لا يمكن تخيّل سيناريو توقيف رئيس الحكومة السابق حسان دياب في مطار بيروت لحظة عودته من الولايات المتحدة الأميركية إنفاذاً لمذكّرة الإحضار التي سطّرها بحقّه المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، للمرّة الثانية في غضون أقلّ من شهر، والتي حدّدت العشرين من أيلول موعداً لمثوله أمام القضاء.
في مسار التحقيقات القضائية في القضيّة، سوابق عدّة، وعلى أكثر من مستوى، لكنّ أكثرها إثارةً هي “ملاحقة” رئيس حكومة حاليّ ودعوته إلى المثول مدّعىً عليه أمام المحقّق العدلي في جريمة العصر، ثمّ تحوُّله لاحقاً إلى رئيس حكومة سابق سقطت عنه كلّ الحصانات، كما يرى قانونيّون.
مصادر قانونية بارزة لـ”أساس”: “تختلف مذكّرة الإحضار عن بلاغ البحث والتحرّي ومذكّرة التوقيف. وهي لا تُعمَّم على الأجهزة، بل تتعلّق بموعد جلسة محدّد، وتتضمّن تكليفاً بإحضار المدّعى عليه إلى دائرة التحقيق قبل 24 ساعة من الجلسة
وقد كرّر البيطار إصدار مذكّرة الإحضار بحقّ دياب للاستماع إلى إفادته في القضية بسبب تغيير مكان إقامته من السراي الحكومي إلى منزله في تلّة الخياط.
وجود دياب حاليّاً في الولايات المتحدة الأميركية، بتأكيد القريبين منه، لا علاقة له من قريب أو بعيد بقضيّة المرفأ. وإذا كان مِن تصريح علنيّ على لسان دياب يؤكّد نيّته زيارة أميركا فور تشكيل الحكومة “لرؤية ولديْه بعد فترة انقطاع طويلة عنهما”، إلا أنّ التساؤلات بقيت قائمة عن حقيقة هذه الخطوة وتشكيلها المدخل ولتخلّف عن الحضور أمام المحقّق العدلي، الأمر الذي يمكن أن يقود الأخير إلى إصدار مذكّرة توقيف غيابيّة بحقّه في سابقة لم يعرفها تاريخ لبنان القديم والحديث.
لكنّ القريبين من دياب يجزمون أنّه “سيحضر فور انتهاء زيارته. وأمّا المقاربة القانونية للاستدعاء فستُستكمل ضمن إطارها الدستوري والقانوني. هذا وضمير دياب مرتاح، فليس عليه أيّ مسؤولية، لكن كان يُفترض بالمحقّق العدلي أن يراعي أحكام الدستور”.
وبعدما تضاربت المعلومات عن إحالة المحامي العامّ التمييزي القاضي غسان الخوري مذكّرة الإحضار الثانية على قوى الأمن الداخلي للتنفيذ، بعدما تمنّع في السابق معتبراً أنّ الملاحقة من صلاحيّة مجلس النواب الذي كان وَضَع يده على الملفّ سالكاً مسار المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وفقاً للمادّتين 70 و71 من الدستور… تبيّن أن لا إحالة للمذكّرة. لكنّ رأي النيابة العامّة التمييزية هذه المرّة قد يختلف عن الإحالة الأولى لكون دياب بات رئيساً سابقاً للحكومة.
وتقول مصادر قانونية بارزة لـ”أساس”: “تختلف مذكّرة الإحضار عن بلاغ البحث والتحرّي ومذكّرة التوقيف. وهي لا تُعمَّم على الأجهزة، بل تتعلّق بموعد جلسة محدّد، وتتضمّن تكليفاً بإحضار المدّعى عليه إلى دائرة التحقيق قبل 24 ساعة من الجلسة. وهذا يعني أنّ مذكّرة الإحضار يجب أن تُنفَّذ في 19 الشهر ما دام موعد الجلسة قد حُدِّد في 20 أيلول. وإذا تعذّر الإحضار لأيّ سبب (عدم العثور على الشخص المعنيّ أو السفر أو المرض…) تُعاد مذكّرة الإحضار إلى قاضي التحقيق مع شرح حيثيّات تعذّر تنفيذها. عندئذٍ يقرّر قاضي التحقيق إمّا إصدار مذكّرة إحضار جديدة أو تعيين موعد جلسة جديد. وفي هذه الحال أيضاً لا تُعمَّم المذكّرة على النشرة”.
تبدو مقاربة القاضي البيطار لملفّ استدعاء دياب إلى التحقيق مرتبطة بمسار أكبر يشمل تعاطيه مع ملفّ ملاحقة النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق والوزير السابق يوسف فنيانوس، وقادة أمنيّين حاليّين وسابقين
وتضيف المصادر ردّاً على احتمال بقاء دياب خارج لبنان: “إذا اعتبر المحقّق العدلي أنّ المدّعى عليه توارى عن الأنظار، فيمكن أن يُصدِر مذكّرة توقيف غيابيّة بحقّه، ويتمّ آنذاك تعميمها على الأجهزة الأمنيّة، ومن ضمنها تلك العاملة في المطار”.
والخيار الأخير، وفق المصادر، وإن كان ممكناً ويخضع لتقدير المحقّق العدلي، إلا أنّه مستبعد لأنّ الرئيس دياب عند سفره لم يكن ممنوعاً من السفر أو مطلوباً، ولم يكن قد أُبلِغَ وفق الأصول بموعد الجلسة حتّى يصحّ اعتباره متوارياً عن الأنظار وإصدار مذكّرة تحقيق غيابيّة بحقّه.
ولأنّ دياب، وفق تأكيده، لم يتبلّغ مذكّرة الإحضار، فلا شيء قانوناً كان يمنع سفره. ومرّة جديدة تُرمى الكرة في ملعب القاضي البيطار الذي بدأ يلامس الخطوط الحمر بإصداره مذكّرات توقيف بحقّ موظّفين وغير موظّفين في المرفأ، وأخرى قد تطول ضبّاطاً كباراً. وفي القانون لا شيء سيمنعه من إصدار مذكّرة توقيف بحقّ دياب إذا استنفد كلّ طرق إحضاره أمام القضاء.
هذا في الشقّ القانوني. أمّا في السياسة فما دام حسان دياب موجوداً خارج لبنان، لمدّة شهر كما قال، فلن يتحرّك نادي رؤساء الحكومات السابقين لتقديم الدعم والمؤازرة، ولا سيّما أنّ أحد أعضائه بات رئيساً للحكومة فضلاً عن المفتي دريان.
لكن من المؤكّد أنّ “النادي” لن يلتزم الصمت حين يُحشَر الرئيس دياب أكثر في زاوية الاستجابة لمسار التحقيق، ليس “محبّة” بحسّان دياب والدفاع التنظيري عن موقع الرئاسة الثالثة فقط، بل في إطار الدفاع الاستباقي عن النفس.
فعمليّاً، باخرة نيترات الأمونيوم وصلت إلى لبنان عام 2013 في آخر أيام حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، وفرّغت حمولتها خلال مرحلة تولّي تمّام سلام رئاسة الحكومة، وبقيت مخزّنة لسنوات في العنبر رقم 12 خلال ولاية الرئيس سعد الحريري. وحتى الآن لا تتوافر بين يدي المحقّق العدلي قصاصة ورق تدلّ على علم أيٍّ من هؤلاء بوجود نيترات الأمونيوم إلا الرئيس سلام. مع ذلك، لا يزال التحقيق مفتوحاً، وكلّ الاحتمالات واردة.
لم تُعرَف حتّى الآن الصيغة التي ستُعتمد في البيان الوزاري في ما يتعلّق بقضية انفجار المرفأ، وكيفيّة مقاربة دور القضاء العدلي فيها.
لقد كانت كتلة ميقاتي من ضمن مجموعة النواب الذين صوّتوا على اقتراح تعليق العمل ببعض موادّ الدستور والقانون بهدف رفع الحصانات عن الجميع من رئيس الجمهورية ونزولاً. ولذلك يَطرح متابعون تساؤلات عن التزام البيان الوزاري بطلب تسهيل التحقيق عبر إعطاء الأذونات بالملاحقة، التي حُجِبت في السابق عن قادة أمنيّين.
إقرأ أيضاً: البيطار يصعّد في الإعلام.. ويهدّد دياب بالتوقيف
وتبدو مقاربة القاضي البيطار لملفّ استدعاء دياب إلى التحقيق مرتبطة بمسار أكبر يشمل تعاطيه مع ملفّ ملاحقة النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق والوزير السابق يوسف فنيانوس (الذي يُفترض أن يمثل اليوم أمام المحقّق العدلي)، وقادة أمنيّين حاليّين وسابقين.
ولم يُعرَف بعد إذا كان تشكيل حكومة جديدة سيدفع البيطار إلى إعادة طلب الإذن بملاحقة القادة الأمنيّين والوزراء السابقين.