نائب من قماشة المغاوير، تتعثّر مخاطبته بـ”سعادة النائب”، أو بحضرة “العميد المتقاعد”. مظهره ومشيته ونظراته وحركاته لا تشي إلا بأنّه مغوار وقائد سابق لفوج المغاوير، وأنّ اللقب الوحيد الذي يليق به هو “جنرال”، وهو الأحبّ إلى قلبه.
إنّه الجنرال شامل روكز، نائب كسروان وجبيل، وصهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووالد حفيديْه جاد وعماد. لعلّه الصهر الأقرب إلى قلوب الناس والأبعد من جوّ “قصر بعبدا” العائلي، باستثناء العلاقة مع “فخامة الرئيس” الذي يستقبل روكز ويحادثه بلا مفاتحته بأيّ موضوع خلافيّ في السياسة، وخصوصاً بعد تأييد روكز لثورة 17 تشرين وخروجه من تكتّل “لبنان القوي”.
أمّا التواصل مع “عديله” نائب البترون جبران باسيل فمقطوع منذ زمن طويل، فلا جوامع مشتركة تجمع الرجلين. باسيل معتاد على استخدام كلّ الأعتدة السياسية الرائجة في لبنان من خِدَع وتسويات وتحايلات، وروكز مغوار حتى في السياسة، معتاد على المشي على حبل مشدود وبخطّ مستقيم.
كان لا بدّ لدخول روكز ابن قرية شاتين في تنورين إلى عقر الدار السياسي لباسيل ابن البترون أن يفجّر القنبلة الموقوتة بينهما التي بدأت بمواجهة باسيل لروكز في معركة ترشّحه لقيادة الجيش إثر تقاعده في عام 2015، وصولاً إلى حصاره في انتخابات عام 2018 في كسروان وجبيل، ومحاولته إسقاطه، وهذا ما لم يحدث، إذ نال روكز حاصلاً انتخابيّاً بلغ 7300 صوت تفضيليّ.
يقول لـ”أساس”: “كان من المتوقّع أن أنال أصواتاً أكثر، لكنّ الشغل الذي انشغل جعل الأمور تصل إلى ما وصلنا إليه”. في الأعوام الثلاثة الماضية، اشتغل روكز على الكثير من اقتراحات القوانين في المجلس النيابي، ووجّه أسئلة عدّة، منها ما يتعلّق بالإثراء غير المشروع وقانون السير. وقدّم اقتراح قانون معجّلاً مكرّراً يرمي إلى ضمان استمرارية منح القروض السكنية عبر المصارف اللبنانية، واقتراح قانون يتّصل باستقلالية القضاء، وحقوق الأشخاص المعوّقين، والتعويض عن التوقيف الاحتياطي، وقوانين تتعلّق بالمرأة والتلوّث البيئي وسواهما.
انفجرت التباينات مع النائب ورئيس تكتّل “لبنان القوي” جبران باسيل رسميّاً حين وجّه روكز سؤالاً للحكومة عن سبب عدم استخدام الغاز في تشغيل معامل الكهرباء عوضاً عن الفيول، قائلاً إنّ من شأن الاستعانة بالغاز أن يوفّر أكثر من مليار دولار سنوياً والكثير من التلوّث.
“بالنسبة إليّ، فإنّ الإجابة المقنعة على سؤال موجّه إلى الحكومة تمنح الوزير قوّة تعزِّز موقعه أو تملي عليه تغيير موقفه”. لكنّ السؤال أدّى إلى تطوّر الخلاف السياسي. وكان روكز بدأ يبدو له وكأنّ النواب أعضاء التكتّل “غير موجودين”، وأنّ القرارات تُتّخذ في مكان واحد، حينئذٍ “لم أشعر بأنّني مرتاح في هذا الجوّ”، فعقد مؤتمراً صحافياً في 20 أيار 2019، وحذّر من الوصول إلى ثورة شعبية. كان لا يزال في “تكتّل لبنان القوي”، لكنّه لا يحضر الاجتماعات. بقيت الأمور على ما هي عليه حتى 17 تشرين حين ترك التكتّل نهائياً، مؤيّداً الانتفاضة الشعبية التي يرفض التشكُّك فيها بشكل كامل. إذ يرى أنّ مطالب 17 تشرين “محقّة، وهي التي كان يحكي عنها الرئيس عون، وكان من المفترض أن يتمّ الاستماع إلى هؤلاء الناس، فهم ليسوا أصحاب مؤامرات، بل يعانون”. يقول بثقة: “نعم، أنا دعمت الثورة”. كيف فعل روكز ذلك وجزء كبير من هذه الثورة كان موجّهاً ضد عهد عون؟
يقول: “صارت الثورة وكأنّها موجّهة ضدّه حين خرجت تظاهرات مضادّة”.
نائب من قماشة المغاوير، تتعثّر مخاطبته بـ”سعادة النائب”، أو بحضرة “العميد المتقاعد”. مظهره ومشيته ونظراته وحركاته لا تشي إلا بأنّه مغوار وقائد سابق لفوج المغاوير، وأنّ اللقب الوحيد الذي يليق به هو “جنرال”، وهو الأحبّ إلى قلبه
هل سبّب ذلك إحراجاً لك لكونك صهره؟
– في أماكن معيّنة، فهنالك لياقات أحافظ عليها، لكنّني أقول كلّ ما أريد قوله.
هل زعل منك؟
– عندما ألتقيه لا يقول لي شيئاً.
وهل من علاقة مع باسيل؟
– لا، ولا لقاءات منذ زمن طويل.
كيف تخطّيت القطوع السياسي كي لا ينعكس على علاقتك بزوجتك كلودين ابنة الرئيس؟
– علاقتي بكلودين متينة جداً، وما حدث لم يؤدِّ إلى أيّة قطيعة مع أهلها. بدأت علاقتي بها عام 1990، وكانت في الصفوف الثانوية، ورأيتها في القصر في بعبدا، وبقيت العلاقة 5 أعوام، وكنت أسافر إلى فرنسا لأراها، ثمّ انفصلنا. وبعد عودة العماد عون في 2005 تجدّدت العلاقة، وتزوّجنا عام 2010، ولدينا جاد وعماد.
للمرّة الأولى يروي روكز في هذا “البورتريه” مع “أساس” تفاصيل غير معروفة من خدمته في الجيش والمعارك التي خاضها بين عاميْ 1983 و2015: من الحربين بقيادة العماد عون إلى معارك متفرّقة ونهر البارد وعبرا وحوادث 7 أيّار وعرسال…
وُلِد شامل روكز في 8 أيلول من عام 1958 في شاتين. كان والده رشيد روكز مزارعاً، ثمّ أصبح وكيل تعهّدات. والدته أليدا، ولديه شقيق مهندس وشقيقتان تعملان في مجال التربية. ترعرع في منطقة جرديّة تعلو 1650 متراً عن سطح البحر، لذا كانت العائلة تنتقل شتاءً إلى مدينة جبيل، حيث تعلّم روكز في مدارسها “السان جورج” و”راهبات الوردية” و”الثانوية” و”الإخوة المريميين”. “نشأتُ في منطقة جرديّة، حيث الطبيعة قاسية، وفي بيت تسوده حياة التقشّف والقساوة”.
أنهى الدراسة الثانوية في جبيل، وبدأ تخصّصه في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية في جلّ الديب. بعد عامين التحق بالمدرسة الحربية تلميذاً ضابطاً، فانخرط في المؤسسة العسكرية وهو في الـ22 من العمر، في عام 1980.
أحبّ الجيش مذ كان على مقاعد مدرسة “الإخوة المريميين” في جبيل، حين زارها فوج المغاوير وقدّم عرضاً للأطفال سَحَر عقل الطفل شامل. “كان جسمي رفيعاً ورياضيّاً منذ نشأتي. بعد مشاهدتي المغاوير وعرضهم على الحبال “ركبت براسي” أن أنخرط في الجيش وأكون مغواراً”.
أنهى المدرسة الحربية في عام 1983، وتمّ تشكيله إلى وحدات خاصة (قبل تأسيس فوج المغاوير الجديد) تُسمّى “الكتائب المجوقلة” التي يدرّبها الأميركيون، ومقرّها على طريق المطار.
شارك في عمليات نوعيّة في الجيش اللبناني إلى حين أُعيد تأسيس فوج المغاوير في عام 1984، فنُقِل روكز من اللواء العاشر إلى فوج المغاوير الجديد وكان ملازماً. أُسِّس فوج المغاوير في عام 1969، ثمّ جُمِّد عمله إثر اندلاع الحوادث اللبنانية في عام 1975. وكان أسّسه اللواء الركن الراحل محمود طي أبو ضرغم. تميّز روكز بأنّه كان رياضيّاً مميّزاً، ولا سيّما في الجري والرياضات العسكرية. التحق بأوّل دورة مغاوير في عام 1985، وهي الدورة التاسعة بعد إعادة التأسيس. وشارك في الحروب المتتالية بين 1983 و2015 تاريخ مغادرته الجيش.
شهد الحروب التي وقعت منذ نهاية الثمانينيات: حرب التحرير والحرب بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية في زمن قيادة العماد ميشال عون الذي كان رئيساً للحكومة الانتقالية. كان برتبة ملازم أوّل ثمّ نقيب، وحارب في كلّ الجبهات، وشارك في عمليات خاصة، واستشهد معه الكثير من الرفاق، وكانت فترة قاسية جداً انتهت بـ13 تشرين حين خرج العماد ميشال عون من قصر بعبدا تحت نيران المدفعيّة السورية. وكانت ثكنة المغاوير في ضهر الصوان بقيادة روكز هي الوحيدة التي لم تستسلم. “بقينا نقاتل طوال الوقت، وأذكر أنّ العماد إميل لحود الذي تسلّم قيادة الجيش آنذاك كلّمني 3 مرّات على الهاتف، فقلت له إنّني فهمت أنّه تولّى الإمرة، لكن لا يمكن تسليم الثكنة للسوريين بل للجيش اللبناني. فأرسل إليّ لحود 3 ضباط هم سهيل خوري ووليم مجلّي وفؤاد خوري، وأوقفنا المعارك على هذا الأساس”. يقول: “لو لم أستمرّ بخوض المعارك لكان دخل السوريون الثكنة، وقتلوني وأخذوا العسكر المقاتلين معي”.
كان للقتال ضد القوات اللبنانية طعم مرير: “كان الوضع صعباً ومؤذياً. فالأحياء متداخلة، والناس ذوو ولاءات مختلفة. لم أكن أقاتل بخلفيّة حاقدة ولا من منطلق عداوة، بقدر ما كان الأمر الحفاظ على مؤسسات الدولة ودور الجيش. لكن حين تبدأ الاشتباكات وتتساقط الدماء تتّخذ الأمور منحى مغايراً تماماً كما حدث”.
في التسعينيّات، حدثت تحوّلات جديدة، ولا سيّما بعد 13 تشرين. “في تلك الفترة، بقيت في فوج المغاوير، وحدثت إشكالات عدّة. في أواخر حزيران تمّ تشكيلي إلى معهد التعليم لإبعادي عن المغاوير. في الأوّل من تموز 1990، طُلِب من فوج المغاوير التوجّه إلى شرق صيدا، حيث انتشر في القرى والبلدات المسيحية مسلّحون فلسطينيون. وأنا كنت متعلّقاً بالمغاوير وهم كذلك، فطلبت منّي القيادة مرافقتهم، فتوجّهت إلى هناك واستطلعت المنطقة، مع حافز للإثبات مجدّداً أنّ “المغاوير غير شكل” ولا يمكن الاستغناء عنهم في الإطار الكبير للجيش. في شرق صيدا، حسمنا المعارك في يوم واحد من منطقة مجدليون حتى عين المير. أذكر أنّ الجنرال لحود جمعنا وقتها عند نهر الأوّلي بعد انتهاء المهمّة، وقال أمام العسكر جميعهم إنّ “ثمّة أشخاصاً يُعطَون مواقعهم وآخرين يفرضون أنفسهم فرضاً”، وسمّاني بالاسم، وقال “من هؤلاء شامل روكز”، ثمّ أعادني إلى فوج المغاوير. وهو لم يكن يعلم بوجودي بصيدا، لكنّه سمع صوتي على الجهاز، ولمّا سأل قيل له إنّ شامل روكز جاء مع العسكر”. بعد عام ونصف عام في المغاوير وقعت إشكالات عدّة مع السوريين، فأعاد العماد لحود تشكيله في المكافحة في مديرية الاستخبارات، فمكث عاماً ونصف عام، ثمّ أُعيد تشكيله من أجل تأسيس خدمة العلم مع العميد ميشال أبو رزق في عام 1993.
تسلّم شامل روكز قيادة فوج المغاوير في عام 2008، وكان أُعيد إلى الفوج في عام 2000. قام بدورة أركان في لبنان وبعدّة دورات في الخارج. كان قائد كتيبة مرّتين في 2004، وتشكّل في عام 2005 كمساعد قائد فوج المغاوير. وشهد حرب 2006 ضدّ إسرائيل، وكان مساعد قائد فوج المغاوير، فانقسم الفوج بين جبل الباروك وبين الجنوب. وشارك في عام 2007 في حماية السراي الحكومي إبّان الاعتصامات التي حاصرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. “وأذكر أنّني بقيت في منزل “بري فابريكي” إلى جوار منزل النائب نهاد المشنوق، حيث مكث فوج المغاوير. بقينا هنالك حتى 20 أيار 2007، حين تمّ الاتّصال بي عند الساعة الواحدة فجراً للتوجّه فوراً إلى مخيم نهر البارد الذي شهد عملية ضد الجيش اللبناني، وكنت يومئذ في اللقلوق. فتوجّهت إلى المنطقة، وكنت من أوائل الواصلين مع طلائع الجيش، وكان الوضع قاسياً، إذ وقعت خسائر في اللواء الخامس في اشتباكات مع فتح الإسلام التي يقودها شاكر العبسي.
إقرأ أيضاً: تجربة زينة عكر (2/2): العرب حضن الجيش… والسفراء مظلومون
عرفنا أنّ قرابة 30 شهيداً من الجيش اللبناني سقطوا في منطقة المحمّرة، منهم الضابطان بو غزالة وعسكر. بدأنا المعارك، وتسلّمنا الجبهة، واستمرّت المعارك من 20 أيار إلى 2 أيلول 2007، أي 100 يوم في نهر البارد. كانت تجربة صعبة جداً فقدنا فيها الكثير من العسكر، وقد بلغ عددهم 172 شهيداً بين ضبّاط وعسكريّين. لم يكن المستوى التدريبي بعد متقدّماً، إذ لم يكن التدريب صحيحاً بشكل عامّ في الجيش في ذلك الوقت، وكان السلاح غير متطوّر، والذخيرة قليلة. كنّا نوفّر ونقتصد في استخدامها. كان مدير العمليات اللواء الشهيد فرانسوا الحاج يطلّ علينا في غالبيّة الأحيان، ويمدّنا بالمعنويّات. أجرينا تجارب عدّة، منها كيف نرمي القنابل من طائرات “الهوكر هانتر” مستفيدين من الجاذبية. باختصار، هي أمور تقليدية جدّاً في حرب شاقّة. فقد كان مخيّم نهر البارد طبقات تحت الأرض بلا طرقات، والممرّات متشابكة بين المنازل وأشبه بمتاهات. كان الطرف الآخر يقاتل بسلاحه من تحت الأرض، إذ كان المخيّم مجهّزاً لمحاربة إسرائيل. كنّا نفتح طرقات بالجرافات… فضلاً عن القصف العسكري من بعيد. لذا دفع الجيش ثمناً باهظاً جدّاً، لكن بالنسبة إليّ كانت تجربة مهمّة جدّاً، وصعبة وقاسية، ولكنّنا ربحناها بفضل إصرارنا. ولا أقصد ضدّ الفلسطينيين، بل ضدّ المجموعات الإرهابية، ولا شيء سيوقفنا أو يمنعنا من إنهاء هذا الموضوع. بعد الانتهاء من معارك نهر البارد، عدنا إلى الثكنة في رومية وسط مهرجان شعبي. أظهرت تجربة حرب مخيّم نهر البارد مدى الالتفاف الشعبي حول الجيش اللبناني لأنّه في كلّ فترة الحرب كانت قرى الشمال وعكّار تزوِّد العسكر يوميّاً بالطعام، في روح تضامنيّة استثنائية على الرغم من الشهداء الذين سقطوا في هذه القرى”.