وصلت العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ إلى مستويات عالية من التوتّر. الحزب يحمّل رئيس “التيار” جبران باسيل مسؤولية عدم تشكيل الحكومة لأنّه رفض أن يسمّي الرئيس المكلّف سعد الحريري الوزيرين المسيحيّين. ورئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحرّ يحمّلان حزب الله مسؤولية الوصول إلى هذه الأزمة بسبب تمسّك الحزب بالحريري حتّى هذا اليوم.
وفي المعلومات أنّ آخر المخارج التي طرحها الثنائي الشيعي هو أن يسمّي الحريري الوزيرين المسيحيّين مقابل ألا يعطي باسيل ثقة كتلته للحكومة. وبالتالي يستطيع باسيل خوض الانتخابات المقبلة حاملاً لواء المعارضة. وهو طرحٌ رفضه الحريري على اعتبار أنّه لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يحصل وحدَه على ثمانية وزراء، ولا يمكن لباسيل أن يتنكّر بثوب المعارضة بعدم إعطاء الحكومة الثقة مقابل حصوله على ثمانية وزراء. ويوافق حزب الله الحريري في ذلك.
بحسب أوساط التيار “لا يمكن لحزب الله أن يأخذ لبنان حيث الأجندة الخاصة به من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائه ومشروعهم”. فالجوّ الضمني الحقيقي للتيار الوطني الحرّ يحمّل حزب الله مسؤولية خسارة التيار الوطني الحر في الداخل والخارج على حد سواء
في السياق نفسه، يبدو أنّ المخرج الذي أبلغه باسيل بالأمس إلى الفرنسيين حول ترك الحرية لنواب التيار في جلسة الثقة لا يقبل به أحد، أوّلاً لأنّ باسيل يصرّ على 8 وزراء مسيحيين للرئيس، وثانياً لأنّه لا ثقة كافية بباسيل لفتح الباب أمام التسوية، أيّاً كانت طبيعتها.
إذاً الأفق مسدود. لا بل وصل الحدّ ببعض القياديين والناشطين في التيار الوطني الحرّ أن يصفوا حزب الله بـ”الشيطان الأخرس عن الحقّ” في الشأن الحكومي لأنّه يقف إلى جانب الحريري. وبحسب أوساط التيار “لا يمكن لحزب الله أن يأخذ لبنان إلى حيث الأجندة الخاصة به من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائه ومشروعهم”. فالجوّ الضمني الحقيقي للتيار الوطني الحرّ يحمّل حزب الله مسؤولية خسارة التيار الوطني الحر في الداخل والخارج على حدّ سواء، “إذ إنّ حزب الله يسير في طريقه كالقطار الذي لا يتوقف عند أحد، وإذا حصل أن ساندك في ملف ما فلأنّ ذلك يتقاطع مع مشروعه ليس أكثر، وقد لا يكون استحقاق رئاسة الجمهورية بعيداً عن ذلك. وبالتالي فإنّ الحزب لم يعد حليف التيار الوطني الحر، بل هو حليف الرئيس نبيه برّي أوّلاً، ثم حليف الرئيس المكلّف سعد الحريري ثانياً”.
في النتيجة، لا تراجع في الموقف من تسمية الوزيرين المسيحيين إلا إذا غيّرت القوات اللبنانية موقفها وشاركت في التسمية. كل كلام غير ذلك ليس مقبولاً، بحسب مصادر مقرّبة من رئيس التيار الوطني الحرّ الذي سبق أن طرح عدداً من المخارج لتسمية الوزيرين. وفي المعلومات أنّ فريق رئيس الجمهورية ينتظر ما ستتضمّنه كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول الحكومة ليُبنى على الشيء مقتضاه. وإذا لم يتغيّر موقف الحزب كما يتمنّاه التيار، أي إذا لم يُقنِع الحريري بأحقية أن يسمّي رئيس الجمهورية الوزيرين المسيحيين، فإن فريق الرئيس سيبلغ حزب الله رسالة مفادها: “إما نحن وإما سعد الحريري”، لأنّ العهد لا يمكن أن يكمل عامه الأخير بالوضع الراهن.
تدرك أوساط الحريري أنّ مروحة خيارات الأخير ليست واسعة وأنّ قرار الاعتذار ليس إلا مسألة وقت فقط، وذلك لاعطاء الرئيس نبيه بري المدى الزمني الذي يريده في العمل على مبادرته
يأتي هذا الموقف بعدما وصلت رسالة من حزب الله إلى رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بأنّ خيار الاستقالة من مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة هو “خيار غير وارد ونقطة على السطر”.
ليس موقف الحزب هذا مفاجئاً لمن واكب موقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على طاولة الحوار التي عقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تشرين الماضي. حينها قال رعد لماكرون: “لا مشكلة لنا في أي طرح باستثناء أمرين، أوّلاً لا لتغيير قانون الانتخابات، وثانياً لا لإجراء انتخابات مبكرة”.
ضاقت الخيارات أمام فريق رئيس الجمهورية بعدما قطع عليه حزب الله طريق الاستقالة وطرح الانتخابات النيابية المبكرة. ولم يبقَ أمامه سوى البحث عن فكّ الحصار من حوله عبر تصعيد الموقف تجاه الحزب، الذي لا يزال يقف في الوسط بينه وبين سعد الحريري، لا بل يرى أنّه “أقرب إلى الحريري” منه إلى عون وباسيل. وهذا التصعيد ما لبث أن تظهّر في مقابلة باسيل مع “النهار”، أمس، حين قال: “ليس طبيعياً وجود سلاح غير سلاح الجيش اللبناني”.
إقرأ أيضاً: الثنائيّ الشيعيّ: غاضبٌ من باسيل ومتوجّس من الحريري
تدرك أوساط الحريري أنّ مروحة خيارات الأخير ليست واسعة، وأنّ قرار الاعتذار ليس إلا مسألة وقت فقط، وذلك لاعطاء الرئيس نبيه بري المدى الزمني الذي يريده في العمل على مبادرته.
فور إدراك الجميع ذلك وإعلان سقوط المبادرة، سيعتذر الحريري. على أن ترأس الحكومة شخصية سنّية تتقاطع عليها مراجع عربية ودولية. وفي هذا التقاطع يتوقّف المراقبون عند حركة الوزير السابق فيصل كرامي.