الانهيار بـ”كامل أوصافه”: الإمرة للفراغ

مدة القراءة 5 د

على الأرجح لم ينتبه الرئيس سعد الحريري، ولا فريقه الاستشاريّ، إلى التناقض الذي أوقَعَ رئيس تيار المستقبل نفسه فيه حين كان يخطو الخطوات الأخيرة نحو الاعتذار.

في الزيارة الأخيرة إلى القصر الجمهوري لتقديم تشكيلته الوزارية، أكّد الحريري في خطابه المقتضب التزامه بمندرجات المبادرة الفرنسية ومبادرة الرئيس نبيه بري.

فيما يتّهم نادي رؤساء الحكومات رئيس الجمهورية بسعيه إلى الفراغ، فإنّ مطلب الفراغ يشكّل أيضاً أولويّة لدى الحريري ومَن يدور في فلكه لكونه سيشكّل المرحلة النهائية في “سباق” إنهاء عهد ميشال عون

لكن في اليوم التالي الذي تلا اعتذاره عن عدم التأليف، وخلال مقابلته التلفزيونية، فسّر “انقلابه” على الاتفاق السابق وإدخاله تعديلات جوهرية على توزيعة الحقائب السيادية بالقول: “لقد سقطت مبادرة الرئيس برّي (قاصداً بأنّ ميشال عون فرّغها من مضمونها) فلماذا ألتزم بها؟”.

ليس في هذه السقطة سوى الدليل الإضافي على أنّ الحريري كان ينوي ترك حلبة التأليف بعدما “مَطّ” في قرار الاعتذار أشهراً عدّة، وأنّ التوقيت كان الأساس وليس القرار نفسه.

من أجل ذلك اختار إخراجاً تخلّلته أخطاء وسقطات. لكنّ هذا الانسحاب المتوقَّع لم يُكسِب العهد فعليّاً أيّ نقطة ما دام ميشال عون يعيش فترة الانحطاط الأقسى في ولايته، ويُفترض أن تتوَّج بالعقوبات الأوروبية، لكنّه أيضاً لم يُكسِب الحريري نقاطاً إضافية في رصيده الفارغ إلّا من قاعدة شعبية مُلتزمة “ابن الشهيد” لا تزال تدور معه كيفما بَرَم.

لكن حتى الحراك في الشارع الذي تلا اعتذاره، وشهد توتّرات ومواجهات مع الجيش في مناطق نفوذ تيار المستقبل، أثبت أنّ “نَفَسَه قصير” ومحدود الزمن وأشبه بـ”تسجيل موقف” إذا ما قورِن بحجم “ضربة” خروج الحريري من دائرة رؤساء الحكومات المحتملين حتى “إشعار” آخر قد لا يأتي إذا قُدِّر للتسويات في المنطقة أن تكون على حسابه.

وكي تكتمل معالم المصيبة يتلقّى الحريري الصفعة الأقوى، التي توازي رزمة من النكسات، ومنها سقوط حكومته عام 2011 يوم كان جالساً قبالة الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض، وهي الإطاحة بمرشّح تيار المستقبل في أهمّ معاقل التيار: نقابة المهندسين .

لا يقف الأمر، بالطبع، عند واقع خسارة معركة نقابية. موقعة بئر حسن الهندسية هي أخطر إنذار يتلقّاه الحريري منذ تقديمه استقالة حكومته في تشرين الأول 2019، وسيكون لها تأثيرات مباشرة على الاستعدادات لمعركته النيابية. تتوالى الخسارات، وأصعبها غياب الغطاء الغربي والسعودي، وتعزّز المسار الذي يشي بتفكّك منظومة متكاملة، والحريري “واحد منها”، وقد يكون أول من دشّن “رسميّاً” بدء سقوط أحجار الدومينو.

في الزيارة الأخيرة إلى القصر الجمهوري لتقديم تشكيلته الوزارية، أكّد الحريري في خطابه المقتضب التزامه بمندرجات المبادرة الفرنسية ومبادرة الرئيس نبيه بري

حالياً ينام الحريري على جانب واحد فقط يريحه… مؤقّتاً. لا أحد من نادي رؤساء الحكومات ستُحدَّد من أجله الاستشارات النيابية المُلزمة ليحمل تكليفاً يقوده إلى التأليف. ليس تعفّفاً ولا تضامناً مع “الشيخ سعد”، ولا التزاماً بسقف مطالبه، بقدر ما أنّ تمام سلام ونجيب ميقاتي، تحديداً، يفضّلان ولوج السراي مجدّداً “على نظيف”، لا وسط إعصار تشتدّ سرعته ساعة بساعة، ويكاد يطيح ليس فقط بمواعيد دستورية من تأليف الحكومة إلى الانتخابات النيابية فالرئاسية، بل النظام برمّته.

أمّا بقيّة المرشّحين فالحريري ليس بوارد تسمية أيّ أحد منهم، ومن بينهم نوّاف سلام الذي ينقل العارفون أنّ الحريري “لن يمشي به رغم كونه مرشّح الغرب. وموقفه حياله لم يتغيّر منذ استقالة حكومته قبل أقلّ من عامين، ويكفي أنّ العونيين بدأوا التسويق له (على الرغم من معارضة حزب الله حتى الآن).

وبدا لافتاً ما ورد على موقع “لبنان 24” المملوك من الرئيس نجيب ميقاتي من أن “لا أسماء فعليّة طُرِحت خلال فترة ما بعد الاعتذار، لكنّ الرئيس نبيه بري يميل بشكل واضح إلى اختيار شخصيّة لها وزنها السياسي وتحظى بقبول دولي. ويتّفق “حزب الله” معه على ضرورة حصولها على الغطاء السنّي”. وأشأر موقع “لبنان 24” إلى أنّ “أيّ شخصية سنّيّة، مهما كبر أو صغر حجمها السياسي، ليست قادرة على النزول تحت السقف السياسي والحكومي الذي وضعه الحريري، وهي ملزمة به”.

وفي هذا الموقف، الذي يتماهى مع موقف بيت الوسط، “تسكير للباب” على أيّ مرشّح، خصوصاً المرشّحين الذين تتسرّب أسماؤهم من داخل أروقة جبران باسيل. وفي الوقت نفسه، يتضمّن تظهيراً للموقف الشيعي المؤيّد لوصول شخصية ذات وزن سياسي، وهو ما ينطبق على شخصية كميقاتي… وصولاً إلى فيصل كرامي.

وفيما يتّهم نادي رؤساء الحكومات رئيس الجمهورية بسعيه إلى الفراغ، فإنّ مطلب الفراغ يشكّل أيضاً أولويّة لدى الحريري ومَن يدور في فلكه لكونه سيشكّل المرحلة النهائية في “سباق” إنهاء عهد ميشال عون، ولأنّ الحسابات الحكومية لأمثال الحريري وميقاتي تتركّز أكثر على مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية ونهاية ولاية عون وليس قبلها.

إقرأ أيضاً: الحريري لن يُسهِّل التكليف والفرنسيّون “يشتغلون” على البديل

كلّ ذلك، من دون أن يقود الحراك الفرنسي – الأميركي من جهة، والمصري من جهة أخرى، إلى أيّ خرق في جبل الانسداد الحكومي الذي يكرِّس الانهيار بـ”كامل أوصافه” إذا ما أُضيف إلى فقدان مقوِّمات الصمود الاجتماعي والمعيشي بحدّها الأدنى.

وسط هذا المشهد دعا رئيس الجمهورية إلى الاستشارات النيابية الملزمة يوم الإثنين المقبل، بعد عطلة عيد الأضحى، بعد أسبوع. وأسبوع هو وقت طويل في السياسة اللبنانية، يخلق خلالها الله ما لا تعلمون.

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…