في الأيام الماضية سُجِّل تطوّر أمنيّ يشير إلى مدى خطورة ما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية، ويُصنَّف في خانة تحميل القوى السياسية المزيد من المسؤوليّات والاتّهام المباشر بتكريس الفوضى وحكم “كل من إيدو إلو”.
فقد تعرَّضت قوافل عسكرية من الجيش والقوى الأمنيّة كانت تؤمّن مسار وصول صهاريج المازوت إلى وجهتها المحدّدة في حولا وعكار لـ”هجوم الأهالي” بعد قطع الطريق واستيلاء المهاجمين على عدد من الصهاريج ودفع القوى المولجة بحمايتها إلى التراجع وترك “الحمولة” من المازوت رهينة “تصرّف” عشرات من المحتجّين الذين لم يعُد لديهم أيّ شيء يخسرونه، إلى حدّ الموت من أجل تنكة مازوت، كما حصل في أماكن كثيرة حول لبنان.
هكذا يجرؤ مدنيّون عُزّل على “السطو” على الصهاريج في ظلّ مواكبة أمنيّة، أقرّها اجتماع السراي الحكومي، وهي لم تكن متوافرة سابقاً حين كان يقوم بعض قطّاع الطرق ومجموعة عصابات بالأمر نفسه، لكن لغايات تتجاوز معاناة العتمة، وتأتي تنفيذاً لأجندات مناطقية وسياسية.
تفيد المعلومات بأنّ مازوت الباخرة الإيرانية الأولى، التي ستصل خلال أيام قليلة إلى مرفأ بانياس، سيُوزَّع مجّاناً. ولاحقاً، تسجّل الشركات الراغبة بالحصول على المازوت اسمها، فتنتقل صهاريجها إلى البقاع للتزوّد بالمازوت أو البنزين وتدفع ثمنها
يسلّم أمنيّون بخطورة هذه الحوادث التي تؤسّس لـ”فوضى شاملة”، خصوصاً مع صعوبة استخدام السلاح أو القوة مع مجموعات من الناس “الجائعة والمقهورة والمخنوقة”، فيكون الحلّ الأسلم هو الانسحاب خوفاً من إراقة نقطة دم واحدة لا يستطيع أيّ ضابط تحمّل مسؤوليّتها.
مع اعترافٍ واضحٍ من جانب هؤلاء: “نحن القوى الأمنيّة نقوم بما علينا من ضبط المازوت والبنزين المخزّن، ونتولّى “تصريفهما” وفق أولويّات تحدّد الجهات المستفيدة كالمستشفيات والأفران والمدارس وقطاعات أساسيّة لها بُعْدها الإنساني والخدماتي… أمّا الأموال التي تُقبَض، وفق السعر المدعوم، فتصبح في عهدة القضاء صاحب السلطة بالتصرّف بها. هذه “مش شغلتنا”، لكنّنا نغطّي فعليّاً عجز الدولة المفضوح عن القيام بواجباتها، ثمّ يأتي مَن يتّهمنا بـ”الفتح على حسابنا” أو التقصير في حماية الصهاريج أثناء انتقالها بين المناطق، فيما لا نستطيع أبداً التصادم مع الناس التي تشعر إمّا بالتمييز في توزيع المحروقات بين المناطق، وهذا الأمر يستنفر العصبيّات المذهبية والطائفية، وإمّا بأنّ الدولة تتآمر ضدّها”.
تماسيح تأليف الحكومة
مع ذلك، لا يحرِّك مشهدٌ كهذا ساكناً في “تماسيح” تأليف الحكومة. فمنذ أكثر من عام، لم تنفع الضغوطات الدولية، ولا الوساطات المحلية، وآخِرتها وساطة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولا أنين اللبنانيين الذين يتعرّضون لأبشع تنكيل “وموت على البطيء” في تاريخهم الحديث، في دفع أولياء الأمر في الجمهورية “المنهارة” إلى التوافق على حكومة تمهّد لوصول أوكسيجين المساعدات إلى لبنان.
وبعد شهر وعشرة أيام من تكليف الرئيس نجيب ميقاتي ها هي الشروط المعرقِلة تتوالى، ويزداد منسوب الاحتقان السياسي، وتُفرَّخ العِقَد بما يؤسّس لمزيد من التأزّم، و”يَلطي” لكلّ انفراجة حكومية “مشروع مشكل” يتكفّل بنسف أجواء أيّ تقدّم في لحظة.
خلال ماراتونه الصعب لتأليف حكومة واجهت ميقاتي أزمةُ “الباخرة الإيرانية” وتَعهُّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بوصول نفط طهران إلى الموانئ اللبنانية في ظلّ عقوبات واشنطن على الجمهورية الإيرانية، وضغطها المتزايد على لبنان.
لم يتردّد الرئيس المكلّف لحظةً في التواصل مع حزب الله وقول الأمور كما هي: “تريدون استقبال لبنان الباخرة الإيرانية. هذا يعني أنّكم لا تريدون أن أشكِّل حكومة. أنا ما بحملها”.
وفق المعلومات، تفهّم حزب الله دقّة اللحظة وتأثير هذا المشهد على مصير الحكومة، فأتى القرار بأن تكون الوجهة سوريا، ثمّ يُنقَل مخزون المازوت إلى البقاع ليُفرَّغ في خزّانات تُهيّأ حالياً، ثمّ تُنقَل الشحنات في الصهاريج إلى وجهتها المحدّدة سلفاً.
وتفيد المعلومات بأنّ مازوت الباخرة الإيرانية الأولى، التي ستصل خلال أيام قليلة إلى مرفأ بانياس، سيُوزَّع مجّاناً. ولاحقاً، تسجّل الشركات الراغبة بالحصول على المازوت اسمها، فتنتقل صهاريجها إلى البقاع للتزوّد بالمازوت أو البنزين وتدفع ثمنها.
لكن “يا محلا” أزمة الباخرة الإيرانية أمام الأزمات المتفرّعة عن تأليف حكومة، وما أكثرها…
وفق المعلومات، ليس التطاحن قائماً على اسم وزير الاقتصاد فقط، بل وعلى اسميْ وزيريْ الطاقة والشؤون الاجتماعية، والأسماء المسيحيّة الثلاثة التي يرفض عون أن تخرج من تحت عباءة تأثيره
على الرغم من غطاء التكليف الذي منحه سعد الحريري لميقاتي، ارتفعت سريعاً سواتر خفض منسوب الثقة بين الطرفين. هو واقعٌ لا يعترف به الطرفان، لكنّ بعبدا “تفعلها”: “الحريري يريد الإطاحة بميقاتي، وميقاتي لن يرضخ بسهولة”.
الحريري يعرقل؟
أحد الأمثلة على فقدان الثقة عقدةُ اسم وزير الداخلية.
وفق مطّلعين، اقترح ميقاتي اسم القاضي هاني حلمي الحجار وزيراً للداخلية في أول تشكيلة قدّمها لرئيس الجمهورية بالتنسيق مع سعد الحريري، ثمّ شطب الرئيس المكلّف اسم القاضي الحجار من باقة الاقتراحات التي طرحها لاحقاً، مبلّغاً الحريري رفض رئيس الجمهورية الاسم.
لكن تبيّن لاحقاً لرئيس تيار المستقبل أنّ ميقاتي كان يناور، فعون طالبَ في ذاك الاجتماع بتغيير صيغة النقاش، رافضاً طريقة ميقاتي في تقديم التشكيلة مع الأسماء، ولم يرفض الاسم بحدّ ذاته.
يذهب بعض المطّلعين القريبين من بعبدا إلى حدّ اتّهام ميقاتي بتنفيذ مناورة “بوجهين”، عبر طرحه اسم القاضي الحجار بما يرضي المحيط السنّيّ الداخلي والخارجي، ثمّ يمرّر رسالة إيجابية لحزب الله بالتراجع عن هذا الاسم بعد رفضه من قبل مرجعية أمنيّة قريبة من الحزب. أمّا طرح ميقاتي اسم القاضي بسام المولوي (من طرابلس) فيدرك الحريري أنّه “شغل انتخابي” محض يصبّ مباشرة في مصلحة الرئيس المكلّف.
لا يتوقّف الأمر عند “خلخلة” الثقة بين الحريري وميقاتي. فالفيتوات في شأن الأسماء بلغت مدىً غير مسبوق بهدف عرقلة تشكيل حكومة، ووصل الأمر إلى حدّ رفض اسم وزير اقترحه رئيس الجمهورية لحقيبة وازنة ومؤثّرة “بسبب صيته” في “قضية آداب”… فطار الاسم.
وفق المعلومات، ليس التطاحن قائماً على اسم وزير الاقتصاد فقط، بل وعلى اسميْ وزيريْ الطاقة والشؤون الاجتماعية، والأسماء المسيحيّة الثلاثة التي يرفض عون أن تخرج من تحت عباءة تأثيره.
واُستُفِزّ رئيس الجمهورية بشكل كبير بعد الفيتو الذي طرحه الرئيس نبيه بري بوجه مروان أبو فاضل، الذي اختارته بعبدا نائباً لرئيس الحكومة، وذلك “لأنّه عونيّ”، فاختار ميقاتي تماشياً مع رغبة بري القوميّ السوريّ سعادة الشامي. وعلى الرغم من مؤهّلاته وقدرته على مفاوضة صندوق النقد الدولي، إلا أنّ عون اعتبر أنّها رسالة سلبية ضدّه. أمّا تسمية القاضي هنري خوري لحقيبة العدل فتلقى رفضاً من ميقاتي وبرّي والحريري.
إقرأ أيضاً: حكومة ميقاتي… “على متن” ناقلة النفط الإيرانيّة
بعد حرب البيانات أوحت “رسائل” ليل الخميس بليونة على خط بعبدا – بلاتينوم (مقرّ إقامة الرئيس ميقاتي). لكنّ العلاقة بين عون وجبران باسيل، وبين ميقاتي، تنحو باتجاه مزيد من السلبية في وقت يؤكّد الرئيس المكلّف أمام بعض الوسطاء: “لن أصعد إلى بعبدا إلا إذا “في حكومة”. غير هيك لن ألتقي رئيس الجمهورية”.
أمّا الأخير فتجزم أوساطه: “ميقاتي يلعب ضدّنا، وحتّى ضدّ الحريري، لكنّ مصلحتهما مشتركة بتكبيل رئيس الجمهورية داخل الحكومة، وهذا ما لن نسمح به”.