وجّهت السلطة الفلسطينية، بعد صدور المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات، رسالة رسمية إلى الحكومة الإسرائيلية بشأن الانتخابات العامّة القادمة في الأراضي الفلسطينية، طالبت فيها بالسماح بإجراء هذه الانتخابات في القدس الشرقية، لكنها لم تتسلّم إلى اليوم ردّاً على هذه الرسالة. فحتى الآن، لم تعلّق إسرائيل رسمياً على الانتخابات الفلسطينية المقبلة، ولم تتّخذ موقفاً معلناً من مسألة إجراء الانتخابات في مدينة القدس الشرقية المحتلة. ورفض منسّق النشاطات الحكومية في المناطق المحتلة ومسؤولون في هيئات إسرائيلية عدّة، بما فيها مكتب رئيس الوزراء ووزارة الدفاع، الردّ على أسئلة الصحافيين بشأن موقف إسرائيل من هذه الانتخابات.
وكان الرئيس محمود عباس قد صرّح في سنة 2019: “لن ننظم انتخابات لا تكون القدس في القلب منها”، وأكّد قادة فلسطينيون عديدون، في الأيام والأسابيع الأخيرة، أنّ الانتخابات الفلسطينية المقبلة لا يمكن أن تجري بمعزل عن مدينة القدس المحتلة. حتّى إنّ بعض القوائم الانتخابية، مثل قائمة “اليسار الموحّد”، التي شكّلها حزب الشعب الفلسطيني والاتحاد الديموقراطي الفلسطيني (فدا) برئاسة المناضلة المقدسية فدوى خضر، ربطت مشاركتها في الانتخابات بضمان إجرائها في مدينة القدس المحتلة ترشيحاً وانتخاباً.
ليست مسألة إجراء الانتخابات في مدينة القدس الشرقية مسألة ثانوية، بل هي مسألة مركزية لأن القبول باستثناء هذه المدينة من الانتخابات يعني تكريس الضم الإسرائيلي لها وتنحية قضية احتلالها عن قلب المشروع الوطني الفلسطيني
نشرالمحلّل السياسي الإسرائيلي أهارون بوكسرمان في 22 شباط 2021 مقالاً بعنوان: “الانتخابات الفلسطينية: القدس عقبة أم حجّة ممكنة”، أشار فيه إلى أنّ نحو 350 ألف فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية، وهم يُعتبرون، بحسب القانون الإسرائيلي، مقيمين دائمين وليسوا مواطنين إسرائيليين، ولا يمكنهم المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، لكن إسرائيل تعتبر أنّ السماح لهم بالتصويت في الانتخابات الفلسطينية ينتهك سيطرتها على مجمل المدينة، ويستشهد، في هذا السياق، بما يقوله الجنرال في الاحتياط ومستشار الأمن القومي السابق يعقوب أميدرور الذي يرى أنّ “القدس هي عاصمة إسرائيل، ولا يمكن، سياسياً ورمزياً، أن تجري فيها انتخابات لأيّ كيان وطني آخر”، معتبراً أنّ أرييل شارون “أخطأ عندما سمح لحماس بالمشاركة في انتخابات سنة 2006”. ويستشهد بما يقوله وزير الخارجية السابق سيلفان شالوم، الذي يعتبر أنّ رئيس الوزراء بالوكالة إيهود أولمرت “وافق، بعد ضغوط مارستها الولايات المتحدة، على إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، إذ كانت الولايات المتحدة والحزب الجمهوري يركّزان، في تلك الفترة، على عمليات الدمقرطة، وكانت تجتاح المنطقة موجة من الانتخابات، كما في العراق مثلاً، بحيث توافقت الانتخابات الفلسطينية مع هذا النموذج؛ أمّا أولمرت فكان يعتقد أنّه سيكون من الصعب عليه الدخول في نزاع مع الأميركيين بصفته رئيساً للوزراء بالوكالة عشية انتخابات كان منافسه فيها بنيامين نتنياهو”.
وهكذا، في يوم الانتخابات التي جرت في سنة 2006، “شارك نحو 5000 من سكان القدس الشرقية في الانتخابات في مكاتب بريد موزعة على كلّ أرجاء المدينة، ثم نقلت صناديق الاقتراع و”حُسِب عدد الأصوات فيها في مناطق تابعة للضفة الغربية”.
إذا لم تفلح الضغوط الدولية في إجبار حكام إسرائيل على تنظيم الانتخابات فيها بحرية، ومن دون تهديد المقدسيين بسحب بطاقات الإقامة منهم في حال مشاركتهم فيها، فالأفضل في هذه الحالة إلغاء الانتخابات أو تأجيلها
أمّا المحلّلة السياسية كلوتيلد مرافكو، فقد كتبت تحقيقاً من القدس الشرقية في 2 آذار 2021 عن مأزق فلسطينيّي القدس الديموقراطي، الذين لا يسمح لهم بالمشاركة إلا في الانتخابات البلدية، التي شارك فيها سنة 2018 أقلّ من 2% منهم. وتستشهد، في هذا السياق، بموقف الشاب المقدسيّ محمود البالغ من العمر 20 عاماً الذي يقول: “إن استطعت التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، فأنا لن أفعل ذلك، فهي ليست دولتنا، ودولتنا هي فلسطين”، ويقول صديق له: “قد أُعتقَل بسسب بوست أنشره على فيسبوك”. وبحسب منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، اعتقلت السلطات الإسرائيلية مئات الفلسطينيين في القدس وفي الأراضي المحتلة بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي بتهمة “التحريض على العنف والإرهاب”.
وتابعت الباحثة القول أنّه “في سنتي 1996 و2006 استطاع المقدسيون المشاركة في الانتخابات التشريعية، لكن لم يسمح في انتخابات 2006 إلا لنحو 6000 من أصل 100000 بالتصويت بالقرب من أماكن سكناهم؛ أمّا الآخرون فكان عليهم اجتياز الحواجز العسكرية وعبور الجدار للاقتراع”، إذ لم تسمح إسرائيل إلا بستّة مراكز تصويت في المدينة.
لكن “ماذا سيجري اليوم؟ قد تمنع إسرائيل إجراء الانتخابات في المدينة”، وقد تقمع بالقوّة تنظيمها، كما يتوقّع زكريا عودة مدير “الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس”، الذي يقول لها إنّ “الإسرائيليين يمنعون أيّ نشاط يمكننا من خلاله التعبير عن هويتنا الوطنية، وحقوقنا، ووجودنا”، ويتابع أنّه “منذ سنة 2000 أغلقت إسرائيل مقرّات 48 منظمة غير حكومية هنا، وتزايدت الاعتقالات وأعمال قمع الكيانات الفلسطينية كثيراً في السنوات الثلاث الأخيرة”. ويستشهد بمثال عدنان غيث، محافظ مدينة القدس الذي عيّنته السلطة الفلسطينية والذي “أوقفته السلطات الإسرائيلية مرّات عدة منذ تسلّمه منصبه الرمزي سنة 2018، ومنعته من التوجّه إلى مكتبه ومن ممارسة نشاطه، وأعلن عقب ذلك وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان أنّه سيواصل بحزم التحرّك ضدّ أيّ محاولة لتحدّي السيادة الإسرائيلية على القدس”.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الفلسطينية: توقّعات ورهانات (1/2)
وختاماً، ليست مسألة إجراء الانتخابات في مدينة القدس الشرقية مسألة ثانوية، بل هي مسألة مركزية لأنّ القبول باستثناء هذه المدينة من الانتخابات يعني تكريس الضمّ الإسرائيلي لها وتنحية قضية احتلالها عن المشروع الوطني الفلسطيني. وإذا لم تفلح الضغوط الدولية في إجبار حكّام إسرائيل على تنظيم الانتخابات فيها بحرّية، ومن دون تهديد المقدسيين بسحب بطاقات الإقامة منهم في حال مشاركتهم فيها، فالأفضل في هذه الحالة إلغاء الانتخابات أو تأجيلها، والتركيز من جديد على إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتجديد شبابها، وتوسيع طابعها التمثيلي، وإضفاء طابع ديموقراطي على هيئاتها. فحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، في أماكن وجوده كافة، تعبّر عنها في نهاية المطاف منظمة التحرير لا هيئات حكم ذاتي طالت مرحلتها الانتقالية وبات يُخشى من دوامها.
* المصدر: مدوّنة “فلسطين الميدان”، وهي مدوّنة مؤسّسة الدراسات الفلسطينية، وتُعنى بمقالات ومواضيع عن فلسطين، والصراع العربي الإسرائيلي، والتطوّرات الإقليمية والدولية التي تؤثّر في فلسطين، بالإضافة إلى إنتاجات المؤسّسة البحثيّة.