على فرض أنّ الرئيس سعد الحريري يريد (بسبب الانتخابات وأوهامها) شراكة أهل السنّة الحقيقيّين الوطنيّين، وليس عُصَب من المُعدَمين الذين تستخدمهم جهات متنوّعة، فينبغي النظر في الأمور التالية:
1) الانطلاق إلى مشاوراتٍ واسعةٍ بالداخل والخارج، والإفادة من دروس التجارب، ومراجعة الأوضاع والخيارات للخروج بخطابٍ وطني جامع فيه النقد الذاتي، وفيه الرؤية التي كان الرئيس الحريري يعدّها لو صار رئيساً للحكومة، وفيها خطة “سيدر” التي كان جبران باسيل ضدّها مع أنّك أعطيتَ رُبعها للبترون والباسيليين وحدهم. وإلى ذلك ما هي قواعد الإصلاح المالي وفي الكهرباء وفي الاتصالات وفي المضيّ إلى صندوق النقد الدولي. لدى الحريري الخبراء، ولديه الأصدقاء، ولديه العلاقات التي طال إهمالها.
يكون الاعتذار انكساراً إذا عدنا إلى الاحتكام لإرادات الحزب المسلَّح وعون وباسيل. ونكون سائرين في الاتجاه الصحيح إذا أفدنا من دروس وتجارب السنوات الماضية المؤسفة
2) لقد اشتاق جمهور الشهيد رفيق الحريري إلى الخطاب الوطني، وإلى الحريرية الوطنية، وإلى الإيمان بلبنان ودولته ونظامه وثوابته وعيشه المشترك. وقد ضاع جزء مهمّ من المؤسسات ومن الدستور ومن الثقة في عهد عون وباسيل وفي عهد الرئيس الحريري. كان الوزير نهاد المشنوق يقول لي: “لا يجري شيء إلاّ بتوقيعنا”. وقد وقّع على كلّ شيء، من الوظائف العامّة إلى الجهاز الدبلوماسي والجهاز القضائي ونظام جلسات مجلس الوزراء، وإلى مخالفات الدستور، وقرارات مجلس الدفاع الأعلى، وقانون الانتخابات، وحرب الجرود، والعلاقات الخارجية.. إلخ إلخ. ينبغي أن تُراجَع كلُّها، فما نسيها المواطنون، ولا نسيها الذين تضرّروا منها، ولا نسيها العرب والدوليّون. من بين الصحابة الغارقين ليس أولئك الذين عاقبتهم الولايات المتحدة فقط، بل ومنهم، فيما يبدو، حاكم المصرف المركزي، وآخرون كثيرون ما انكشفت أسماؤهم بعد، لكنّك تعرفهم، والمثل يقول: “الوحدة خيرٌ من جليس السوء”. واللبنانيون يحبّون شجاعة الاعتراف، وفي عبارتنا الدينية: “التائب من الذنب كمَنْ لا ذنبَ له”. فالخطاب الوطني الجامع لا يبعث الأمل بكثرة الوعود، بل ويُشعر بالجدّيّة بنقد التجربة أو التجارب.
3) ما كان المواطنون اللبنانيون يحبّون الحديث كثيراً في السيادة خوفاً من التوتير مع القرباء والبعداء. لكنّهم موقنون بعد الانهيار الفظيع أنّ انتهاك السيادة يقع في أصل الكوارث النازلة، من الانهيار المالي إلى كارثة المرفأ والتهريب إلى سورية، ناهيك عن السيطرة على المرافق، وحماية الفاسدين. الصراحة ضرورية في المطالبة بالسيادة دونما لبسٍ أو غموض. وعيبٌ وعارٌ العودةُ إلى خطاب أنّ الحزب لا يستخدم سلاحه بالداخل. عندنا استخدام السلاح بالداخل، وعندنا استخدامه ضدّ القرارات الدولية، وعندنا استخدامه ضدّ العرب.
4) عانينا من حلفائك العونيين أكثر ممّا عاناه أيّ أحد آخر. فلا بدّ من إدانة فسادهم حتى طائفيّتهم وأقلّويّتهم واستثارتهم للمسلمين السنّة بالذات. ولا بدّ أن تعود على شاكلة أهل السنّة: أكبر حُماة الدستور والعيش المشترك والميثاق الوطني، لأنّ في ذلك مصلحةً وطنيةً كبرى. اختراقات عون للدستور لا تقتصر على ما ذكرناه سابقاً. بل إنّ الانتهاك الذي يصل إلى حدود .. الحدود، هو شرعنته لتنظيم مسلَّح على الأرض اللبنانية في مقارنةٍ قام بها لغير مصلحة جيش الدولة. عون في انتهاك السيادة مثل الحزب المسلَّح أو أكبر بحكم منصبه.
5) لقد فصلتُ مسألة قانون الانتخابات عن البنود السابقة إشعاراً بهَولها. لا يمكن لأهل السنّة والواعين من المواطنين الدخول في انتخابات بالقانون الحالي. ما حسّنت فيه النسبية، أساءت إليه البنود الأخرى، مثل الصوت التفضيلي، والدوائر المغلقة، وفصل المسيحيين عن المسلمين.. إلخ. سيقول: “لكنّ أحداً لن يقبل التعديل فيه، وسيتّهمنا الآخرون بعرقلة الانتخابات”. وأنا أقول وأعرف ما أقول: “لن ندخل في الانتخابات بهذا القانون مهما كلّف الأمر”. ولو لم يكن الأمر صعباً لقلت: “لا بهذا القانون ولا بذاك الرئيس”.
المقاطعة الكاملة بعدم التعاون أو التواصل أو التعامل مع الجنرال ميشال عون، باعتباره رئيساً للجمهورية، لخروجه على الدستور، ولاستتباعه البلاد وقرارها للمحور الإيراني، وللإسهام بدور أساسيّ في الانهيار الكبير الذي يعانيه اللبنانيون
6) إذا تقرّر خوض الانتخابات، فلا بدّ أن يكونَ معلوماً ضرورة الإصغاء في الترشيح للنيابة والوزارة إلى الخبرة والكفاءة والسمعة الحسنة. لا نريد التشهير بأحد، ولا ترشيح لأحدٍ بشكلٍ خاص. وإلى ذلك كلّه فإنّ أهل الشورى والرأي من القيادات لا يصحّ أن يكون منهم أحدٌ مرشّحاً لمقعدٍ نيابي أو وزاري.
7) أربعة عناوين لا غنى عنها إذن لدى كل مرشّحٍ عن المسلمين والوطنيين. المطلب الذي لا تنازل عنه ولا تفكير في ذلك: مطلب السيادة.
والمطلب أو العنوان الثاني: عدم القبول بانتهاك الدستور.
والمطلب الثالث: تغيير قانون الانتخابات أو تعديله.
والمطلب الرابع: معالجة الأوضاع المالية والاقتصادية وإنقاذ عيش اللبنانيين. إنّه برنامجٌ طموح، لكنّه يظلُّ الحدَّ الأدنى لِما يحتاج إليه لبنان.
سيظلّ هناك دائماً صارخون ومعارضون لهذا البرنامج الوطني الشامل. ولا أزال متردّداً في مسألة الحماسة الانتخابية، لكنّني لستُ متردّداً في مسألة البرنامج الوطني الجامع.
يكون الاعتذار انكساراً إذا عدنا إلى الاحتكام لإرادات الحزب المسلَّح وعون وباسيل. ونكون سائرين في الاتجاه الصحيح إذا أفدنا من دروس وتجارب السنوات الماضية المؤسفة، وارتفعنا بأنفسنا وجمهورنا إلى مستوى البرنامج الوطني الشامل والجامع، وعنوانه “لبنان واحد لا لبنانان”.
إذاً الكلمة الفاصلة والنهائية، وفي ما وراء الاعتذار والانكسار، تتركّز في أمرين:
– استعادة الموقف الوطني الكبير والتاريخي لأهل السُنّة في لبنان من التمسّك بثوابت العيش المشترك والسلم الأهلي والطائف والدستور وشرعيّات الوطن والدولة.
إقرأ أيضاً: كي لا يتحوّل الاعتذار إلى انكسار (1/2)
– المقاطعة الكاملة بعدم التعاون أو التواصل أو التعامل مع الجنرال ميشال عون، باعتباره رئيساً للجمهورية، لخروجه على الدستور، وعلى ثوابت العيش المشترك، وعلى الأعراف السياسية للنظام اللبناني، ولاستتباعه البلاد وقرارها للمحور الإيراني، وللإسهام بدور أساسيّ في الانهيار الكبير الذي يعانيه اللبنانيون.