أثار “الفطر الأسود” و”الغرغرينا”، وهما مرضان يتحدّث الناس عنهما بشكل واسع، مخاوف كثيرة في لبنان، خصوصاً بعد إعلان حالات وفاة بسببهما.
ما علاقتهما بكورونا؟ وهل من مصابين بهما في لبنان؟ وماذا يقول الأطباء ومنظمة الصحة العالمية عن هذا الجدل؟
طبيب الأمراض الجرثومية في مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور بيار أبي حنّا شرح لـ”أساس” أنّ “الفطر الأسود لم يكن نتيجة مباشرة لكورونا، إلا أنّه يرتبط به بشكل أو بآخر، خصوصاً عند الحالات المتقدّمة، وهي حالات استثنائية. وكانت لدينا حالات مماثلة في لبنان، لذلك فالظاهرة ليست جديدة علينا”.
ما هو الفطر الأسود؟
الفطر الأسود هو من الالتهابات الفطرية الحادّة التي تنتقل بالغبار، ويتعرّض له بشكل خاص المرضى الذين يمكثون في العناية الفائقة لفترة طويلة، ويتناولون الكثير من المضادات الحيوية.
أثار “الفطر الأسود” و”الغرغرينا”، وهما مرضان يتحدّث الناس عنهما بشكل واسع، مخاوف كثيرة في لبنان، خصوصاً بعد إعلان حالات وفاة بسببهما
أبي حنا يوضح أنّ “هذه الحالة هي في الواقع نتيجة فترة المرض الطويلة والمكوث في العناية الفائقة أكثر مما هي حالة خاصة منفصلة. فتناول المرضى مضادات حيوية والكورتيزون، وبقاؤهم في المستشفى لفترة طويلة، ومواجهتهم مشاكل في الرئتين واعتمادهم في تنفّسهم على أجهزة التنفّس، هي كلّها أسباب رئيسة لهذه الحالة التي يمكن أن تظهر في مرحلة لاحقة، والتي عُرِفت بـ”الفطر الأسود”. وهي عبارة عن “Invasive fungal infection”، ومنها الـ”aspergillus” والـ”mucormycosis”.
وطمأن إلى أنّ “مثل هذه الحالات لا تصيب مرضى كورونا ممن تظلّ عوارضهم طفيفة أو متوسطة، بل حصراً المرضى الذين تتأزّم حالاتهم. واليوم ازداد الحديث عنها بسبب عدد الإصابات الكبيرة منها في الهند”.
يشرح أبي حنا لـ”أساس” كيفيّة الإصابة بـ”الفطر الأسود”: “يدخل الفطر الأسود وغيره من الالتهابات الفطرية إلى الجسم من خلال الجيوب الأنفية، وينتقل إلى الرئتين. إذا أصاب إنساناً يتمتّع بصحّة جيّدة ومناعة قويّة، فلا يسبّب له أيّ مشاكل صحيّة، ويشفى منه المريض بسرعة ومن دون مضاعفات. أمّا مَن يعانون ضعفاً حادّاً في المناعة أو مشاكل واضطرابات في جهاز المناعة، فستكون حالتهم مقلقة ويمكن أن يتطوّر المرض إلى أبعد حدود، مسبّباً التهابات حادة قد تصعب السيطرة عليها فتتمدّد في الجيوب الأنفية، وقد تصل إلى الدماغ، ومنه إلى العينين. ويكمن الخطر الأكبر في الالتهابات الرئوية الحادّة التي يسبّبها وتنتشر في الرئتين بشكل واسع. لكنّ هذه الحالة لا تقتصر أبداً على مرضى كورونا، بل قد تظهر أحياناً بين المرضى الذين يعانون مشاكل صحية مختلفة، كمرضى السرطان لدى تلقّيهم العلاج الكيميائي، والذين يمكثون أسابيع طويلة في المستشفى”.
وتابع: “أحد أنواع الالتهابات الفطرية، وهو الـ”mucormycosis”، يصيب مرضى السكري الذين لا تكون حالتهم تحت السيطرة، بسبب تغيُّر معدلات السكر في الدم، فيسبّب لهم التهاباً حادّاً في الجيوب الأنفية، ويؤدّي إلى necrosis، واسوداداً في الموضع المصاب، والتهاباً حادّاً في العين. هي حالة خطيرة جداً تُعالَج بالدواء والجراحة، إلا أنّها يمكن أن تسبّب الوفاة ما لم يُسيطَر على الحالة”.
يدخل الفطر الأسود وغيره من الالتهابات الفطرية إلى الجسم من خلال الجيوب الأنفية، وينتقل إلى الرئتين. إذا أصاب إنساناً يتمتّع بصحّة جيّدة ومناعة قويّة، فلا يسبّب له أيّ مشاكل صحيّة
من جهة أخرى، يرى رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية المعدية في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، والمستشار في لجنة “منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط” البروفيسور غسان دبيْبو، أنّ “الحديث عن “الفطر الأسود” لا يحتاج إلى هذه الضجة الكبيرة الحاصلة، لأنّ الأمور بكل بساطة مرتبطة بمناعة الجسم. فالمصابون بكورونا لديهم استعداد أكثر من غيرهم لأن تنخفض مناعتهم، وبالتالي تصبح السيطرة على الفطريات صعبة”.
وأضاف في حديث لـ”أساس”: “الفطريات موجودة في الطبيعة من حولنا، وهناك أنواع منها نعلم أنّها تملك القدرة على أن تسبّب التهابات عند الأشخاص الذين لا يملكون مناعة أو مناعتهم منخفضة بسبب علاج كيميائي أو ضعف خَلقيّ. هذه الأنواع من الفطريات علاجها صعب، فهي تمتلك القدرة على إقفال الشرايين بالمنطقة التي أصابتها، وبالتالي تصبح الأدوية المختصّة بمحاربة الفطريات غير قادرة على الوصول إلى مكان الالتهاب. عندئذ تحدث “الغرغرينا” الناتجة عن الفطريات، وتبدأ البقع السوداء بالظهور، مسبّبةً للأنسجة ضرراً كبيراً يصل إلى حدّ إتلافها. والعلاج الوحيد، حينئذٍ، هو الجراحة. وفي حال التأخّر في العلاج، قد يموت المصاب”.
إقرأ أيضاً: الجرعة الثالثة: أزمة فيروس لن ينتهي؟
لكن ما الاختلاف بين الإصابة بـ”الفطر الأبيض” وتلك بـ”الفطر الأسود”؟ وأيّهما أكثر خطورة؟
يجيب دبيْبو: “هما تسميتان شعبيّتان. لا شيء علمياً اسمه فطر أبيض أو أسود. الفطر الذي يُطلق عليه اسم “الفطر الأسود”، أو الذي يُعرف أيضاً بفطر الغشاء المخاطي، هو أكثر توغّلاً وتأثيراً، ويمكنه أن يتسبّب بالكثير من الضرر للجيوب الأنفية والعينين، حتى للدماغ. ومنه ما ينتشر ليصيب أعضاء أخرى في الجسم. ولا يعرِّض للخطر الأشخاص الذين يملكون مناعة جيدة. أمّا “الفطر الأبيض” فهو مجرد خرافة ومفهوم خاطئ لِما يُعرف بـ”داء المبيضات” أو “سلاق الفم”، الذي يعتبر من أكثر أنواع العدوى الفطرية شيوعاً، ولا خطر منه على أصحاب المناعة القوية. ونسبة الإصابة بهذا النوع من الفطريات أعلى من نسبة الإصابة بـ”الفطر الأسود”.
في المقابل، خرجت منظمة الصحة العالمية عن صمتها لتنهي الجدل الحاصل، وأكّدت أنّ “الفطر الأسود” هو نوعٌ من الفطريات يسبّب مرضاً شديداً. ولفتت إلى ضرورة تأكيد أنّ وجود أمراض مزمنة، بالإضافة إلى كورونا، واستخدام عقاقير مثبّتة للمناعة، قد تزيد من فرص ظهور المرض الذي يعدّ من فئة الأمراض التي نادراً ما تصيب أشخاصاً.