيوم الموضوعة في العنبر الـ12، التي أعلنت عنها السلطات اللبنانية، إذ كان يمكن أن يخلّف انفجار النيترات حفرة بعمق 25 أو 30 متراً حدّاً أقصى. أمّا الانفجار السادس فكان حجمه أكبر، وهو الذي أظهر الحريق الأوّليّ.
إلى ذلك، أكّد أحد الخبراء، في حديثٍ معه، أنّ “مادّة نيترات الأمونيوم لا تشتعل من تلقاء نفسها، بل بعد التماس مع مصدر شديد الحرارة بدرجة لا تقلّ عن 210 درجات مئوية”. فيما استبعد مصدر آخر أن يكون سبب الانفجار، الذي خلّف حفرة بعمق 43 متراً، مرتبطاً بتلحيم العنبر الذي خُزِّنت فيه كمّيّات النيترات.