أنهى مصرف لبنان أمس يومه الثالث والأخير للدورة التدريبية التي نظّمها بهدف إطلاع الصرّافين والعاملين في المصارف على طريقة عمل منصّة صرف الدولار الجديدة، واسمها “صيرفة”. تلك التي طال انتظار موعد تفعيلها أشهراً وأسابيع، وتُعقد عليها آمال كثيرة لضبط سعر صرف الدولار، فينتظرها الصرّافون والتجّار والمستوردون، ظنّاً منهم أنّها ستفتح الباب أمام حصد الدولارات بأبخس الأسعار.
وفي أول ردّ فعل على هذا النشاط، يمكن القول إنّ مصطلح “دورة” كان “مبهبطاً” على ما عاينه هؤلاء الصرّافون والمصرفيّون خلال اليومين الماضيين. فالدورة اقتصرت، بحسب عدد من الذين حضروا فعالياتها كلّها، على شروحات تقنية من خبراء برمجيّات، أوفدتهم الشركة التي هندست التطبيق الخاصّ بالمنصّة ونفّذته. ولم ينتدب المصرف المركزيّ أيّ فريق نقدي أو مالي لتقديم الشروحات اللازمة. وهذا يعطي انطباعاً أنّ مصرف لبنان يحاول شراء الوقت إلى ما شاء الله، وما المنصّة حتّى اللحظة إلاّ “طبخة بحص”.
وكشفت مصادر خاصّة بـ”أساس” أنّ الحاضرين خرجوا محبطين وخائبي الآمال ممّا تابعوه في الداخل. إذ لم تأتِ التوقّعات على قدر الجوّ الذي عكسه المكان الذي استضاف الدورة في “المعهد الفرنسي العالي للأعمال École supérieure des affaires”، في منطقة كليمنصو.
في أول ردّ فعل على هذا النشاط، يمكن القول إنّ مصطلح “دورة” كان “مبهبطاً” على ما عاينه هؤلاء الصرّافون والمصرفيّون خلال اليومين الماضيين
وأكّدت المصادر، أيضاً، أنّ عدد الحاضرين عند مدخل الجامعة فاق بكثير عدد الذين سُمح لهم بالدخول، لأنّ الجهة المنظّمة قد وزّعت الأعداد، البالغة نحو 100 شخص والمقسّمة بين صرّافين ومصرفيّين، على الأيام الثلاثة المخصّصة للدورة، وأخطرت المشاركين بالمواعيد بواسطة البريد الإلكتروني لكلّ منهم، إلاّ أنّ جزءاً كبيراً منهم لم ينتبه لهذه الرسالة، فحضروا من اليوم الأول ظنّاً منهم أنّ الدورة ستمتد على الأيام الثلاثة، وأنّ أمراً جللاً سيحدث ولا يمكن تفويته.
لكنّ الدورة كانت عبارة عن ساعة واحدة من الشرح، سبقتها نصف ساعة تقريباً من الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا، التي بدأت بمعاينة حرارة الحاضرين عند المدخل والتوقيع على الحضور، ثم توزيعهم على المقاعد بطريقة تضمن التباعد الاجتماعي… وكلّ هذا، بحسب المصادر، “كان يمكن الاستعاضة عنه بفيديو مصوّر لا تتخطّى مدة الشروحات فيه الدقائق العشر على أوسع تقدير، يوزّع على المشاركين إلكترونياً مثل البريد الذي وصلنا، ويمكن مشاهدته مساءً أو في أوقات الفراغ، فيعفينا من مشقّة الطريق”.
روى واحد من الحاضرين لـ”أساس” ما تضمّنته الدورة من “شرحٍ لطريقة تشغيل التطبيق، وتدريب الحاضرين على إدخال كمية رأس المال صباح كل يوم، وتأكيد ضرورة ألا تتخطّى العمليات اليومية هذا الرقم المُدخل صباح كلّ يوم”.
على سبيل المثال، إذا أدخل الصرّاف رقمَ 50 ألف دولار صباحاً رأسمالاً يوميّاً لعملياته، فهو ملزم بأن تكون عملياته مقيدةً بهذا السقف وألا تتخطاه. مع الإشارة إلى إمكان التعامل بأكثر من عملة في هذه المنصة، التي لن تقتصر على “ثنائية” الدولار الأميركي والليرة اللبنانية.
وكشف المصدر أنّه بُعيد انتهاء الشرح طرح عدد من الحاضرين بعض الأسئلة، فكان جلّها عن الآلية التي ستُتّبع لشراء الدولارات، وعن مصدر هذه الدولارات، وتوقيت حصولهم عليها. فأخبرهم الفريق التقني، المولج بالشرح، أنّ هذا الأمر “من اختصاص مصرف لبنان الذي سيصدر مستقبلاً تعاميم تجيب عن هذه الأسئلة كلّها”، فأثار هذا الجواب موجة استياء لدى الحاضرين الذين أبدوا امتعاضهم، وسألوا عن “جدوى تكبّد عناء الحضور إلى بيروت من مناطق بعيدة، مثل البقاع وطرابلس وصور، من أجل هذه التفاصيل”.
لا يُخفى أنّ اهتمامات الحاضرين كلّهم انصبّت فقط على طريقة حصولهم على الدولارات، وهذا يعني أنّ وجهة الدولارات، إذا وُجدت طبعاً، لن تكون إلاّ في اتجاه واحد: من داخل المصرف المركزي إلى خارجه فقط، وليس العكس على الإطلاق
وأثار بعض من الحاضرين شكوكاً في أن يكون مصرف لبنان قد فصل العاملين في المصارف المشاركين في الدورة عن الصرّافين من خلال توزيعهم على هذه الأيام الثلاثة، وقال صرّاف مشارك في الدورة إنّه إن ثبت ذلك فهذا يعني أنّ المصرف المركزي “يتحدث بلغتين، وما يخبره للمصارف وسيتعامل معهم على أساسه مستقبلاً، ربّما يختلف عمّا سيخبرنا نحن الصرّافين إيّاه”.
لكن بعيداً من هذه التفاصيل كلّها، قد تعطي أسئلة الحاضرين فكرة جليّة عمّا ينتظر مصرف لبنان في حال صدق في تفعيل منصّته. ولا يُخفى أنّ اهتمامات الحاضرين كلّهم انصبّت فقط على طريقة حصولهم على الدولارات، وهذا يعني أنّ وجهة الدولارات، إذا وُجدت طبعاً، لن تكون إلاّ في اتجاه واحد: من داخل المصرف المركزي إلى خارجه فقط، وليس العكس على الإطلاق.
إقرأ أيضاً: لا “منصّة مركزيّ” الجمعة: “السوق السوداء”سوقان
وكان السؤال عن قُدرة مصرف لبنان على ضخّ هذه الدولارات في هذا التوقيت، الأكثر تكراراً: كيف للمركزي أن يبعث بالرسائل كل يوم عن قرب توقّف الدعم بعيد انتهاء شهر رمضان، ثمّ يتحدّث عن ضبط سعر السوق عبر هذه المنصّة؟ وبأيّ أموال؟
مصادر مصرفية مطّلعة تجيب عن هذا السؤال بجواب حاسم، فتقول إنّ مصرف لبنان “سيستمرّ بالتسويف والمماطلة” إلى حين تشكيل الحكومة المنتظرة، لأنّه يراهن على هذه الحكومة وعلى جوّها الإيجابي لخفض سعر الصرف، وليس على المنصّة ولا على دولارات ما عاد يملكها، فـ”يركب موجة” الحكومة، لينسب إلى نفسه وإلى هذه المنصّة “إنجاز” لجم سعر الصرف.
لكنّ الخوف يكمن في أن يتوقّف الدعم ولا تتشكّل الحكومة وتنفد دولارات المصرف المركزي… يومئذ، علينا أن نستعدّ جميعاً لأكل ما يطبخ في الدورة التدريبية… أي أن “نأكل بحص”.