زيارة سامح شكري: مصر تفتح باب العرب إلى لبنان

مدة القراءة 6 د

تكتسب زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري بيروت أهميةً شكلاً ومضموناً. فهو أرفع شخصية عربية تزور لبنان الذي يعاني أقسى الأزمات. وهو بهذه الصفة العربية، قرّر أن يستثني من يمثّل نفوذ إيران في لبنان، أبرزهم حزب الله وجبران باسيل ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب. فلذلك الزيارة استثنائية بكل المقاييس.

وصل الوزير المصري البارز إلى العاصمة اللبنانية بعد زيارة له لفرنسا، حيث كان الملفّ اللبناني في صدارة المحادثات بين الجانبين. والرسالة غير المكتوبة، التي حملها الوزير شكري إلى بيروت بعد باريس، تفيد عن وجود غطاء عربيّ للجهد الدولي كي يمضي لبنان على طريق الخروج من نفق أزماته. لذا أتت ملاحظة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، بعد لقائه المسؤول المصري، في سياق ما انتهت إليه المحادثات المصرية – الفرنسية، إذ قال إنّ “المصريين والفرنسيين متخوّفون من انهيار البلد، ويريدون تشكيل حكومة قابلة للحياة”.

وتكشف هذه الأوساط عن قرار مصري اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتضمّن وجوب أن يحظى لبنان بحاضنة عربية مهما بدت ظروف هذا البلد محبطة. ولفتت إلى أنّ الجانب الفرنسي بعد كل المحاولات، التي بذلها لتشكيل الحكومة المنشودة في لبنان، قد وصل تقريباً إلى الحائط المسدود. ولم تكن القاهرة بعيدة عن المعطيات التي أدّت إلى فشل المبادرة الفرنسية، وأبرزها قرار إيراني بعدم السماح لأي جهد خارجي يؤدي الى تراجع نفوذ طهران في لبنان. وقد أتى قرار القاهرة، باستبعاد “حزب الله” من جدول لقاءات الوزير شكري في لبنان، ردّاً على السعي الإيراني إلى الاستفراد بالقرار اللبناني. ولم يكن استبعاد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من هذه اللقاءات بأهمية استبعاد “حزب الله”. فرئيس “التيار” هو، حسب توصيف الأوساط الديبلوماسية، “أداة” بيد الذراع الإيرانية. وما عرقلة باسيل لجهود تشكيل الحكومة سوى تجسيد لتبعيّته لـ”حزب الله”.

تكشف هذه الأوساط عن قرار مصري اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتضمّن وجوب أن يحظى لبنان بحاضنة عربية مهما بدت ظروف هذا البلد محبطة

سبقت شكوك كثيرة زيارة وزير خارجية مصر ورافقتها وتلتها، ولكنّ كل هذه الشكوك لم تقدم جواباً عن السؤال: لماذا قرّرت القاهرة الحضور إلى بيروت مع معرفتها المسبقة بحجم الصعوبات التي تقف في وجه أيّ مسعى للحلّ في لبنان؟

تجيب الأوساط الديبلوماسية أنّ مصر شرعت في تثبيت الحضور العربي في لبنان بعد غياب طويل لأسباب شتّى. وهذا الحضور ليس شرطاً لتغيير المعادلات القائمة الراجحة لصالح النفوذ الإيراني. لكنّه حضور يؤسّس لتغيير المعادلات في المرحلة المقبلة. وشرحت الأوساط ما تعنيه بالتأسيس، فقالت إنّ حضور مصر يعني أيضاً أنّ العودة الكاملة للبنان إلى الكنف العربي ليست إلا مسألة وقت. وهذا تحديداً ما ينفع لبنان الذي يحتاج إلى نور عربي في نهاية هذا النفق المظلم.

ولم يفُت الأوساط الديبلوماسية الإشارة إلى الانفتاح الذي قام به أخيراً رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نحو الخليج العربي، وفي مقدم أقطاره المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يبيّن أهمية الحضور العربي. فلا خلاص للعراق إلا بالخروج من التبعية لطهران، التي يجسّد نفوذها الفقر حيثما حلّ في المنطقة. وفي العراق اليوم جيل توّاق إلى عودة الرخاء إلى بلاد ما بين النهرين. وما الأعوام، التي تلت الغزو الأميركي للعراق عام 2003، سوى تجربة مرّة نتيجة التغلغل الإيراني.

وفي الصورة الشاملة، التي يحتلّ لبنان جزءاً منها، يأتي الحوار الأميركي – الإيراني الذي انطلق في فيينا. وتعتبر هذه الأوساط أنّ نفوذ المحافظين في إيران إلى تصاعد، وهم يتّجهون إلى إحراز الفوز في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في حزيران المقبل. وأشارت إلى أنّ الإدارة الأميركية قد تكون تسرّعت في قبول العودة إلى الاتفاق النووي الذي خرجت منه الإدارة السابقة عام 2018. إذ كان من الأفضل لواشنطن التريّث لمعرفة ما التنازلات التي سيقدّمها المتشدّدون في طهران كي يحدّدوا على أساسها سُبُلَ العودة الى هذا الاتفاق. أمّا الآن فكلّ ما يريده هؤلاء هو الحصول على هذه الورقة من الولايات المتحدة كي يمضوا في روزنامة عملهم القائمة حالياً على تركيز سيطرتهم في داخل إيران وخارجها ضمن مناطق نفوذهم.

سبقت شكوك كثيرة زيارة وزير خارجية مصر ورافقتها وتلتها، ولكنّ كل هذه الشكوك لم تقدم جواباً عن السؤال: لماذا قرّرت القاهرة الحضور إلى بيروت مع معرفتها المسبقة بحجم الصعوبات التي تقف في وجه أيّ مسعى للحلّ في لبنان؟

وتزامنت زيارة وزير خارجية مصر للبنان مع ظروف إقليمية ودولية يحيطها الغموض. وفي المعلومات، التي حصلت عليها “أساس” من مصادر واكبت محادثات المسؤول المصري، أنّ شكري خرج بانطباع، بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، أنّ الأخير لا يريد سعد الحريري أن يصبح رئيساً فعليّاً للحكومة. وحملت في طيّاتها آخرُ المواقف، التي أعلنها الوزير شكري قبل مغادرته لبنان، ردّاً على النهج التعطيلي الذي يمارسه الرئيس عون، إذ قال إنّه أكد للرئيس المكلّف، الذي كان آخر من التقاهم في زيارته للبنان: “دعم مصر الكامل لجهود تشكيل حكومة منسجمة وقادرة على تنفيذ مهمّاتها الدقيقة والصعبة، وبطريقة غير تقليدية ومختلفة جذرياً عن منطق التعطيل والتجاذب السياسي، باعتبار أنّ ذلك هو الطريق الوحيد لنجاح حكومة المهمّة، وحصولها على الدعم المطلوب عربياً ودولياً، واستعادة لبنان لموقعه الطبيعي منارةً عربيةً عزيزةً على قلب كل مصري وعربي”.

إقرأ أيضاً: بورصة الحكومة: فرنسا مصرّة.. السعودية تشترط.. ومصر تحاول

لكنّ ما لم يقُله الوزير شكري، قاله الرئيس فؤاد السنيورة في حديث تلفزيوني صرّح فيه أنّ “مصر قامت بهذه الخطوة بعدما تشاورت مع الشقيقة المملكة العربية السعودية ومع الدولة الفرنسية، وكانت أيضاً على تواصل مع الكرسي البابوي. ويؤدّي دور مصر في العالم العربي والعالم إلى ما يسمّى التقدّم على المسارات الصحيحة لإخراج لبنان من الاستعصاءات التي يمرّ بها، والتي أصبحت تحول دون تأليف الحكومة العتيدة”.

عادت مصر إلى لبنان… لا بل فتحت الباب لعودة العرب.

كان هذا الكلام سارياً حتى ليل أمس حين سرّبت رويترز خبراً عن مقترحات فرنسية – أوروبية لفرض عقوبات على ساسة لبنانيين، وهو ما يؤكّد أنّ المشهد سيزداد تعقيداً فوق تعقيداته.

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…