في نهاية شباط الفائت انتهت المهلة الممنوحة للمصارف لتكوين السيولة في المصارف المراسلة، بعدما انتهت في بداية السنة الحاليّة المهلة الممنوحة لزيادة الرساميل.
حتّى اللحظة، يخيّم الغموض على المشهد. إذ لم يتضح بشكل دقيق عدد أو هويّة المصارف التي فشلت في تحقيق هذه المتطلبات، التي حددتها تعميمات المصرف المركزي. لكنّ الأهم اليوم هو أنّ نهاية عمليّة زيادة الرساميل والسيولة في المصارف المراسلة، لن تكون نهاية المطاف، بالنسبة إلى المصارف التي أنجزت الزيادات المطلوبة وتلك التي ستتمكن من إنجاز هذا الأمر خلال الأشهر القليلة المقبلة. فمصرف لبنان رسم لهذه المصارف مسارًا يحدد كيفيّة استعمال هذه السيولة والرساميل، كما حدّد لها نِسب المؤونات المطلوبة للتعامل مع الخسائر المتوقعة في ميزانياتها.
بمعنًى آخر، ما تزال المصارف في بداية طريق إعادة الانتظام إلى عمل القطاع المالي، وهو مسار سيمتدّ طوال مرحلة لن تقلّ عن خمس سنوات في أفضل السيناريوهات، فيما قد تمتدّ إلى ما يقارب الـ10 سنوات، إذا وجد المجلس المركزي لمصرف لبنان أنّ مصلحة القطاع قد تقتضي ذلك.
مصرف لبنان منح المصارف مهلة خمس سنوات للعمل على تكوين المؤونات المطلوبة مقابل توظيفاتها في سندات اليوروبوند، وشهادات الإيداع بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان. مع العلم أنّ هذه المؤونات هي مبالغ يتم اقتطاعها من بيانات الربح والخسارة الخاصة بالمصارف، من أجل تخصيصها للاعتراف بخسائر هذه التوظيفات لاحقًا وشطبها من الميزانيات. وبعد انتهاء المصارف من عمليّة زيادة الرساميل، سيحقّ للمجلس المركزي لمصرف لبنان زيادة هذه المهلة الممنوحة للمصارف لحدود الـ10 سنوات، وفقًا لتقديره لفاعليّة عمليّة إعادة الرسملة، وقدرة المصارف على تحمّل نسب المؤونات المقتطعة من ميزانياتها والمطلوبة منها.
بمعنًى آخر، ما تزال المصارف في بداية طريق إعادة الانتظام إلى عمل القطاع المالي، وهو مسار سيمتدّ طوال مرحلة لن تقلّ عن خمس سنوات في أفضل السيناريوهات، فيما قد تمتدّ إلى ما يقارب الـ10 سنوات، إذا وجد المجلس المركزي لمصرف لبنان أنّ مصلحة القطاع قد تقتضي ذلك
وقد حدّد مصرف لبنان نسب المؤونات المطلوبة من المصارف بنحو 45% من قيمة سندات اليوروبوند، وهي سندات الدين المقوّمة بالعملة الصعبة التي توقّفت الدولة عن سدادها خلال الفترة الماضية. أي أنّ مصرف لبنان يتوقّع تكبّد المصارف خسارة تقدّر بهذه النسبة من إجمالي هذه التوظيفات. مع العلم أنّ مصرف لبنان استبق بهذه النسبة مفاوضات الدولة مع المصارف اللبنانيّة، التي يُفترض أن تحدّد في المحصّلة نسبة الاقتطاع من هذه السندات بعد إعادة جدولتها، فيما يبدو أنّ هذه النسبة تنسجم مع تقديرات لجنة المال والموازنة بالنسبة إلى الخسائر المتوقعة من تعثّر الدولة في سداد ديونها. وعلى أيّ حال، لن يكون على المصارف –وفقًا لخطة مصرف لبنان – احتساب أيّ خسائر لجهة توظيفات المصارف في سندات الدين بالليرة، ربما لكون الدولة مستمرّة حاليًّا في سداد هذه السندات. مع الإشارة إلى أنّ المصارف تعتبر أنّ هبوط سعر الصرف بحد ذاته، يمثّل “هير كات” مقنّعًا على قيمة السندات، ما يعني عدم الحاجة إلى التفاوض على قيمة هذه السندات خلال المرحلة المقبلة.
بالنسبة إلى توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان، سيكون على المصارف تكوين مؤونات بنسبة 1.89% من إجماليّ قيمة شهادات الإيداع التي اكتتبت بها لدى المصرف المركزي بالعملات الأجنبيّة، ويبدو أنّ هذه النسبة مقدّرة وفقًا لحجم التوظيفات التي قام بها مصرف لبنان من أموال المصارف في سندات اليوروبوند، وسائر الديون السياديّة. لكنّ مصرف لبنان لم يطلب من المصارف تكوين أيّ مؤونات مقابل توظيفاتها بالليرة اللبنانيّة لديه، معتبرًا نفسه الجهة التي تملك امتياز خلق وإصدار النقد بالعملة المحليّة، ما يعني عدم إمكان وجود خسائر أو مخاطر ائتمانيّة من هذه الناحية.
بالنسبة إلى توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان، سيكون على المصارف تكوين مؤونات بنسبة 1.89% من إجماليّ قيمة شهادات الإيداع التي اكتتبت بها لدى المصرف المركزي بالعملات الأجنبيّة
وهكذا سيكون على المصارف خلال مهلة خمس سنوات، قد تمتدّ إلى عشرة وفقًا لتقدير المجلس المركزي، أن تعترف وتُدرج الخسائر الناتجة عن تعثّر الدولة في ميزانياتها. وخلال فترة هذه السنوات الخمسة، سيكون على المصارف أيضًا أن تسيّل جميع العقارات التي قدّمها إليها المساهمون فيها لزيادة الرساميل، وفقًا لتعميمات مصرف لبنان، على أن يُستخدم مردود عمليات البيع لتكوين الزيادة بالأموال السائلة. مع العلم أنّ مصادر مصرفيّة تشير لـ”أساس” إلى أنّ عمليّة بيع هذه العقارات ستمثّل فرصة لبعض المودعين، لتحويل سيولتهم العالقة داخل النظام المصرفي إلى موجودات عقاريّة، في مقابل استفادة المصارف من هذه السيولة في عمليّة إعادة الرسملة.
إقرأ أيضاً: “المركزي” يخفّض الدعم إلى النصف… في وجه دولار بـ10 آلاف؟
في المقابل، وبالنسبة إلى السيولة التي جرى تكوينها لدى المصارف المراسلة، فالمصرف المركزي يتجه خلال الأسابيع المقبلة، إلى إصدار تعميمات تنظّم عمليّة استقدام السيولة الطازجة إلى النظام المصرفي اللبناني، وفقًا لشروط تحتّم على المصارف ضمان الدولارات “الفريش” الوافدة إلى النظام المصرفي، بسيولة موازية في المصارف المراسلة. وبهذه الإجراءات، يراهن مصرف لبنان على خلق ثقة في أوساط المودعين في الحسابات المصرفيّة الجديدة، تسمح باستقطاب سيولة طازجة إلى القطاع. وبالنسبة إلى هذه الإجراءات المتوقعة، قد تساهم السيولة التي جرى تكوينها لدى المصارف المراسلة خلال المرحلة الماضية، بخلق قاعدة ماليّة يمكن الارتكاز إليها لتنفيذ هذه الخطة.
أخيرًا، وفي ما يخصّ علاقة المصارف بالمودعين، وتحديدًا أصحاب الدولارات المحلّية (أي اللولار)، فمن المتوقّع بعد الدخول في مرحلة رفع الدعم أن يتجه النظام المالي إلى توحيد أسعار الصرف بشكل تدريجي. وفي هذه الحالة، يراهن مصرف لبنان على الوصول – على المدى الطويل طبعًا – إلى مرحلة يقارب فيها سعر المنصّة سعر صرف الدولار الفعلي في السوق، وهو ما سيسمح لأصحاب هذه الودائع بالاستفادة منها وفقًا لسعر صرف أكثر عدالة. لكنّ الوصول إلى هذه المرحلة سيبقى مرهونًا بمستقبل التفاوض مع صندوق النقد، نظرًا لحاجة النظام المالي إلى رزم الدعم الخارجيّة للدخول في هذا المسار بشكل سلس. ومن المعلوم أنّ مستقبل هذه المفاوضات ما يزال معلّقًا بانتظار الحكومة الجديدة وإعادة صياغة الحكوميّة المتكاملة للتعامل مع الملف.