تربطني بالصديق والمفكّر الإسلامي العربي البارز الدكتور رضوان السيّد، علاقة وطيدة منذ سنوات طويلة، التقينا خلالها مرّات عديدة، بين مسقط وبيروت، وما بينهما أكثر عبر الهاتف أو المحادثات الإلكترونية. ومنذ أن تعرّفت على الدكتور رضوان، خبرتُ فيه مفكّراً مستنيراً، وعالماً موسوعيّاً بقضايا الفكر الإسلامي، وخاصة الجدليّات الحديثة فيه، وما يعتريها من مغالطات أو تناقضات.
استطاع الدكتور رضوان بذكاء واضح ومعرفة عميقة بالدين وفروعه، أن يشرِّح الكثير من قضايا الفكر الإسلامي، ويؤصّل لها، ويطرح رؤيته العلميّة المستنيرة تجاهها، وهذا ليس بغريب على باحث نابهٍ، تخرّج في جامعة الأزهر الشريف، منارة الإسلام الوسطي، وقبلة الباحثين عن الدراسة المتخصّصة في الفكر الإسلامي والشريعة
ولذلك كان حصول الدكتور رضوان السيد على جائزة النيل للمبدعين العرب من مصر تكريماً مستحقّاً لهذا الرجل، الذي كرّس جهده لخدمة الفكر الإسلامي، من خلال إثرائه بالأطروحات النقديّة والرؤى الفلسفية العميقة، والنقاشات المستفيضة حول أبرز القضايا وأكثرها تشابكاً وتعقيداً. اللافت للنظر أنّ هذه الجائزة، التي تعدّ أرفع جائزة في مجال الفنون والآداب تمنحها مصر، حصل عليها السيّد بعد إجماع كبير من قبل لجنة التحكيم، حيث حصل على 7 أصوات من أصل 8، أجمعوا على أحقّيّة الدكتور رضوان في نيل هذه الجائزة. ومن المُبهج أنّ هذه الجائزة يفوز بها الدكتور رضوان في هذا العام، عام 2021، تحديداً، وكأنّها تتويج لمسيرة 40 عاماً من الفكر والإبداع في الدراسات الإسلامية والعربية، وأنّها نابعة من مصر، التي يؤكّد الدكتور رضوان أنّها “شيخ الثقافة العربيّة”، خاصّة أنّه يعتبر نفسه دائماً “من أصل ثقافيّ مصريّ”، وهو ما صرّح به في عدّة مناسبات.
لقد استطاع الدكتور رضوان بذكاء واضح ومعرفة عميقة بالدين وفروعه، أن يشرِّح الكثير من قضايا الفكر الإسلامي، ويؤصّل لها، ويطرح رؤيته العلميّة المستنيرة تجاهها، وهذا ليس بغريب على باحث نابهٍ، تخرّج في جامعة الأزهر الشريف، منارة الإسلام الوسطي، وقبلة الباحثين عن الدراسة المتخصّصة في الفكر الإسلامي والشريعة. وعلى الرغم من أنّ الفترة الزمنيّة التي التحق بها الدكتور رضوان بجامعة الأزهر، وهي النصف الثاني من ستّينيّات القرن الماضي، وما تميّزت به من صراع فكري بين الشيوعية والرأسمالية، ومن بينهما الفكر الدينيّ، وبداية ظهور الأفكار المتشدّدة، وما مرّت به المنطقة العربية من تقلّبات في أعقاب نكسة 1967، إلا أنّ الدكتور رضوان أمسك بزمام الأمور بحكمة وكفاية، ووعى جيّداً الوجهة التي يريد أن يُوجِّه إليها بوصلته الفكرية، فحرص على تبنّي خطٍّ وسطيّ بعيد كلّ البُعد عن التطرّف والمغالاة، ولا يقترب من التفريط والتسطيح الفكري، فسلك دروباً بالغة التعقيد، وسار على جمر الأفكار المتناثرة يميناً ويساراً، حتى وصل إلى برّ الأمان الفكري، وأسّس مدرسة فكرية معتدلة، تنتقد الواقع وتطرح رؤية تطويرية مغايرة، واستحقّ عن جدارة أن نضعه ضمن كوكبة من الأزهريّين المستنيرين، الذين كرّسوا حياتهم من أجل خدمة التيّار الوسطيّ المعتدل بين أمواج التطرّف والعنف المتلاطمة.
إقرأ أيضاً: رضوان والبحث عن جذور الدولة وسكينة الدين
ولعلّنا نستطيع أن نتلمّس أركان مدرسة الدكتور رضوان المعتدلة وأعمدتها الفكرية من خلال المؤلّفات العديدة التي قدّمها للعالم. من بينها: “الإسلام المعاصر” و”سياسات الإسلام المعاصر”، إضافةً إلى مؤلّفات وكتب أخرى غاصت في أعماق البنية الاجتماعية والفكرية الإسلامية، فأصدر “الأمّة والجماعة والسلطة” و”مفاهيم الجماعات في الإسلام” و”الجماعة والمجتمع والدولة”، وذلك في وقت تعدّدت فيه الجماعات المنتمية إلى الإسلام، فكراً وعملاً.
إنّني في هذه السطور وعبرها، أوجّه خالص التهاني إلى الصديق العزيز الدكتور رضوان، وأقول له إنّ هذه الجائزة أكّدت من جديد دور لبنان في إثراء الثقافة العربية، فإذا كانت مصر شيخ هذه الثقافة، فإنّ لبنان هو منارتها وشعلتها المضيئة التي لم تنطفئ حتى في أحلك الأوقات وأقصاها.. فهنيئاً للبنان والعالم العربيّ الدكتور رضوان السيّد مفكّراً رشيداً وباحثاً أميناً وأستاذاً مُلهماً.
* رئيس تحرير جريدة “الرؤية العمانية”.
* المؤسّس والمدير العام لمؤسسة “الرؤيا للصحافة والنشر” سلطنة عمان.
* عضو في “المجلس البلدي لمحافظة مسقط”.
* عضو في “المجلس الدولي العماني”.