البطاقة التمويليّة نامت مجدّداً بانتظار الاستثمار الانتخابيّ

مدة القراءة 5 د

في الشكل، تقول اللجنة الوزاريّة المفوّضة وضع خطة البطاقة التمويليّة إنّها أنجزت في بداية هذا الأسبوع الخطوط العريضة للخطة، تطبيقاً للقانون الذي أصدره المجلس النيابي لهذه الغاية، من خلال تحديد مصادر التمويل وآليّات توزيع البطاقة وشروط توزيعها. لكن من الناحية العملية، وما إن يتمحّص المرء في ما تم إقراره في اللجنة، حتّى يتبيّن أنّ المشروع بأسره سينام لأشهر طويلة من اليوم. أمّا الإشكاليّة الكبرى فهي كيفيّة الدخول في مسار رفع الدعم عن المحروقات، خصوصاً أنّ مصادر وزارة الطاقة والمياه تشير إلى أنّ هذا القرار بات وشيكاً، في حين أنّ دياب لا يزال يصرّ على ربط رفع الدعم بإطلاق البطاقة التمويليّة، التي يبدو أنّ هناك قراراً سياسياً بتأجيل إطلاقها بانتظار اقتراب استحقاق الانتخابات النيابيّة لتوظيفها في حملات الأحزاب السياسيّة.

قرّرت اللجنة اعتماد لوائح جديدة وخاصّة للمستفيدين من البطاقة، بدل اعتماد اللوائح الموجودة والمعدّة سابقاً، وهو ما سيعني الدخول في مسار طويل سيحتاج إلى أشهر طويلة لاستيعاب الداتا الجديدة

وفقاً لآخر مقرّرات اللجنة، سيكون على الحكومة تأمين نصف التمويل المطلوب للبطاقة من خلال التفاهم مع البنك الدولي على إعادة تخصيص قروض سابقة غير مستعملة. لكنّ مصادر عدّة تشير لـ”أساس” إلى أنّ هذه المسألة ستكون متعذّرة قبل الدخول في مسار طويل من المفاوضات مع خبراء البنك الدولي، قد يمتدّ لأشهر، للتفاهم على آليّات توزيع البطاقة والضوابط الرقابيّة التي ستحكم ذلك، خصوصاً أنّ البنك الدولي يملك معايير متشدّدة لتقديم أيّ تمويل لهذا النوع من المشاريع. وأمّا الآليّات، التي تمّ الاتفاق عليها لمراقبة توزيع المساعدات، فلا تتناسب مطلقاً مع البنك الدولي. ولذلك ستحتاج الحكومة لاحقاً إلى تعديلها لتتناسب مع شروطه.

النصف الآخر من التمويل سيكون من أموال صندوق النقد التي سيُعاد تخصيصها من حقوق السحب الخاصّة. وفي هذا الإطار، تراهن اللجنة الوزاريّة على استخدام 300 مليون دولار لهذه الغاية من أصل نحو 860 مليون دولار سيستفيد منها لبنان من حقوق السحب. لكن عملياً من المفترض أن ينتظر لبنان حتّى بداية شهر أيلول للحصول على حقوق السحب هذه بعد إنجاز الإجراءات البيروقراطيّة في صندوق النقد، على أن يحتاج لاحقاً إلى عدّة أسابيع لتسييل حقوق السحب هذه وتحويلها إلى حساب الخزينة في مصرف لبنان.

وحتّى بعد إنجاز هذا الأمر، لا يوجد ما يكفل تأمين الإجماع السياسي لاستخدام المبلغ على النحو الذي تراهن عليه حكومة تصريف الأعمال واللجنة الوزاريّة، خصوصاً أنّ المسألة ستحتاج إلى تفاهم واسع النطاق بين كلّ من وزارة المال والمجلس النيابي ومصرف لبنان. يُشار إلى أنّ ثمّة توجّهاً داخل مجلس النوّاب يؤيّده رئيس المجلس لوضع تشريع خاص ينظّم استعمال هذه السيولة بالتحديد، ويحصر استخدامها ضمن إطار خطة نقديّة وماليّة شاملة. وبانتظار التفاهم على الخطة، والعمل على إجماع سياسي ينظّم إنفاق هذه الأموال، سيكون على الحكومة الانتظار قبل التمكّن من تبديد أموال حقوق السحب على البطاقة التمويليّة.

لا يبدو أنّ الحكومة تُعِدّ العدّة جدّيّاً لإطلاق مشروع البطاقة التمويليّة، وهو ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأنّ هذا المشروع مؤجّل عن قصد

في آليّات التنفيذ يجب على المشروع أن يعبر طريقاً طويلة وشائكة خلال الأشهر المقبلة. فاللجنة لم تحسم بعد العملة التي ستُسدَّد بها المبالغ في البطاقة، فيما يبدو أنّ هذه المسألة متروكة حالياً للسجال بين مصرف لبنان ووزارة المال ورئاسة الحكومة. ولا يزال حاكم المصرف المركزي يصرّ على تمويل البطاقة بالليرة اللبنانيّة حصراً، على أن يتمّ في المقابل إيداع العملة الصعبة المخصّصة للمشروع في احتياطات المصرف المركزي. ويبدو أنّ النقاش لم يأخذ بعين الاعتبار موقف البنك الدولي من المشروع، وهو الذي سيؤمّن نصف التمويل بحسب خطة اللجنة الوزاريّة. ومن المرجّح أن يصر البنك الدولي على سداد المبالغ للمستفيدين منها بنفس عملة القرض.

من ناحية التنفيذ أيضاً، قرّرت اللجنة اعتماد لوائح جديدة وخاصّة للمستفيدين من البطاقة، بدل اعتماد اللوائح الموجودة والمعدّة سابقاً لمشاريع أخرى، وهو ما سيعني الدخول في مسار طويل سيحتاج إلى أشهر طويلة لاستيعاب الداتا الجديدة وتنقيتها واستثناء العائلات التي لا يحقّ لها أن تستفيد من البطاقة.

ومن ناحية طريقة اختيار الأسر المستفيدة من المشروع، قرّرت اللجنة اعتماد معايير معيّنة تستثني الأسر الميسورة من الفئات المستفيدة، من خلال تتبّع مستوى دخل العائلة وحجم ودائعها المصرفيّة وعدد السيارات التي تملكها ووجود مدبّرة أو مساعدة منزليّة، بالإضافة إلى كلفة الإيجار المنزلي. ويبدو من الواضح أنّ المشروع سيواجه عقبات عديدة من ناحية قدرة القيّمين عليه من ربط داتا الطلبات بداتا الحسابات المصرفيّة ومصلحة تسجيل السيارات ووزارة العمل، بالإضافة إلى داتا عقود الإيجار المسجّلة لدى البلديات. أمّا التحدّي الأكبر فسيكون إمكان تتبّع الدخل الإجمالي للأسر في ظل ضعف أنظمة الضبط الضريبي لدى وزارة المال.

إقرأ أيضاً: البطاقة التمويليّة تتخبّط: خلافات… ولا تمويل

لكلّ هذه الأسباب، لا يبدو أنّ الحكومة تُعِدّ العدّة جدّيّاً لإطلاق مشروع البطاقة التمويليّة، وهو ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأنّ هذا المشروع مؤجّل عن قصد، إمّا بانتظار توظيفه لاحقاً في الحملات الانتخابيّة، أو بانتظار تشكيل حكومة جديدة تتحمّل عبء تطبيق هذه الخطة بكلّ تشعّباتها وعناصرها الخلافيّة. وفي الوقت الراهن، ستكون كلفة المراوحة في هذا الملف ارتطاماً اجتماعياً قاسياً، وخصوصاً مع استمرار التدهور في سعر الصرف وقيمة الأجور الشرائيّة، ورفع الدعم عن العديد من السلع الأساسيّة كالمواد الغذائيّة والمستلزمات الطبّيّة.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…