وصل قادة الكنائس صباح أمس الخميس إلى منزل القديسة مارتا في الفاتيكان، حيث يقيم الحبر الأعظم، تلبية لدعوة وجّهها إليهم للمشاركة في “يوم التأمّل والصلاة من أجل لبنان”، الغارق في أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي من بين الأكثر شدّة منذ عام 1850.
لم يكن فقط يوماً للصلاة والتأمّل، كما عبّر البابا فرنسيس في تغريدة له، بل هو يوم صلاة برسائل سياسية عديدة. لعلّ أهمّها ما يعبّر عنه دوماً الفاتيكان من أنّ “لبنان رسالة بجناحيْه”، وعليه أن يبقى كذلك. فسلامة لبنان من سلامة مسيحيّيه، وسلامة الصيغة اللبنانية، التي عملت عليها دوائر الفاتيكان منذ الحرب اللبنانية وخروج البلاد منها، عليها أن تستمرّ.
لكنّ اللافت في ختام يوم الصلاة هو رؤية البابا فرنسيس للبنان التي تحدّث عنها، وعلى يمينه البطريرك الماروني بشارة الراعي، وعلى يساره البطريرك الأرثوذكسي يوحنّا اليازجي.
بحسب معلومات “أساس”، النقاش في “تحييد لبنان عن الصراعات”، كان مدار البحث بين البابا ووزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية انطوني بلينكن، خلال زيارته الاخيرة إلى الفاتيكان يوم الاثنين الماضي
قال البابا كلاماً كان سيظنّ سامعه أنّ الراعي هو مَن يقوله، لكثرة ما ردّده خلال الأشهر الفائتة: “لا يمكن ترك لبنان رهينة مَن يسعون وراء مصالحهم الخاصّة، وكفى استخدامه لمصالح خارجية”. وتوجّه إلى اللبنانيين بالقول: “لا تيأسوا ولا تفقدوا الروح، بل ابحثوا في جذور تاريخكم عن الرجاء لتزهروا من جديد”.
ماذا عن تفاصيل اليوم الفاتيكانيّ الطويل؟
بعد وصولهم إلى مقرّ إقامته في كنيسة القديسة مارتا، توجّه البابا فرنسيس مع ضيوفه سيراً على الأقدام إلى كنيسة القديس بطرس، حيث عقدوا وقفة صلاة “من أجل عطيّة السلام في لبنان”. ثمّ انتقلوا إلى القصر الرسولي حيث عقدوا ثلاث جلسات مغلقة بإدارة السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتري.
شهدت هذه الجلسات الصلاة والتأمّل والنقاش.
قبل وصولهم إلى الفاتيكان، علم “أساس” أنّ ورشة عمل كانت قائمة بين البطاركة الماروني مار بشارة بطرس الراعي والكاثوليكي يوسف العبسي والأرثوذكسي يوحنا العاشر اليازجي، من أجل ورقة عمل موحّدة تتضمّن مجموعة مطالب يقدِّمونها إلى البابا فرنسيس أثناء لقائهم إيّاه في الفاتيكان.
طغت خلافات عدّة على سطح النقاش، ولا سيّما الخلافات داخل الكنيسة الأرثوذكسية، وسط التمايز السياسي بين البطريرك اليازجي، صاحب الهوى السياسي “السوري”، ومطران بيروت إلياس عوده صاحب المواقف المعروفة بسقفها العالي والمناهضة للنظام السوري. إلا أنّ اليازجي وعوده نجحا في الوصول إلى مجموعة نقاط مشتركة على الرغم من عدم انضمام عوده إلى الوفد الذي يزور الفاتيكان.
واتفق الراعي والعبسي واليازجي على ورقة عمل، أبرز نقاطها “تحييد لبنان عن صراعات المنطقة وليس حياد لبنان عنها”. وجاء هذا الاتفاق بعد نقاش عميق في مفاعيل “حياد لبنان عن الصراعات”، الذي سبق أن طرحه البطريرك الراعي أكثر من مرّة.
واتفقوا أيضاً على المطالبة بعقد مؤتمر دولي خاصّ بلبنان، والطلب من الأمم المتحدة مساعدة لبنان من خلال تنفيذ مقرّراتها الخاصة بلبنان. وتضمّنت الورقة، التي حملها الوفد الكنسي معه إلى الفاتيكان، مجموعة مطالب لمساعدة عدد من الجمعيات المسيحية والمؤسسات التربوية التابعة للرهبانيات، كالمدارس الكاثوليكية والجامعات، وغيرها من المساعدات التي يُفترض أن تصل إلى العائلات المسيحية، بشكلٍ خاص، في أثناء الأزمة التي يعانيها لبنان.
الفاتيكان خرج عن صمته، وبّخ أهل السلطة في لبنان، وتبنّى بشكل غير مباشر مبادرة البطريرك الراعي ورؤيته لمستقبل لبنان، ودعا الولايات المتحدة إلى تبنّي “التحييد”
وفي نهاية هذا اليوم قال البابا فرنسيس كلمته التي فاجأت الجميع برسائلها السياسية المباشرة.
قال الوزير السابق، الأقرب الى بكركي، سجعان قزّي لـ”أساس” إنّه “لم يكن يتوقّع أن يدخل البابا فرنسيس في تفاصيل السياسة اللبنانية. لكن يبدو أنّه سمع تقارير البطاركة، وقرّر أنّه آن الأوان لتبنّي المطالب اللبنانية وتوبيخ أهل السلطة. ولو أنّ البابا فرنسيس لا يعبّر عن الأمور بشكل صريح، إلا أنّ التقاءه مع مواقف بكركي، بحسب شعوري الخاصّ، كان واضحاً لجهة دعوته المجتمع الدولي إلى التحرّك من أجل لبنان”.
هكذا يبدو أنّ الدبلوماسية الفاتيكانية، الصامتة كما جرى العرف، لم تعد صامتة. وهي قرّرت الخروج عن صمتها بسبب هول ما يعانيه لبنان واللبنانيون من أطراف السلطة السياسية. ولعلّ أوّل الغيث، بحسب معلومات “أساس”، النقاش في “تحييد لبنان عن الصراعات”، الذي كان مدار بحث بين البابا ووزير خارجية الولايات المتحدة الاميركية أنطوني بلينكن، خلال زيارته الأخيرة للفاتيكان يوم الاثنين الماضي.
إقرأ أيضاً: تفخيخ لقاء الفاتيكان: الأسد أبرز الحاضرين
خرج الفاتيكان عن صمته، وبّخ أهل السلطة في لبنان، وتبنّى بشكل غير مباشر مبادرة البطريرك الراعي ورؤيته لمستقبل لبنان، ودعا الولايات المتحدة إلى تبنّي “التحييد”.
بعد الاجتماع الثلاثي بين بلينكن ووزيريْ خارجية فرنسا والمملكة العربية السعودية، ها هو الفاتيكان “يدفش” أزمة لبنان نحو التدويل. وهذا ليس تفصيلاً.