بيكاسو يبيّض أموال المخدّرات؟

مدة القراءة 7 د

غراهام باولي (Graham Bowley)

فوجئ العملاء الفيدراليون عندما دهموا منزل تاجر مخدِّرات في إحدى ضواحي فيلادلفيا. فإضافة إلى الماريوانا، عثروا على 2.5 مليون دولار مخبّأة في مكان سرّي تحت مخزن أسماك. لكنّهم دُهشوا عندما اكتشفوا أيضاً كثيراً من اللوحات الفنّية، 14 لوحة على الجدران، و33 أخرى مكدّسة في وحدة تخزين على بعد بضعة أميال من منزل التاجر رونالد بلسيانو (Ronald Belciano). وكان من بين رسّامي تلك اللوحات، رينوار (Renoir) وبيكاسو (Picasso) وسلفادور دالي (Salvador Dalí).

وقال بريان مايكل (Brian A. Michael)، العميل الخاص المسؤول عن تحقيقات الأمن الداخلي في فيلادلفيا: “هذه طفرة. لم يكن يظهر هذا الكمّ من الأعمال الفنّية في أيّ تحقيق”.

تنظر الحكومة الفدرالية الآن في استعمال قانون يهدف إلى مكافحة تبييض الأموال في المؤسسات المالية من أجل زيادة تنظيم سوق الفنّ. ويطالب قانون السريّة المصرفية المصارف بالإبلاغ عن المعاملات النقدية التي تزيد قيمتها على 10 آلاف دولار

اتّضح أنّ بلسيانو استعمل الفنّ لغسل بعض نقود مخدِّراته، فاشترى الأعمال الفنّية في معرض قرب متحف رو (Museum Row) بفيلادلفيا. وفي عام 2015، حُكم عليه بالسجن لأكثر من خمس سنوات بتهمة الاتّجار بالمخدّرات، وغسل الأموال غير المشروعة بالاستفادة من إحدى أبرز سمات السوق الفنية، ألا وهي عدم الشفافية.

يتمّ تداول مليارات الدولارات في سوق الفنّ كلّ عام مع القليل من التدقيق العامّ أو انعدامه. وفي العادة، لا يكون عند المشترين أيّ فكرة عن مصدر العمل الفنّي الذي يشترونه. وبالمثل، فإنّ البائعين لا يعلمون مآل العمل الفنّي المَبيع. ولا يتطلّب شراؤه تقديم الأوراق اللازمة التي من شأنها أن تسمح للمنظّمين تتبّع مبيعات الفنّ أو أرباحه بسهولة. وهذا يختلف بوضوح عن الطريقة التي يمكّن الحكومة مراقبة نقل الأصول الكبيرة الأخرى، مثل الأسهم أو العقارات.

والآن، تخشى السلطات من أن لا تبقى قضية بلسيانو حالة شاذّة، وأن يصبح سوق الفنّ أداة لتبييض الأموال. ومن أجل تعزيز الشفافية في هذا المجال، وسّع الكونغرس في كانون الثاني الماضي مقتضيات القوانين الناظمة لمكافحة تبييض الأموال في القطاع المصرفي، كي تطول سوق المقتنيات القديمة. وتنضمّ وزارة الخزانة إلى وكالات حكومية أخرى لدراسة الإجراءات الأكثر صرامة التي ينبغي فرضها على سوق الفنّ. والجهد الأميركي الحالي يلحق القوانين الأوروبية التي اُعتُمِدت حديثاً، بحيث بات على عاقدي الصفقات الفنّية كشف هوية زبائنهم والتأكّد من مصدر ثرواتهم.

وقالت اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ الأميركي، في تقرير صدر عنها في تموز الماضي دعماً لزيادة التدقيق، إنّ “السرّية، وجهالة الهويّة، وعدم التنظيم القانوني، تصنع بيئة مهيّأة لتبييض الأموال والتهرّب من العقوبات”.

وتوقّعت الدراسات الحديثة تهرّباً ضريبيّاً كبيراً من قبل أغنى الأميركيين، فكان ذلك دافعاً للرئيس بايدن كي يعمل على إقرار خطّة لتعزيز عمليّات التدقيق. وبينما ينعدم وجود دليل على الغشّ على نطاق واسع بما يخصّ قطاع الفنّ، يقول الخبراء إنّه من الواضح أنّ سرّية السوق الفني توجِد نقاط ضعف في نظام إنفاذ القانون، الذي نادراً ما يدقّق في عمليات البيع والشراء، ويعتمد بشكل كبير على استعداد جامعي اللوحات الفنّية لجعل أرباحهم المالية واضحة.

قالت اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ الأميركي، في تقرير صدر عنها في تموز الماضي دعماً لزيادة التدقيق، إنّ السرّية، وجهالة الهويّة، وعدم التنظيم القانوني، تصنع بيئة مهيّأة لتبييض الأموال والتهرّب من العقوبات

ما هو أصل هذه السرّية في سوق الفنّ؟

يقول الخبراء إنّ من المحتمل أن تعود أصولها إلى الأيام الأولى للسوق، في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، عندما بدأت نقابات القديس لوقا (Guilds of St. Luke)، وهي المنظّمات التجارية المهنية، تنظِّم إنتاج الفنّ وبيعه في أوروبا.

حتّى ذلك الحين، لم يكن الفنّ يُباع كثيراً بقدر ما كان ذلك يجري بتكليف من رعاة أرستقراطيين أو كهنوتيين.

لكن مع توسّع طبقة التجّار، توسّع سوق الفنّ، انطلاقاً من ورش العمل والأكشاك العامّة في مدن، مثل أنتويرب (Antwerp) ببلجيكا. ولإحباط المنافسين، كان من المنطقي إخفاء هويّة العملاء حتى لا يمكن سرقتهم، أو الحفاظ على سرّية السعر الذي منحوه لأحد العملاء حتى يتمكّنوا من فرض سعر مختلف على عميل آخر، مع حوافز لحفظ المعلومات التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
يبدو السوق أقلّ سرّية ممّا كان عليه من قبل. فعلى سبيل المثال، تنشر دور المزادات اليوم تقديرات للأسعار التي يُتوقّع أن تحقّقها الأعمال الفنية. ولكنّ كثيراً منها لا يزال مُعتماً، الأمر الذي يُضفي جوّاً من الغموض والرومانسية على عالم حيث يمكن للأسعار والأرباح أن تعتمد على شيء متقلّب مثل الإجماع العابر على العبقريّة.

في هذه الظروف، تعتمد صالات العرض على نزاهة الوكلاء، الذين مارسوا التجارة معهم منذ مدّة طويلة. في بعض الأحيان، لا يكون المشترون أو البائعون أفراداً على الإطلاق، ولكن عبارة عن شركات وهميّة. هياكل الاستثمار مبهمة، وغالباً ما تهدف إلى إخفاء الهويّة.

وبمجرّد شراء الأعمال الفنيّة، ينتهي المطاف بكثير منها، بما فيها بعض أكثر الأعمال تعبيراً وتكلفةً في العالم، في مخابئ غير محدّدة في موانئ حرّة، هي ملاذ ضريبيّ، ومكان وجودها غير معروف إلى حدٍّ كبير.

وتنظر الحكومة الفدرالية الآن في استعمال قانون يهدف إلى مكافحة تبييض الأموال في المؤسسات المالية من أجل زيادة تنظيم سوق الفنّ. ويطالب قانون السريّة المصرفية المصارف بالإبلاغ عن المعاملات النقدية التي تزيد قيمتها على 10 آلاف دولار، وتسليط الضوء على الأنشطة المشبوهة، وإدراك هويّة عملائها، ومصدر ثروتهم.

والآن، يُعامَل تجّار الكنوز القديمة، مثل التماثيل الرخامية الرومانية أو النقوش المصرية، كمؤسسات ماليّة، وسوف يدرس المنظّمون الفدراليون ما إذا كان ينبغي توسيع نطاق القيود لتشمل سوق الفنّ الأوسع نطاقاً.

وقد استجابت دور المزادات بالفعل للتغييرات في أوروبا من خلال فحص أكثر شمولاً لعملائها في الولايات المتحدة أيضاً. ولكن في العام الماضي، وجد محقّقو مجلس الشيوخ ثغرات في السياسات التي يضعها سوق الفنّ الآن. وذكر المحقّقون أنّ دور المزادات والتجّار سمحت لاثنين من النخبة الحاكمة الروسية في ظلّ العقوبات المفروضة على روسيا، وهما مقرّبان من الرئيس فلاديمير بوتين، بشراء القطع الفنيّة باستخدام شركات وهميّة. وخلصت اللجنة الفرعية إلى أنّ دور المزاد، في معاملاتها بين عاميْ 2011 و2019، لم تحدِّد هويّة المالكين الحقيقيّين على الرغم من إعلانها الالتزام بالاحترازات المطلوبة.

لكن حتى لو اعتُمِدت القواعد الأكثر صرامة، فإنّ أسماء المشترين والبائعين لن تصبح علنيّة. والتجّار ودور المزادات سوف يحتاجون إلى تحديد مَن يتعاملون معه في حالة وجود تحقيق قانوني.

إقرأ أيضاً: على بايدن استعادة جاذبية أميركا أكاديمياً وفي مكافحة الفساد (2/2)

كم حصّة الفنّ من غسل الأموال؟

لا يبدو أنّ أحداً قد حدّد ذلك، على الرغم من أنّ عدداً من الخبراء يتّفقون على أنّ سوق الفنّ هو مكان طبيعي لازدهار تبييض الأموال. وقال نينكي بالسترا Nienke Palstra، الباحث في غلوبال ويتنس (Global Witness)، إنّ “القطع الفنيّة يمكن حملها، وهناك مستوى عالٍ من السرّية حول مَن يملكها، والثمن الذي يدفعه الشاري، وهو أمر قابل للنقاش من بعض النواحي”.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…