لا حلول ظاهرة في الأفق الحكوميّ. فمواقف القوى السياسية لا تزال على حالها وفوق متاريسها. ويعترف المعنيّون بانسداد المشهد الداخلي ربطاً بالفيتوات المتبادلة التي تحول دون التقاء المتباعدين، وتحديداً الرئاستين الأولى والثالثة، عند خطّ وسطيّ قد يسهم في ولادة حكومة المهمّات المستحيلة.
فيما يرفض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أيّ مسعى أو ضغط قد يدفعه إلى إعادة إحياء حكومته لملء الفراغ الحاصل، متمسّكاً بمقتضيات الدستور، وممتنعاً عن الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء (وقد يكون إقرار مشروع الموازنة هو الاستثناء). خصوصاً أنّه متيقّن من أنّ تفعيل حكومته المستقيلة سيمنح الآخرين حجّة وأسباباً تخفيفيّة للإمعان في مماطلتهم بالمشاورات الحكومية. وهو يعرف أنّ بقاءه في السراي عشية الانفجار الاجتماعي هو كأس مرّة يُجبر على تجرّعها نقطة نقطة.
تشهد الساحة اللبنانية حركة خفيّة من الاتصالات التي يتولّاها مسؤولون دوليّون مع أصدقائهم اللبنانيّين، تشي بأنّ الحراك الدولي يأخذ منحى جدّيّاً في دفع اللبنانيّين إلى تخطّي خلافاتهم لتشكيل حكومة قادرة على تطويق الانهيار ومنع التفلّت الأمنيّ
تقابل الجمودَ الداخليَّ حركةٌ دولية استثنائية باتجاه لبنان، عبّرت عنها زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، ثمّ الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي، وقبلهما الإدارة الفرنسية التي كانت تسطّر بياناً تلو آخر، سواء منها الذي حمل لغة تهديديّة، كتلك التي يواظب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على الإدلاء بها، أو الذي كان ذا صيغة مشتركة مع السعودية والولايات المتحدة الأميركية، فيما كلّها تصبّ في خانة واحدة: ضرورة الإسراع في تأليف حكومة لبنانية. إضافة إلى ما يتسرّب من تهديدات “أوروبية” بفرض عقوبات على المعرقلين.
في موازاة تلك المواقف الظاهرة، تشهد الساحة اللبنانية حركة خفيّة من الاتصالات التي يتولّاها مسؤولون دوليّون مع أصدقائهم اللبنانيّين، تشي بأنّ الحراك الدولي يأخذ منحى جدّيّاً في دفع اللبنانيّين إلى تخطّي خلافاتهم لتشكيل حكومة قادرة على تطويق الانهيار ومنع التفلّت الأمنيّ.
من الواضح جدّاً أنّ اهتمام الدول الأساسية بلبنان متفاوت ربطاً بمصالح هذه الدول. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، وكما تعبّر السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا في مجالسها مع بعض اللبنانيّين، تفضّل عدم وقوع لبنان في الفوضى التي قد يخلّفها البركان الاقتصادي – المالي. ولهذا باتت تضغط باتجاه تأليف حكومة تتناسب مع المعايير الموضوعة دوليّاً، والتي تعبّر عنها المبادرة الفرنسية، فيما تسعى باريس إلى أن تكون عرّابة الحلّ في لبنان من خلال مبادرتها التي فقدت الكثير من جوانبها، لكنّها لا تزال تحمل خارطة طريق إصلاحية تنزل منزلةَ “المعبر الإلزامي الدولي” لمدّ يدّ المساعدة للبنان.
أمّا موسكو، كما يقول بعض المطّلعين على الموقف الروسي، فصارت شريكة في منطقة الشرق الأوسط من خلال البوّابة السورية، وتتطلّع إلى الملفّ اللبناني من خلال هذه الزاوية، وتحديداً من خلال منع تسلّل الفوضى إلى المناطق الحدودية، التي قد تتحوّل إلى بؤر أمنيّة لخلايا إرهابية من شأنها أن تعطّل مصالحها في سوريا.
وعليه، يؤكد المواكبون أنّ الضغط الدوليّ على القوى اللبنانية ليس شكليّاً أو استعراضياً، كما يظنّ البعض، بل ينمّ عن مصالح دولية قد تتضرّر فيما لو استمرّت القوى اللبنانية في سياسة التعطيل، ولو بوجود شبه إجماعٍ دوليٍّ على أنّ التعطيل يأتي من جهة أساسية، هي قصر بعبدا.
تؤكّد المعلومات أنّ الثنائي الشيعيّ سيعاود خلال الأيام المقبلة اتصالاته على خطّين: أوّلهما خطّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع رئيس الحكومة المكلّف، وثانيهما خطّ “حزب الله” مع رئيس التيار الوطني الحرّ، وفق قواعد باتت ثابتة: حكومة من 24 وزيراً لا ثلثَ معطِّلاً فيها لأحد
وفق معلومات “أساس”، كان وزير الخارجية المصري واضحاً في اللقاءات التي عقدها في بيروت، إذ لم يتردّد في القول إنّ بلاده تدرك جيّداً من هي الجهة المعطّلة لقيام حكومة، وإنّ موقف بلاده يعبّر عن موقف عربيّ موحّد إزاء الأزمة اللبنانية، بما فيه الموقف الخليجي. فيما اجتماعه مع رئيس الجمهورية ميشال عون لم يتّسم بالانسجام. وفي هذا السياق، تذهب المعلومات إلى حدّ تأكيد توجّه بعض الدول الخليجية إلى فرض عقوبات على شخصيّات مرتبطة بالقوى السياسيّة المتّهمة بالعرقلة.
وعلى خطّ موازٍ، تكشف المعلومات عن رسالة شديدة اللهجة تقصّدت موسكو إيصالها إلى الرئاسة الأولى عبر أكثر من صديق لبنانيّ، تحمّلها فيها مسؤولية التعطيل. لا بل أكثر من ذلك، ينقل اللبنانيون عن المسؤولين الروس تأكيدهم ضرورة قيام حكومة لبنانية متناغمة مع جوهر المبادرة الفرنسية، باعتبار السيناريو المعاكس قد يعرّض مصالحها للضرر. ولم يتردّد المسؤولون الروس، وفق بعض اللبنانيين، في اتّهام الفريق العوني بعرقلة التأليف، وتحذيره ممّا قد تحمله الأيام المقبلة.
إقرأ أيضاً: الحراك الديبلوماسي: ليونة دولية… وتصلّب عوني؟
في المقابل، تؤكّد المعلومات أنّ الثنائي الشيعيّ سيعاود خلال الأيام المقبلة اتصالاته على خطّين: أوّلهما خطّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي مع رئيس الحكومة المكلّف، وثانيهما خطّ “حزب الله” مع رئيس التيار الوطني الحرّ، وفق قواعد باتت ثابتة: حكومة من 24 وزيراً لا ثلثَ معطِّلاً فيها لأحد.
وتشير المعلومات إلى أنّ “التيّار” لن يكون في مقدوره الدفاع عن وجهة نظره، التي تقول إنّ للرئيس حقَّ تسمية كلّ الوزراء المسيحيين، إذا ما استثنينا “المردة” و”القومي”، ذلك لأنّ المسوّدة الأخيرة، التي أرسلتها الرئاسة الأولى إلى الحريري، تضمّنت تشكيلتها، ذات الـ18 وزيراً، واحداً مسيحيّاً من حصّة رئيس الحكومة. لذلك سيتركّز البحث، خلال المرحلة المقبلة، على الإخراج اللائق لحصّة الفريق العونيّ، التي ستكون من 8 وزراء، بينهم وزير أرمنيّ وآخر درزيّ.
هذا إذا صدقت العرّافات…