لم يكتفِ الرئيس نبيه برّي بـ”حفر وتنزيل” الكمين الذي نَصَبه لرسالة رئيس الجمهورية، مُعيداً الأخير إلى مربّع اليوم الأول من التكليف، بل تقصّد الإيحاء بأجواءٍ إيجابية أعقبت جلسة المواجهة بين سعد الحريري وجبران باسيل، وذلك عبر “حَرَكَتيْن”:
الأولى هي أنّه استقبل باسيل في مكتبه بمجلس النواب بعد فترة من انقطاع التواصل المباشر، وعقد لقاءين مع الحريري يوم السبت مع قنوات مفتوحة بكل الاتجاهات.
والثانية عبر معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الذي تحدّث عن “نقطة انطلاق يعمل عليها رئيس المجلس، والأمور مش مسكّرة”.
الأمور فعليّاً ليست “مسكرة”. بل الأدقّ أنّها “مطَربقة” فوق رؤوس الجميع. وما تردّد عن وجود مسعى بقيادة رئيس المجلس لإحداث خرقٍ في جدار تأليف الحكومة، لا يعدو كونه “تلطيفاً للأجواء” ومحاولةً لتدوير الزوايا عقب جلسة كرّست المتاريس بين فريقيْ التأليف، و”شبّعت” الأزمة بالمزيد من عناصر الاحتقان.
معلومات “أساس” تشير إلى مسعى متجدّد يعمل عليه برّي لإعادة إنعاش تسوية الـ24 وزيراً. وقد لمّحت أوساط برّي إلى أنّ الحريري “غير ممانع لها”، وذلك بعدما تمسّك الرئيس المكلّف طويلاً بصيغة الـ18 وزيراً، وعلى أساسها قدّم تشكيلته لرئيس الجمهورية بعد 14 جولة من التشاور
لا مساحة مشتركة بين عون، الذي يريد الحريري رئيساً للحكومة، لكن بلائحة شروط، على رأسها تعبئة الفراغات في استمارةٍ تتعلّق بأصول تأليف الحكومة و”محضّرة سلفاً” في بعبدا، وبين الرئيس المكلّف المتمترس خلف “دفتر شروط”، مدعوم دوليّاً، لتأليف حكومته.
مع ذلك، معلومات “أساس” تشير إلى مسعى متجدّد يعمل عليه برّي لإعادة إنعاش تسوية الـ24 وزيراً. وقد لمّحت أوساط برّي إلى أنّ الحريري “غير ممانع لها”، وذلك بعدما تمسّك الرئيس المكلّف طويلاً بصيغة الـ18 وزيراً، وعلى أساسها قدّم تشكيلته لرئيس الجمهورية بعد 14 جولة من التشاور.
يومئذٍ ضمّن الحريري التشكيلة ستة وزراء لعون، من بينهم واحد للطاشناق. ومن الخمسة الباقين اختار الحريري، كما كشف سابقاً، أربعة أسماء من اللائحة “الملوّنة” التي قدّمها له عون في لقائهما الثاني في القصر الجمهوري بعد التكليف.
لكنّ الألغام المحيطة بهذا المسعى كثيرة، وقد فُنِّدت بوضوح في كلمتيْ باسيل والحريري في مجلس النواب، حيث إنّ ما يسري على حكومة الـ18 من عقبات يسري على الـ24 وزيراً لناحية الشروط والشروط المضادّة.
عمليّاً، فجّرت جلسة الأونيسكو كلّ الجسور بين فريق رئيس الجمهورية وبين الرئيس المكلّف. هي جلسةٌ من إعداد وإخراج نبيه برّي، و”بطولة” سعد الحريري، بمساندةٍ “بالصوت والصورة” من حزب الله. جدّدت “شباب” التكليف حتى إشعار آخر، و”عطّلت” مفاعيل اقتراح النائب باسيل، الذي دعا ميشال عون إلى استضافة الكتل النيابية حول طاولة حوارٍ وطني، وبات اقتراحاً خارج السياق والمنطق بعدما “نجح” العهد في جمع كل القوى السياسية ضدّه.
وتجاهل برّي اقتراح باسيل لجهة تعديل المُهل الملزِمة دستوريّاً لرئيس الجمهورية والرئيس المكلّف في الدعوة إلى الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة.
يُتوقّع أن يطلق رئيس مجلس النواب اليوم، من خلال خطابه لمناسبة “عيد التحرير”، مواقف أكثر تشدّداً حيال ضرورة تجاوز المتاريس المتبادلة من أجل تشكيل الحكومة “فوراً”، وأن تدور كلمة الأمين العام لحزب الله، للمناسبة عينها، يوم غد، في فلك طلب “التنازلات المتبادلة”
والأهمّ كيف يمكن لحوارٍ وطني أن ينطلق داخل غرفة مبرّدة، وحول طاولة تتوسّطها باقة ورود، وبين خصوم “يلطي” بعضهم للبعض الآخر، ويصلون إلى مدخل القصر بمواكب جرّارة، فيما الناس “تحترق” بنار أزماتٍ أنتجتها الرموز السياسية نفسها التي سيدعوها عون للتحاور حول الحكومة والإصلاحات. ومن الآخِر، مَنْ سيردّ أصلاً على دعوة رئيس الجمهورية إن فعلها؟!
ما أعلنه لصيقون بالرئيس برّي، عشيّة جلسة مناقشة رئيس الجمهورية، دلّ على خطة الحصار التي نُفِّذت في قاعة الأونيسكو: “أراد عون سحب التكليف بالسياسة، لكن من نَصَحه بإرسال الرسالة إلى مجلس النواب كان عليه أن يتوقّع نتيجتها. يوجد رئيس مكلّف معروف، وورقة الاعتذار بيده وحده، وما على رئيس الجمهورية سوى التكيّف مع هذا الواقع”.
حتّى إنّ قصاصة الورق، التي حملها برّي في نهاية جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية ليطلب من “رئيس الحكومة المكلّف المضيّ قدماً وفق الأصول الدستورية للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”، خطّها بري قبل يوم في عين التينة بالتنسيق مع الحريري وحزب الله و”الاشتراكي”. ومن ضمن “الباكدج” الاتّفاق على أن تكون كلمة الحريري خاتمة الكلمات من دون الخروج عن النصّ “القاسي”، بغضّ النظر عن فحوى كلام باسيل.
ولوحظ تراجع وليد جنبلاط عن موقفه بالنأي بالنفس عن السجالات حول الرسالة الرئاسية التي سبق أن قال عنها إنّها “لا معنى لها”. وذلك عندما اختار خطيباً في الجلسة النائبَ هادي أبو الحسن، الذي رفض باسم “اللقاء الديموقراطي” سحب التكليف، ودعا إلى تسوية حكومية من 24 وزيراً.
ووفّر برّي لموقف “مجلس النواب من رسالة رئيس الجمهورية إجماعاً صُوَريّاً لم يحصده، إذ عارضته كتلتا “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية” وعدد من النواب، الذين لم يكد يطلب منهم رئيس مجلس النواب التصويت على “الموقف” برفع الأيادي حتى عاجلهم بـ “صُدِّق”.
وفيما يُتوقّع أن يطلق رئيس مجلس النواب اليوم، من خلال خطابه لمناسبة “عيد التحرير”، مواقف أكثر تشدّداً حيال ضرورة تجاوز المتاريس المتبادلة من أجل تشكيل الحكومة “فوراً”، وأن تدور كلمة الأمين العام لحزب الله، للمناسبة عينها، يوم غد، في فلك طلب “التنازلات المتبادلة”، عَكَست ردّات فعل فريق عون وباسيل مدى الاحتقان الذي أنتجته جلسة الأونيسكو.
ووصل الأمر إلى حدّ أن اعتبر المستشار الإعلامي والسياسي لرئيس الجمهورية أنطوان قسطنطين أنّ الرئيسَ المكلّفَ “مكبّلٌ بألف عقدة”، وينتهج “سلبيّة هدّامة”. وميّز النائب سليم عون، القريب من باسيل، “بين كلام رجل دولة وكلام ولد دولة”، فيما اتّهم النائب زياد أسود الحريري صراحةً بالفساد، قائلاً: “كم مرّة استغلَلْت المركز أنت وأزلامك، وكوّنت ثروات، وخالفت القانون. واليوم “بدّك” تمنع الارتطام الكبير”؟!
إقرأ أيضاً: الحريري إلى بعبدا… وعون لانتخابات مبكّرة الآن
وفي ظلّ إقرار مرجعية ناشطة بين بعبدا وبيت الوسط بأنّها “المرّة الأولى في تاريخ مسار تأليف الحكومات التي يصل فيها رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف إلى هذا الحدّ من الصدام”، فإنّ مرحلة ما بعد جلسة “بتّ مصير التكليف” جعلت كل الاحتمالات واردة، بما فيها اعتذار الحريري، مع الدخول رسميّاً في العام الأخير من عمر العهد، وتصرّف كلّ القوى السياسية من منطلق ما ستحصده من شعبيّة في صناديق الاقتراع على بعد 11 شهراً من الانتخابات النيابية، التي يضغط المجتمع الدولي لحصولها في موعدها… لذلك سنشهد، على الأرجح، المزيد من عروض “شدّ العصب” على كلّ المستويات.
وفي الوقت الضائع، وبعدما أشار الحريري إلى العقوبات الأوروبية التي قد تكون دفعت رئيس الجمهورية إلى “حماية الحاشية والمحيطين” عبر رسائل موجّهة إلى عواصم العالم ومجلس النواب، كشف أمس لقناة “otv” النائب العوني سيمون أبي رميا، الموجود حاليّاً في باريس والمكلّف بمهمّة من قبل رئيس الجمهورية، أنّ “أشخاصاً تبلّغوا بإجراءات ستطولهم، لكن لم يُعلن ولن يُعلن رسميّاً عنها، والتبليغ سيتمّ مباشرة أو غير مباشرة من السلطات الفرنسية”، مشيراً إلى أنّ “الإجراءات تطول قيادات صفّ أوّل، وإذا لم تكن لديها مصالح اقتصادية في فرنسا فستطول من يدور في فلكها”.