نيترات البقاع من جورجيا…؟ والجيش يَحسم: الصقر باعَها!

مدة القراءة 7 د

بعد أقلّ من أسبوعين على اكتشاف شحنة نيترات الأمونيوم في منطقة إيعات في بعلبك، عَمَد مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، وفق معلومات “أساس”، إلى تجزئة الملفّ إلى قسمين:

– من جهة أحال، كإجراء استباقيّ، إلى المحامي العامّ التمييزي القاضي عماد قبلان المسألة المتعلّقة باحتمال ارتباط نيترات البقاع بنيترات مرفأ بيروت. وهي النافذة التي يمكن أن تقود إلى الإحالة لاحقاً إلى القضاء العدلي بغضّ النظر عن هويّة المحقّق بعد كفّ يد القاضي طارق البيطار مؤقّتاً عن الملفّ. وسيحدث ذلك إذا ثَبُت وجود أيّ “لينك” يربط بين القضيّتيْن.

– ومن جهة أخرى، سيحيل ملفّ الموقوفين في القضية قريباً إلى قاضي التحقيق العسكري للتوسّع في التحقيق تمهيداً لصدور القرار الاتّهامي في القضية.

تقول مصادر متابعة للملفّ إنّ التقديرات الأمنيّة حتى الساعة تشير إلى أنّ مصدر النيترات هو الدول المعروفة بتصنيعها لتلك الموادّ مثل جورجيا وغيرها. والأرجح أنّها وصلت عبر تركيا، لكن لم يتمّ تحديد أيّ مرفأ وبواسطة مَن، وكيف دخلت إلى لبنان

وفق المعلومات، يُنتظَر صدور التقرير النهائي من المختبرات العلميّة للتثبّت من مدى التشابه في “التركيبة” (أو “الطبخة”) بين نيترات البقاع ونيترات المرفأ في ظلّ التأكّد من أنّ نسبة الآزوت، البالغة 34.7%، هي نفسها في “الشحنتين”.

وهو أمرٌ أساسيّ للإضاءة على مصدر نيترات البقاع ووجهة استخدامها. ويمكن للقاضي عقيقي أن يكلّف الجيش مجدّداً بالتحقيق في مصدر النيترات، وهو ما قد يفضي إلى التحقيق مع الجمارك للوصول إلى بلد المنشأ أو مصدره، والتثبّت من البيانات الجمركية. ويبقى احتمال إدخالها عبر التهريب قائماً.

تقول مصادر متابعة للملفّ إنّ “التقديرات الأمنيّة حتى الساعة تشير إلى أنّ مصدر النيترات هو الدول المعروفة بتصنيعها لتلك الموادّ مثل جورجيا وغيرها. والأرجح أنّها وصلت عبر تركيا، لكن لم يتمّ تحديد أيّ مرفأ وبواسطة مَن، وكيف دخلت إلى لبنان. مع احتمال أقلّ أن يكون مصدرها سوريا التي أوقفت تصنيع نيترات الأمونيوم في 2013، ثمّ أعادت تصنيعه في عام 2020”.

مع ذلك، تستبعد المصادر نفسها “وجود لينك يربط بين نيترات البقاع وبين نيترات المرفأ. فلا الأكياس المعبّأة فيها هي نفسها، ولا “عمرها” الحديث نسبيّاً قريب من عمر نيترات المرفأ.

استخدام تجاري أو عسكري؟

وتشير المعطيات شبه المؤكّدة إلى استخدامها في الإطار التجاري المحض كأسمدة زراعية أو لتفجير المقالع والكسّارات، خصوصاً مع تأكيد مالك الشاحنة التي ضُبِطت وصاحب “مؤسسة صلح للأعلاف والحبوب” سعدالله الصلح أنّه اشترى شحنة النيترات من آل الصقر”.

وقد حَسَم بيان قيادة الجيش أنّ الصلح اشترى خلال شهر آذار الماضي كميّة من نيترات الأمونيوم من مارون الصقر، وأنّ السوريَّيْن عبيدة العبد الرحمن وخالد الحسن (سائق الشاحنة) قاما بنقل تلك الموادّ.

ولا يزال أربعة أشخاص موقوفين لدى الجيش بأمر من النيابة العامّة العسكرية، وهم الصلح ومارون الصقر “لتورّطهما ببيع موادّ ممنوعة وشرائها وتخزينها ونقلها”، إضافة إلى الرحمن والحسن.

وتفيد المعلومات أنّ القاضي عقيقي سبق أن أطلق سراح الزين، بعد الاستماع إلى إفادته، لكنّ الجيش أوقفه لتورّطه بعمليات تهريب. ومن ضمن مَن أُخلِي سبيلهم غالب الصلح ابن سعدالله الصلح الذي تبيّن منذ البداية أنّه لا يملك معطيات كافية عن الموضوع.

وتقدّم أمس وكيل الصقر أمام مفوّض الحكومة بطلب للإفراج عنه، فيما إبراهيم الصقر لا يزال متوارياً عن الأنظار منذ ضبط شعبة المعلومات المازوت المخزّن والمُحتكَر في “منشآت” آل الصقر. وقد ثَبُت، وفق محاضر التحقيق، وجود علاقة تجارية بين الشقيقين الصقر وسعدالله الصلح مرتبطة ببيع النيترات والأسمدة الزراعية.

تشير المعطيات شبه المؤكّدة إلى استخدامها في الإطار التجاري المحض كأسمدة زراعية أو لتفجير المقالع والكسّارات، خصوصاً مع تأكيد مالك الشاحنة التي ضُبِطت وصاحب مؤسسة صلح للأعلاف والحبوب” سعدالله الصلح أنّه اشترى شحنة النيترات من آل الصقر

وفي هذا السياق، تدحض مصادر مطّلعة الرواية التي قدّمها الزين عن لقاء جمع بين إبراهيم الصقر والسفيرة الأميركية دوروثي شيا من أجل التخطيط لتحميل المسؤولية عن ملفّ النيترات لإحدى الشخصيّات المحسوبة على الثنائي الشيعي، ووضعتها في إطار “التحليل” الأمنيّ للزين (لكونه تحرّياً سابقاً) والاستنتاجات التي لم تثبت دقّتها. يُذكر أنّ السفارة الأميركية في بيروت لم تصدر أيّ بيان توضيحيّ في شأن هذه المسألة. غير أنّ موقع “أساس” نسب إلى السفيرة استياءها الشديد من هذه الرواية الكاذبة والسخيفة.

عمليّاً، فَعلت “فِعلَها” “الفوبيا” التي نتجت عن ضبط شحنة من نيترات الأمونيوم في بعلبك، فانتقلت السلطة السياسية والقضائية في 18 أيلول إلى أرض “الحَدَث” في البقاع، وحَضَر “النقل المباشر” لِمن أُراد الإيحاء بدايةً بأنّه يدخل في إطار عملٍ أمنيٍّ ما أو له علاقة مباشرة بملف انفجار نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت.

وتحديداً في هذه القضيّة، التي حملت أبعاداً حسّاسة بالنظر إلى ارتباطها “شكلاً” بقضيّة المرفأ، فإنّ انتقالها من الشرطة القضائية بدايةً، ثمّ شعبة المعلومات فاستخبارات الجيش، عَكَس ما يُشبه الاستنفار القضائي المشوب بشيء من الهلع، بدءاً من مدّعي عامّ البقاع القاضي منيف بركات، ثمّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الذي استمع شخصيّاً إلى  أحمد الزين، مسؤول المحاسبة والمشتريات في شركة سعدالله الصلح والمُخبر الذي “وشى” بالأخير.

لكن بين تحقيقات شعبة المعلومات واستخبارات الجيش وتحقيق النيابة العامّة العسكرية يمكن الجزم بمعطيَيْن أساسيّيْن في هذه القضية:

– الشحنة المكتشفة في البقاع ليست من “البضاعة” نفسها التي كانت مخزّنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. وهو الأمر الذي سيحسمه علميّاً تحليل المختبرات العلمية الذي طلبه الجيش.

– استبعاد فرضيّة استخدام هذه النيترات في العمل الأمنيّ، وحصرها بالبعد التجاري والماليّ وجني الأرباح بشكل غير مشروع بالنظر إلى أنّ هذا النوع من النيترات غير مسموح قانوناً المتاجرة به إلا وفق ترخيصٍ صادرٍ عن وزارتيْ الدفاع والداخلية وبقرار لاحق من مجلس الوزراء.

 

المصدر مجهول 

وفيما لا يزال مصدر نيترات البقاع مجهولاً بعكس نيترات المرفأ، فإنّ المعطى السياسي يظلّل هذه القضية مع دخول حزب الله مباشرةً على الخطّ بتحذيره من “الاستمرار في إخفاء المعطيات الحقيقية عن مصدر نيترات البقاع وطريقة دخولها إلى لبنان وتخزينها”، مشيراً إلى “جهات تحاول طمس هذه القضية المحورية، التي سيؤدي الكشف عن خيوطها إلى معرفة أمور كثيرة عن كيفيّة إدخال النيترات إلى لبنان والجهات التي تقوم بذلك”.

من جهتها، ترى القوات اللبنانية نفسها في قلب مواجهة كبرى بالنظر إلى تورّط اثنين من المحسوبين عليها في شاحنة البقاع، من بينهما إبراهيم الصقر حامل البطاقة الحزبية المجمّدة حالياً بقرار من قيادة القوات.

إقرأ أيضاً: “نيترات البقاع” تحت الحراسة المشدّدة: ما هي آخر المعطيات؟

وقد بدأت “Saker Gate” بالمازوت وانتهت بالنيترات من دون أن تتكشّف حتّى الآن كلّ خيوط القضية التي انفجرت بـ”همّة” مُخبرٍ واشٍ يعمل لدى أحد الأجهزة الأمنيّة. وقد رُسِمت علامات استفهام أيضاً عن توقيت فضحه “البيزنس” القائم منذ سنوات بين الصلح والصقر. والأهمّ هو السؤال عن مدى تداخل تصفية الحسابات السياسية مع توقيت الكشف عن نيترات البقاع، وعن مغزى انتقال الملفّ من شعبة المعلومات إلى مديرية الاستخبارات والإيحاء بأنّ هذه الأجهزة تعمل وفق أجندة سياسية؟

لكن بحسب تأكيد مصدر أمنيّ رفيع فإنّ “التسييس وأخذ القضية إلى مكان محدّد وموجَّه لم يكونا واردين لا عند “المعلومات” ولا “الاستخبارات”، والقضاء الذي بات الملفّ بعهدته ستكون الكلمة الأخيرة له”.

مواضيع ذات صلة

جعجع في عين التّينة لإنضاج الرّئاسة؟!

عاثرٌ جدّاً حظّ سليمان فرنجية. مرةً، واثنتيْن وثلاث مرّات، بلغت الرئاسة حلقه، لتُسحب في اللحظات الأخيرة، فيقف على أعتاب القصر عاجزاً عن دخوله، ويعود أدراجه…

يومٌ في دمشق: فرحٌ ممزوج بالقلق

مرّت 14 سنة بالتّمام والكمال عن المرّة الأخيرة التي زُرتُ فيها العاصمة السّوريّة دِمشق، في كانون الأوّل من عام 2010، أي قبل 4 أشهر من…

برّي والرّئاسة: Now or Never

ما كادت تمرّ أيّام قليلة على الإطاحة بالنظام السوري، حتى ظهرت أوّل تداعيات “الانقلاب الكبير” على الرقعة اللبنانية، في شقّها الرئاسي: انقلبت أدوار القوى السياسية،…

لعبة الـ65 تقلب السّحر على السّاحر؟

قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إنّه إذا توافرت له فرصة الحصول على 65 صوتاً في المجلس النيابي، فقد يترشّح لرئاسة الجمهورية. هذا ليس…