نقابة المهندسين: ألكسندرا بول نجار هزمت الأحزاب..

مدة القراءة 5 د

يمكن لألكسندرا أن ترتاح اليوم. الطفلة الجميلة التي لم تبلغ الرابعة من عمرها، والتي ثارت مع 17 تشرين، وقتلها تفجير 4 آب، توجّت حضورها داخل قلوبنا في 27 حزيران، كما لو أنّها ثأرت لموتها، وافتتحت لنا زمناً جديداً، وأعطتنا أملاً في لحظة انعدام الأمل.

هي التي كانت شاهدةً على الثورة و”ضحيّة” التفجير، بعدما رفض والدها أن يسمّيها “شهيدة”: “هي ضحيّة هؤلاء السياسيّين”، قال حين ماتت ابنته. وأضاف: “نريد لموتها أن يزهر، فهم قتلوا ابنتي في منزلي، حيث ظننتُ أنّها آمنة”.

وها نحن اليوم نشهد انتصارها، تماماً كما أرادت والدتها ووالدها. فلم يذهب دمها هدراً. وألكسندرا ستكون عنوان مرحلة مقبلة، تماماً أيضاً كما رأيناها في المرّة الأولى، وظَنَنَّا أنّها ورفيقاتها ورفاقها من أطفال ثورة 17 تشرين كانوا يرمزون إلى الأمل الباقي.

في فوز بول نجّار الكثير الكثير ممّا سيرسم المشهد السياسي اللبناني خلال الأشهر المقبلة. هو وعشرات المهندسين على لوائح “النقابة تنتفض”، هزموا أحزاب السلطة “كلّن يعني كلّن”

تعرّفنا إليها حين كان والدها يصطحبها إلى ساحات الثورة. تسابقت إليها الكاميرات. كانت واحدة من أطفال قُلنا بصورهم إنّ لبنان الجديد لن يكون لنا وبنا، بل بأولادنا ولهم. وقُلنا بصورهم، التي يحملون فيها علم لبنان، إنّنا، وإن هزمتنا الأزمة، وحاصرنا الجوع، فسننتفض على “كلّن يعني كلّن” لعلّنا ننقذ صغارنا ممّا اقترفته أيدينا.

ثمّ جاء تفجير مرفأ بيروت. وقُتل المئات وأُعطِب الآلاف، وأُحزِن الملايين حول العالم. من أقوى التفجيرات غير النووية في التاريخ. ألكسندرا التي كانت تراقب البحر من شرفة منزلها في ذلك المساء، ضربها الانفجار، وقتلها على الفور.

كان موتها لحظة كثيفة الدلالات. ونعلم أنّ 17 تشرين التي كانت تنازع، فقدت الكثير من روحها في ذلك اليوم: 4 آب 2020… بعدها حاصرنا السياسيون: جاء إيمانويل ماكرون، كذب على الثوّار في الجمّيزة، قرب منزل ألكسندرا، وذهب إلى قصر الصنوبر حيث تآمر مع “كلّن يعني كلّن” لتأليف حكومة تشبههم. ولا نزال إلى اليوم ننتظر راجح الفرنسي، وكذبته اللبنانيّة.

أمس، في 27 حزيران، أطلّت ألكسندرا مجدّداً. هذه المرّة، كان المشهد يليق بها. انتشرت صورها فوق كتفيْ والدها، الذي حصد أعلى نسبة أصوات في نقابة المهندسين، ليأتي فوزه أكثر كثافةً من معاني موتها مساء 4 آب.

في فوز بول نجّار الكثير الكثير ممّا سيرسم المشهد السياسي اللبناني خلال الأشهر المقبلة. هو وعشرات المهندسين على لوائح “النقابة تنتفض”، هزموا أحزاب السلطة “كلّن يعني كلّن”: حزب الله وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل والتيار الوطني الحرّ، بعد خروج القوات اللبنانية في اللحظة الأخيرة من اللائحة بسبب خلاف على المقاعد… هي التي خاضت انتخابات نقابة المهندسين في الشمال إلى جانب تيار المستقبل وتيار المردة وغيرهما.

فبعد ملحم خلف، وبحسب نقيب سابق للمهندسين، في حديث لـ”أساس”، تؤكّد الأرقام الصادمة، والهزيمة غير المسبوقة لأحزاب السلطة، أنّ مقعد نقيب المهندسين سيكون من نصيب “17 تشرين” أيضاً في 18 تموز المقبل

أن ينتخب المهندسون لائحة “النقابة تنتفض”، بوجه كلّ أحزاب السلطة، وبفوارق مهولة في بعض الفروع، وبنسبة 70% للمهندسين المعارضين، و30% لكلّ أحزاب السلطة، لهو مقدّمة كبيرة ستبثّ الرعب في قلوب زعماء الطوائف، وستتسبّب بهزّة كبيرة داخل الأحزاب المهزومة، خصوصاً حين نعرف أنّ أكثر من 8 آلاف مهندس شاركوا في التصويت. ومع عائلاتهم، نتحدّث عن عشرات آلاف من النخبة اللبنانية. هؤلاء قادرون على إحداث تغيير كبير في نتائج الانتخابات النيابية الآتية.

“وفوز غالبية مرشحي/ات “النقابة تنتفض”، بفرق تخطّى ضعف عدد الأصوات (221 إلى مجلس المندوبين من أصل 232 مرشح/ة لـ”النقابة تنتفض”، و15 من 20 إلى مجالس الفروع)، يعبّر عن إرادة المهندسين/ات وكلّ الناس لملاقاة مشروع التغيير في النقابة وخارجها في ظلّ وجود بدائل جدّيّة بخيارات وبرامج تقدّميّة وآليّات ديموقراطية ومعايير واضحة”، كما قال بيان “النقابة تنتفض” ليل أمس.

“كلّكم مجرمون”، قال والدها في 8 آب. ودعا قبل أيّام إلى التصويت للائحة “النقابة تنتفض” ضمن “المعركة ضدّ النظام”. وذكّر بفوز ملحم خلف بمنصب نقيب المحامين. لم يكن يعرف أنّ فوزه سيكون الحجر النقابي الثاني، الذي سيدقّ مسماراً جديداً في نعش السلطة.

فبعد ملحم خلف، وبحسب نقيب سابق للمهندسين، في حديث لـ”أساس”، تؤكّد الأرقام الصادمة، والهزيمة غير المسبوقة لأحزاب السلطة، أنّ مقعد نقيب المهندسين سيكون من نصيب “17 تشرين” أيضاً في 18 تموز المقبل.

إقرأ أيضاً: 485 مجموعة وعشرات الجبهات: الثورة “بتتكلم انتخابات”

أكبر النقابات في لبنان صارت في أيدي الثوّار. وها هي الثورة التي انحسرت في الساحات والشوارع، تعود من شبابيك النقابات. وهذا يعني أنّ “الوعي الثوري” بات عميقاً في أوساط “النخب” اللبنانية. وفي كلّ استحقاق انتخابي جديد، سيعرف الحزبيون وزعماؤهم أنّ التغيير يقترب من قلاعهم المذهبيّة.

ألكسندرا: نامي بسلام. دمُك لم يذهب هدراً. ها هو يُزهر تغييراً.

المعركة طويلة. لكنّها بدأت “تحلوّ”.

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…