أرقام كورونا تسوء، وكلّ مؤشّرات الفيروس إلى ارتفاع (أرقام الإصابات اليوميّة، الوفيات، حالات الاستشفاء…). فقد سجّل لبنان يوم الأحد 5 حالات وفاة و1552 إصابة جديدة بالفيروس، رفعت العدد التراكمي للوفيات إلى 7932 حالة، والعدد الإجمالي للإصابات إلى 571650 إصابة منذ 21 شباط 2020.
وعلى وقع ارتفاع الإصابات وتخطّيها 1500 حالة يوميّاً، حذّر رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي من مأزق صحّي أكبر في أيلول. وأعلن وزير الصحة حمد حسن أنّه “إذا بقيت أرقام الإصابات بكورونا بهذه الوتيرة، فقد نصل للإقفال في نهاية أيلول”، مشيراً إلى أنّ “قرار إعادة الإقفال ليس لدى وزارة الصحة، والموضوع بعيد، ولكن قد نصل للإقفال إذا شغل المرضى 70% أو 75% من أسرّة العناية الفائقة”. وهو ما كان “أساس” قد أشار إليه في وقت سابق تحت عنوان “الإقفال الخامس في أيلول“.
وعدّد عراجي، في تغريدة له، الأزمات الصحية التي يعاني منها لبنان، فقال: “ارتفاع الإصابات اليومية بكورونا، النسبة الإيجابية فوق 6 في المئة، ازدياد مرضى العناية يوميّاً، إقفال معظم أقسام كورونا، هجرة الممرّضين والممرّضات، نقص الأدوية، انهيار الليرة، عدم تطبيق الإجراءات الوقائية، وخاصّة أنّ العدوى تنتقل من شخص إلى آخر في غضون 3 ثوانٍ مع المتحوِّل دلتا”.
دبيبو لـ”أساس” إنّ “المرحلة المقبلة ستكون حتماً صعبة ودقيقة، حيث بلغ عدد الملقّحين بجرعتين ما بين 21% و22%، وهي نسبة متدنّية مقارنة بكل الجهود المبذولة لتوفير اللقاحات وحملات التشجيع من ماراتونات وغيرها
الحال في لبنان ليس أفضل من دول أخرى وعظمى كالولايات المتحدة. فقد حذّر مدير المعاهد الوطنية للصحة الأميركية أمس من أنّ البلاد تفشل في مكافحة الوباء، مع تسجيلها أعلى حصيلة يومية من الإصابات بكورونا في ستة أشهر. وقال فرانسيس كولنز: “لم يكن ينبغي أن نصل إلى المكان الذي وصلنا إليه، نعم، نحن نفشل”.
ويبقى السؤال: لا كهرباء لماكينة الأوكسيجين، ولا دواء في الصيدليات، ولا أسرّة في المستشفيات، ولا أماكن في العناية المركّزة، والإصابات ترتفع بين الأطفال. فإلى أين ستتّجه الأمور؟
دبيْبو: المرحلة المقبلة صعبة ودقيقة
يقول رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو لجنة اللقاحات في منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، البروفسور غسان دبيبو لـ”أساس” إنّ “المرحلة المقبلة ستكون حتماً صعبة ودقيقة، حيث بلغ عدد الملقّحين بجرعتين ما بين 21% و22%، وهي نسبة متدنّية مقارنة بكل الجهود المبذولة لتوفير اللقاحات وحملات التشجيع من ماراتونات وغيرها، ولذا سنكون عالمياً ومحلّياً على موعد مع فترة عصيبة يحدّد معالمها متحوِّل دلتا باعتباره الطاغي بين المتحوِّلات الأخرى”.
ويضيف دبيبو: “لا بدّ من إسراع مختلف الفئات العمرية في تلقّي اللقاح من دون تردّد، إذ إنّه الوحيد الكفيل بحمايتنا من هذا الفيروس المتحوِّل. فإذا ترافقت جرعتا اللقاح مع تجاوب مناعي مقبول، يحظى الفرد بحماية متقدّمة، وفي حال تعرّضه للإصابة تكون العوارض طفيفة جدّاً وغير خطرة”.
وعن التوصية الأميركية بتطعيم الأولاد فوق 12 عاماً، يشرح دبيبو أنّ “المشكلة في بعض الدول عدم وجود كميّات كافية من اللقاحات لتطعيم كل الفئات العمرية، ولذلك حُدِّدت الأولوية للفئات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس. ولكن في حال العودة إلى المدارس حضورياً يُفضّل أن يلقّح الأولاد الذين هم فوق 12عاماً، لأنّ الوقاية أفضل حماية من الفيروس ومن التعرّض لخطر نقل العدوى. وقد أثبتت الدراسات أنّ اللقاحات فعّالة وآمنة لهذه الفئة العمرية، وتُعَدّ دراسات لِمَن هم فوق السنتين. ومن المتوقّع أن تصدر توصية بعد انتهاء الدراسات بإعطاء اللقاحات للأطفال حتى يتمكّنوا من الذهاب إلى المدرسة والحضانات من دون خوف. لذا كان التركيز على تطعيم الأطفال لتحصينهم، خصوصاً أنّنا نتوقّع استمرار تطوّر الفيروس، وأن يصبح أكثر فعّالية في الانتشار كما نشهد اليوم”.
ويتابع: “بحسب التقارير الأميركية الأخيرة، فقد ازداد عدد الإصابات بمتحوّر “دلتا”، خلال شهر تموز مقارنة بشهر حزيران، 5 أضعاف عند الأطفال. وهكذا قد يصبح الأطفال والفئات العمرية الصغيرة العامل الأساسي في انتشار الفيروس في المجتمع لأنّها غير ملقّحة وليس لديها مناعة. فيكون لدينا خزّان من صغار السنّ والمراهقين يوزِّع الفيروس، وخزّان آخر يتلقّى الضربات وعرضة لمضاعفات المتحوِّل الجديد الذي يستهدف الجهاز الهضمي”.
وعن الإقفال يقول: “الأعداد في تزايد مستمرّ، وسيأتي اليوم الذي سنضطرّ فيه إلى العودة إلى الإقفال والحظر العام لتخفيف الضغط على المستشفيات. ولكن للأسف، تجبرنا عدّة أسباب على عدم العودة إلى الإقفال، ولذلك كان التركيز على تلقيح أكبر عدد من السكان. باختصار البلد لا يحتمل الإقفال من الناحيتين الاقتصادية والمجتمعية، ولكن في الوقت نفسه لا يستطيع القطاع الاستشفائي تحمّل موجة كبيرة من الإصابات التي تحتاج إلى عناية فائقة، وذلك بسبب النقص في الكادرات الطبية، والمستلزمات الطبية، وانقطاع الأدوية والأوكسجين. وإذا ما قورنت كلّ هذه الأمور بما كانت عليه خلال الـ5 أو الـ6 أشهر الماضية يتبيّن لنا كم يصبح الواقع كارثياً أكثر فأكثر”.
إقرأ أيضاً: كورونا لبنان: الإقفال الخامس في أيلول؟
من جهتها، تؤكّد مصادر وزارة الصحة لـ”أساس” أنّنا عدنا إلى الوتيرة القديمة: “فعدد الأشخاص الذين هم بحاجة إلى مراكز العناية بدأ يزداد، ولم يبقَ إلا القليل القليل من الغرف، وعادت أقسام الطوارئ للاكتظاظ”.
وتضيف المصادر: “الجميع يعلم أنّنا في وضع أسوأ ممّا مضى على كلّ الأصعدة، أكان بالنسبة إلى المعدّات أم الأدوية أم العقاقير الطبية، فالأمر يزداد سوءاً مقارنة بالسنة الماضية”.
إذاً، أيّها المواطن، في حال أردت عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية، تذكّر أن لا كهرباء لماكينة الأوكسيجين، ولا دواء في الصيدليات، ولا أسرّة في المستشفيات، ولا أماكن في العناية المركّزة، وأيضاً فاتورة الاستشفاء أصبحت تكلّفك ثمناً باهظاً.