عذراً فخامة الرئيس.. “أساس” لا تفتري

مدة القراءة 8 د

من حقّ مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، لا بل من واجبه أن يصدر البيانات المؤيّدة أو النافية لمصلحة رئيس الجمهورية، فتلك مهمّته وفقاً للأعراف ومنطق الأمور في لبنان. لكن أن يطلق المكتب اتّهامات بالكذب والافتراء والاستهداف المتعمّد ضد موقع “أساس”، فهذا ليس من حقّه ولا من صلاحيته.

إنّ موقع “أساس” رفع شعاراً منذ انطلاقته بأنّ الحقيقة والدقّة والجرأة هي “أساس”. إنّ تضرُّر أيّ شخص أو جهة من حقيقة تُكشَف عبر “أساس” لا يمثّل استهدافاً لهذه الشخصيّة أو تلك الجهة، بل يمثّل انتصاراً للحقيقة التي من واجبنا نحن الإعلاميين أن نكشفها وأن نوصلها إلى كلّ الناس.

بعدما نشر موقع “أساس” البيان الصادر عن المكتب الإعلامي ردّاً على مقالة رئيس التحرير الزميل زياد عيتاني تحت عنوان “السنّة ليسوا “حيوانات”… يا “فخامة” الرئيس، وذلك وفقاً لِما ينصّ عليه قانون الإعلام، واحتراماً منّا للرأي والرأي الآخر، نطرح ثلاثة تساؤلات قبل الدخول في تفاصيل ما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أو ما نُسِب إليه.

1- لماذا لم يتقدّم الرئيس ميشال عون في حينه بدعوى ضد موقع “ويكيليكس”؟

2- ما هو مصير الدعوى التي رفعها العماد عون ضد الوزير السابق شارل رزق وصحيفة الجمهورية؟ وما حقيقة أنّه اُكتُفِي بتسجيلها في قلم المحكمة؟

3- لماذا لم يصدر نفيٌ عن السفير الإيراني في بيروت محمد رضا شيباني، وقد ورد اسمه في وثائق “ويكيليكس” ضمن هذه الحادثة عدّة مرّات؟

لتسليط الضوء على الحقيقة كاملةً، نورد ما جاء في وثيقة “ويكيليكس” المعنيّة، التي تحمل الرقم 07BEIRUT1209،  والمؤرّخة في 8/8/2007:

“على جلسة عشاء في 8 آب بين السفير الأميركي (السابق) جيفري فيلتمان مع وزير العدل (السابق) شارل رزق، قرأ الأخير ملاحظات مكتوبة عن فحوى الاتصال الهاتفي الذي أجراه السفير الإيراني (السابق) محمد رضا شيباني مع رزق في 6 آب، طالباً اللقاء به. وجد رزق طلب شيباني اللقاء به أمراً مهمّاً بالنظر إلى أنّ السفير الإيراني كان يقاطع حكومة فؤاد السنيورة آنذاك، منذ أن استقال منها الوزراء الشيعة في 11 تشرين الثاني عام 2006، مع مواظبته على لقاء رئيس الجمهورية إميل لحود.

ما هو مصير الدعوى التي رفعها العماد عون ضد الوزير السابق شارل رزق وصحيفة الجمهورية؟ وما حقيقة أنّه اُكتُفِي بتسجيلها في قلم المحكمة؟

افتتح شيباني لقاءه برزق بأن مدحه، بوصفه “مختلفاً، وأفضل، وأكثر حكمة” من بقية زملائه الوزراء، وأنّه شخص يمكن لإيران أن تعمل معه. تحدّث رزق قليلاً عن انتخابات المتن التي جرت قبل يوم، لكن شيباني لم يُدلِ بآراء مهمّة عن الأمر.

انتقل شيباني بعد ذلك إلى الموضوع المفترَض من جانب رزق، وهو الحوار الأميركي الإيراني، فقال إنّ العراق هو الذي جعل الولايات المتحدة وإيران أكثر تقارباً منذ عقود. وإنّ الحكومة الأميركية تعترف بأنّ الاتفاق مع إيران لا مفرّ منه. وفي حين أنّ المحادثات الثنائية ما زالت في طورها الجنينيّ، مع كثير من الاختلافات بين البلدين، لكنّ الحوار سينمو ويتضمّن ليس فقط العراق، بل أيضاً الأمن في الخليج ولبنان. وقال شيباني إنّ هذا تطوّر إيجابي بالنظر إلى أنّ الحكومة الأميركية تعترف الآن بالدور الإقليمي لإيران. وتقرّ إيران بأنّه مهما كانت علاقاتها دافئة مع فرنسا، فلا بدّ من الاتفاق مباشرة مع الولايات المتحدة. إنّ هذه أخبار جيدة من أجل استقرار لبنان، كما رأى شيباني.

وعلّق رزق أمام السفير فيلتمان قائلاً: “تكوَّن عندي إحساس، بطريقة غريبة، بأنّ هذا الرجل موالٍ لأميركا فعلاً”. وقال رزق أيضاً إنّ لديه انطباعاً بأنّ السفير الإيراني يتجاهل سوريا، معتبراً إيّاها لاعباً صغيراً.

وسأل رزق: إذا كان الاتجاه السائد في العلاقات الأميركية الإيرانية إيجابياً، فكيف أعلنت الحكومة الأميركية عن التزام أمن الدول العربية المعتدلة بما قدره 20 مليار دولار؟ هنا، أشار شيباني إلى وعاء الحلوى على طاولة القهوة، وقال: إنّ هذا الإعلان هو مجرّد شوكولا، شيء لإفراح السنّة وإلهائهم. وبينما يكون العرب الخليجيون منشغلين بتناول الحلويات التي أعطتهم إيّاها الولايات المتحدة، تكون هي وإيران تبنيان الشراكة الجديدة بين البلدين، بحكم الضرورة لا الحبّ (السفير فيلتمان رفض تفسير شيباني).

وقال رزق إنّ شيباني حاول بعد ذلك شرح السياسة النووية لإيران، لكن رزق أوقف النقاش قائلاً إنّه غير مطّلع بما فيه الكفاية على الموضوع ليكون قادراً على التعليق. ثمّ ذهب شيباني في شرح مطوّل كيف أنّ لمسيحيّي لبنان وشيعته أموراً مشتركة، ولماذا إيران مهتمّة جدّاً بمنح الحماية لكلتا الطائفتين أمام التطرّف والطموح السُنّيّين.

حاول رزق استدراج شيباني إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية، لكن شيباني تجنّب الأمر. قال رزق وهو يحاول بصوت عالٍ ترجيح ما إذا كانت هذه أخبار جيدة أو سيئة بالنسبة لآماله في الرئاسة: “لم يكن شيباني ملتزماً تأييد عون”.

شيباني نصح رزق بأن يكون قريباً من رئيس البرلمان نبيه بري في الأسابيع القادمة قبل موعد الانتخابات الرئاسية، وقال إنّ إيران تثق بإدارة بري لملفّ الرئاسة. هنا وجد رزق من المثير للفضول أنّ شيباني لم يذكر حكومة الوحدة الوطنية التي يطالب بها حزب الله وحركة أمل. أمّا رزق المتفائل أبداً، فقد استنتج أنّ هذه إشارة إلى أخبار جيدة آتية تتعلّق بطموحاته الرئاسية.

بنظر رزق، أراد عون ترك الانطباع بأنّه يلتقي نصر الله على نحوٍ منتظم “سواء أكان هذا صحيحاً أم لا”. وبحسب عون، فإنّ نصر الله، قائد حكيم ومعتدل. والشيعة هم مثل الموارنة ملح الأرض

في اليوم التالي، في 7 آب، التقى رزق على مدى ساعتين مع ميشال عون. فكان مصدوماً بمدى التشابه بين تعليقات عون وشيباني، مع اختلاف النبرة، مستعملاً أوصافاً صادمة وعنصرية، في حديثه عن سنّة لبنان بوصفهم “حيوانات”، وهي التي تجنّبها السفير الإيراني الأكثر تهذيباً. أعرب عون عن كراهيّته للنظام السوري، لكنه عقّب قائلاً إنّه لا خيار إلا التعاون مع العلويّين الذين هم الآن في النظام لحماية لبنان من السنّة. ولا يمكن السماح بسقوط سوريا تحت الحكم السنّي باعتبار أنّ الجمع بين سنّة لبنان وسوريا سيؤدّي إلى إخراج المسيحيين بشكل دائم.

معظم هذا اللقاء الذي دام ساعتين، خصّصه عون لشرح كم بات قريباً من نصر الله. بنظر رزق، أراد عون ترك الانطباع بأنّه يلتقي نصر الله على نحوٍ منتظم “سواء أكان هذا صحيحاً أم لا”. وبحسب عون، فإنّ نصر الله، قائد حكيم ومعتدل. والشيعة هم مثل الموارنة ملح الأرض. الموارنة والشيعة كلاهما يحبّان الأرض. وحبّ الأرض خطوة أولى نحو حبّ الوطن. أمّا السنّة فهم أجانب، بلا جذور، أمميّون، جامعو أموال، ومتطرّفون على نحوٍ متزايد (يعترف رزق بأنّ عون يتبنّى نمطياً النبرة المعادية للسامية مطبّقاً إيّاها على السنّة بدلاً من اليهود).

الموارنة والشيعة بترابطهما معاً، يمكن لهما أن يواجها التهديد السنّي، إن كان داخلياً (أي جمهور الحريري والسنيورة) أو خارجياً (أي السعودية).

عون شرح لرزق أنّه ونصر الله يعترف واحدهما بالآخر بدور القيادي المنفرد، لذلك الوثيقة، التي وقّعاها معاً في 6 شباط عام 2006، بقيت قويّة. وقال رزق إنّ عون تحدّث بشكل غامض عن تفاهم جديد يعمل عليه سرّاً ممثّلو الرجلين (عون ونصر الله). وفي هذه الوثيقة الجديدة، يتعهّد نصر الله بتأييد المبادرات العلمانية مثل الزواج المدني. وإنّ السُنّة، كما قال عون، لن يجرؤوا أبداً على قبول هذا الطرح. وإنّ المقاربات المختلفة تُظهر أيضاً كم أنّ نصر الله منفتح ذهنيّاً على المسيحيين. (السفير فيلتمان سأل لاحقاً عضو كتلة عون، النائب إبراهيم كنعان، عن احتمال عقد تفاهم جديد بين عون ونصر الله. كان جواب كنعان كمن أصابته صدمة حقيقية “لا سمح الله”. لو حصل هذا “فسنكون قد انتهينا”).

إقرأ أيضاً: السنّة ليسوا “حيوانات”… يا “فخامة” الرئيس

عون تناول في اللقاء أخباراً شبيهة بما قاله السفير الإيراني عن الحوار الإيراني الأميركي، مدّعياً أنّ لديه مصادر مطّلعة على هذا الحوار، معتبراً أنّ هذه المحادثات ستزوّد مسيحيّي لبنان وشيعته بالحماية من الخطر السنّي الداخلي. وستساعد أيضاً بتمهيد الطريق لعون كي يصبح رئيساً بدعم من حزب الله. وستساعد إيران الولايات المتحدة على إدراك مخاطر “التعجرف” السنّي. وسيبقى حزب الله وعون قويّين من خلال هذا الحوار، وستذبل الحريرية. وكشف عون أنّه عندما يكون مع نصر الله ، فإنّهما يفضّلان إيران على سوريا، من جهة لأنّ بعد المسافة يصنع الجيران الجيّدين. والإيرانيون لا يتكلّمون العربية، وليسوا سنّة، وليسوا على حدود لبنان. وهو ما يجعل نصر الله وعون كليهما أكثر ارتياحاً.

وقال رزق إنّ عون بدا متغافلاً عن آثار انتخابات المتن، مقتنعاً على الرغم من الوقائع المعاكسة بأنّه سيظلّ يحظى بدعم مارونيّ عارم”. 

مواضيع ذات صلة

لبننة “الحزب”؟

منذ نشأته كانت لبنانية “الحزب” مسألة إشكالية، في الشكل كما في المضمون. والمضمون والشكل هنا متلازمان متساويان في الدلالة والمعنى. اليوم لم يعد من هامش…

“سمفونيّة الأمل” في السعوديّة.. والقوّاس: لعودة لبنان للحضن العربي

“لبنان جريح، وشفاؤه بالعودة إلى الحضن العربي”. هذه خلاصة كلمة رئيسة المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى السوبرانو هبة القوّاس في حفل موسيقي ضخم نظّمته في…

الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (2/2)

في الجزء الثاني من هذه التحية إلى المثقف الراحل الياس خوري، يكتب كلٌّ من: علوية صبح، وواسيني الأعرج، ويوسف المحيمد، وليانة بدر، وطالب الرفاعي، وسمر…

نداءٌ ثانٍ ودائم إلى دولة “النبيه”

هو صاحب الفكرة، حامل القلم، إبرة الميزان، والممسك بخيوط كثيرة. لا تخطئ بوصلة نبيه بري. السياسة عنده احتراف. أحد أبرز صنّاع الاستثناء في التاريخ اللبناني…